إن صلابة وقوة أي مجتمع تكمن في ترابطه وتمسكه بجوهر الوطنية الأصيلة، ولذلك نجد أن الدول المتقدمة ترفض وتتصدى لأصوات النشاز التي تدعو الى الانقسامات والعصبيات الدينية والعرقية، متانة تلك المجتمعات الراقية تتأتى من خلال التزامها بالنظام والقانون والاجتهاد والعمل، وليس عن طريق المراوغة والتجاوز والقفز على القوانين أو الاستناد إلى النسب والحسب والفئة والطائفة التي ينتمي إليها فلان أو علان·
معضلة الكثيرين عندنا هي اجترارهم للماضي، وكأن المستقبل في أحشاء الماضي بما يحتويه من شخوصه وأحداثه، ما يندى له الجبين حقيقة، التجزؤ الذي يكابد منه مجتمعنا الصغير، فهل يعقل أن تطال تلك الانشقاقات حتى أبناء العائلة أو الأسرة الكويتية الواحدة؟! إن خصوم الأمة دائما وأبدا همهم وديدنهم تمزيق أواصر المجتمع، ليتسيدوا ويحصدوا ثروات الأمة بطرق ملتوية وغير مشروعة، ليت هؤلاء عادوا لضمائرهم ولو للحظة، كي يتبين لهم مدى بشاعة فعلهم في حق الأمة والوطن، المؤسف أن الحاشية والبطانة الفاسدة الملتفة منذ سنوات حول علية القوم، هي التي تزين لهم أعمالهم وتنفخ فيها بالأكاذيب والفذلكات المشوهة البعيدة عن واقع وحقائق الأمور، إن طرق التدليس التي ينتهجها هؤلاء مردها الى أن تنقلب عليهم عاجلا أو آجلا، وفي هذا الصدد، أذكر من التاريخ قصة أحد ملوك فارس وهو نادر شاه، نمى الى مسامع الملك أن ابنه ينوي الانقلاب عليه للظفر بكرسي الحكم، ثارت ثائرة الملك فقام بفقء عيني ابنه!! وعندما تبين للملك أن الخبر الذي نقل إليه عن طريق حاشيته غير صحيح، أمر الملك بإعدام حاشيته وهم من الوشاة· المستفاد من هذه القصة أن على المسؤول أن يلتزم الحذر والدقة في انتقائه لأفراد حاشيته أو من هم بمثابة ساعده الأيمن·
نعود لصلب الموضوع، ما يزيد في الضمير الحزن والأسى، عندما نجد كل جماعة تسعى لاسترداد حقوقها المجهضة، من خلال ثقلها الطائفي والقبلي أو درجة ومكانة الأسرة التي ينتسبون إليها، فبدلا من أن يجتمع الجميع حول النظام والقانون ومؤسسات المجتمع المدني، نلاحظ أن الأغلبية لا تؤمن بذلك ولا تحبذه، ومن يتكلم عن المبادئ والأخلاقيات والمثل وينصح باللجوء الى الدستور لكسب الحقوق المشروعة والمكفولة، يكتشف ذاك الشخص كأنه يغرد خارج سرب الغوغاء، وما يتفوه به يعده البعض الآخر ضربا من ضروب الجنون أو أضغاث أحلام، يقول المثل: "ليس الملاك ملاكا بإرادته، وليس الشيطان شيطانا بإرادته، ولكن الإنسان أحدهما وبإرادته"·
في واقع الأمر أن الأحرار والأغيار تعتصر أفئدتهم حينما يجدون أمتهم الصغيرة تتشتت أكثر من ذي قبل دونما رادع أو حائل حقيقي، تارة من أجل حطام الدنيا الفانية، وتارة أخرى نتيجة لجهل وسذاجة البعض الآخر، إن الدولة وكذلك نواب البرلمان ينبغي عليهم أن يلتفتوا لتلك المأساة، وعلى هؤلاء أيضا أن يعوا فداحة ذلك الخطب الجلل، ففي تجاهل دور تلك السلطتين لا يجدي الأمر نفعا، ومآله الفساد والإفساد، وعليه أرى أن موضوع تقليص الدوائر الانتخابية ذات أهمية قصوى وكبيرة، للحيلولة من تفاقم واستفحال تلك المثلبة·
لماذا الانتخابات الفرعية؟
إن لجوء إحدى الجماعات ومنذ سنوات للانتخابات الفرعية للاتفاق حول مرشح واحد يمثلها في كل انتخابات للمجلس البلدي، ذلك الخطب يعد في خانة الفوضى والعبث بالديمقراطية، ترى ما ردود أفعال تلك الجماعة أو الدولة لو لجأت إحدى الجماعات لمثل ذلك الأسلوب الملتوي؟ إن صمت الدولة ونواب الأمة عن هذا التعدي على حقوق الآخرين بالرغم من وجود قانون يجرم ذلك، يفهم منه أنهم راضون ويباركون ذلك الفعل، ولذلك هنيئا للإصلاح والمصلحين والمتمصلحين على تفتيت المجتمع وضياعه·
freedom@taleea.com |