في الماضي السحيق كان الحكام والقادة والطغاة المستبدون، يستلمون دفة الحكم بالطرق غير المشروعة، وظهر الاستبداد عند قدماء الإغريق، نتيجة لنمو الصراع بين طبقة من الشعب والطبقة الأرستقراطية، وكان عندما يظفر أحد الحكام بالسلطة بسبب التأييد الذي حصل عليه من قبل بعض الجماهير، يقوم ذلك الحاكم بتشكيل الحكومة، ثم ينقل تلك السلطة تحت تصرفه وإرادته كي يمارس طغيانه وفرمانه على الشعب المغلوب على أمره، وما أشبه اليوم بذلك الزمن التعيس·
في ذلك الوقت الممعن في التقدم، لم تكن كلمة الاستبداد بمفهومها الحالي ولم تتعرض الى أي نقد أخلاقي كما هي الحال الآن، وعند نشوء السلطة الدستورية الديمقراطية تغير المفهوم وذلك في القرن الخامس قبل الميلاد·
ومن بين الأسماء التي استدللنا عليها من بعض المراجع، توصلنا الى أن الأسماء التي اشتهرت بالاستبداد والتفرد بالحكم في ذلك العهد: بريتندر من كورينث Pretender of Cornith وبستراس من أثينا Pisistratus of Athens، أما في عصرنا الحالي فما أكثر المستبدين، بدءا بذاك الذي يعد نفسه ظل الله على الأرض بصلاحياته المطلقة حتى قيام الساعة، ومن قبله الشاه الحقير المقبور وستالين وهتلر النازي وأخيرا صدام الفاسد ونظامه البائد·
من المعروف أن المستبد لا بد أن يدفع ضريبة استبداده وأن من الجلي والمفهوم أكثر أن من يستبد برأيه يهلك، أن الاستبداد صفة وسمة سيئة وذميمة، وعلى من يتبنى هذا النهج أن يتحمل تبعات فعلته الشنيعة بحق نفسه ومجتمعه، وفي هذا الصدد يقول الشاعر والروائي والعالم الألماني المشهور غوتة: "إن الذهب من أكثر الأشياء إشراقا، ولكن ضوء النهار أكثر إشراقا منه، بينما الحوار هو الأكثر إشراقا من كليهما" وإذا كنا فعلا نرغب في التغلب على الغطرسة والاستبداد فعلينا أن نتقدم نحو الحوار البناء والموضوعي، إلا أن هناك بعض الأفراد لا يطيقون ولا يؤمنون بالحوار الهادئ والموضوعي، وللوهلة الأولى نجدهم يفرون من المواجهة الكلامية، إما لأنهم لا يملكون رحابة الصدر أو بسبب افتقارهم الى الثقافة والمعلومة أو لأن الحوار يكشف عن زيف أمرهم، وبالتالي يسقط أقنعتهم المهلهلة والواهية، في الواقع الواحد منا يستغرب من بعض الأفراد عندما لا يرحبون ولا يرغبون بالحوار الهادئ والعقلاني والبعيد كل البعد عن التشنج والاستفزاز، وعلى الرغم من أن البعض منهم يملك المعلومة لأي حوار بناء يطرح، إلا أننا نجدهم لا يحبذون الحوار، والأنكى من كل ذلك عندما يكون البعض منهم ذا موقع ومسؤولية حساسة ومهمة ومعرضة للحساب والاستجواب، ونلاحظ أن هؤلاء من أوائل الرافضين والفارين من الحوار!! وحينما نذكر لأحدهم لماذا كل هذا الذعر والضجر؟ يا عزيزي (لا تبوق ولا تخاف) المعضلة أن لا حياة لمن تنادي، ولا حياء فيمن تنادي·
إن المجتمعات المتحضرة لا يرهبها ولا تخشى من النقاش الصريح المثمر والجريء، ولا يمكنها أيضا أن تستغني عن الحوار الحر·
بالحوار الصادق والشفاف تنقشع الغيوم المتلبدة والمعتمة، وتقترب الأفئدة المتباعدة أكثر فأكثر، اليوم الكل مدعو للحوار والنقاش، بيد أن ثمة أشخاصا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصل الى أي فائدة مرجوة من خلال حوارنا معهم، وذلك بسبب صلافتهم وعنادهم ومكابرتهم حتى على صغائر الأمور، بالتالي هكذا أناس الحوار معهم إرهاق للنفس وهدر للوقت، ما لم يتنازل هؤلاء عن أبراجهم العاجية وأفكارهم البالية·
freedom@taleea.com |