واضح جدا أن الوضع العراقي بحالة بالغة الخطورة وأن الزمن العراقي الحالي زمن مفصلي وقد عبر عنه الرئيس الأمريكي بوش، بعد أحداث سامراء وما بعدها، عندما قال بأن على العراقيين أن يختاروا بين وحدة بلادهم والحرب الأهلية·
بداية يجب أن نقر بأن هناك فرقا شاسعا بين الحلم والواقع، فجميعنا يحلم بأن يسود العراق الهدوء والطمأنينة والاستقرار ويتم بناء البلاد، ولكن كما هو واضح جدا وبما يجري الآن أن هذا مجرد حلم بل حلم بعيد المنال والتحقيق·
والواقع يقول إن الإرهاب يعم البلاد والموت في كل شارع وزقاق والذين فقدوا السلطة والتسلط في 9/3 لا يريدون أن يعترفوا بأن العراق ليس لهم وحدهم، وأن الديمقراطية هي التي تأتي بالحاكم كائنا من كان، وأن الحكم مسؤولية وليس متعة كما يظنون وكما تعوّدوا، حيث قد صرح أكثر من سياسي منهم بذلك قائلا (···· لن ندعهم - الشيعة - يستمتعون بالحكم)·
ولكن الولايات المتحدة، الدولة صاحبة أكبر نفوذ سياسي وعسكري في العراق أثبتت جهلها بالواقع العراقي وبجهلها هذا أصبح العراق ومن أول يوم بعد التغيير، حقل تجارب للسياسة الأمريكية·· فمرة حاكم عسكري وأخرى مدني ومرة ممثلها في الأمم المتحدة سفيرا للعراق وأخرى سفيرها في أفغانستان سفيرا واليوم محاورة الجماعات المسلحة وغدا توقفه وتقول لاحوار مع الإرهاب، بالأمس تدعم هذا السياسي واليوم تدعم غريمه·
ولأن الحلم لا يمكن أن يكون واقعا مهما بقينا نحلم وبما أن أمريكا حائرة وتبحث عن حل وبما أن العراق أصبح حقل تجارب، لكل ذلك وغيره أدعوا أمريكا أن (تجرًّب) أحد الخيارين الآتيين اللّذين كما يبدو لا ثالث لهما في عراق الأعراق·
الحل الأول هو أن تمضي أمريكا قدما وبكل ثقة لتكملة ما بدأته وبالزخم الأول نفسه في 9/3/2003 وباتجاه واحد لا رجعة فيه وتبدأ بخطوات واضحة وقوية فتفعل قانون اجتثاث البعث وتنهي محاكمة الدكتاتور وكل مساعديه في جريمة الدجيل وغيرها بإعدامهم جميعا وتبدأ حملة شاملة وسريعة لإخلاء السجون، فالذي لا يدان يطلق سراحه والذي يدان يعدم ولو بلغ المعدومون المئات و···· أيضا اتخاذ خطوات سريعة جدا مثل تبديل العَلم العراقي وتطبيق فعلي وصارم لقانوني الطوارىء والإرهاب·
وإما أن (تجرب) أمريكا الحل الثاني وهو مكروه جدا "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، وهذا الحل هو إنضاج الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة، وأنا أقول إنضاج لأنه في الواقع أن حرب السنة على الشيعة قائمة منذ أن تهاوى أول صنم للدكتاتور·
نعم إن الحرب الأهلية ستكون هي الحل لأن الخصمين، أي خصمين، لا يمكن أن يجلسا معا إلا بعد أن يُنهَكا ويتأكدا بأن الحرب الأهلية هي الأمَرَّين إن كان التنازل لبعضهما هو المُر·
العراق في أزمة ولا يمكن لأزمته أن تنفرج إلا بعد أن تشتد اشتدادا حقيقيا وكما يقال (يا أزمة اشتدي تنفرجي)، العراقيون يعرفون جيدا الدواء المناسب (للدنبلة) وهو (المرهم) الذي يساعد ويعجل ويزيد في اختمارها فتنفجر وتزول·
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وقى الله العراق وأهله من كل ما هو ليس في خيره·
ali_alsukhni@hotmail.com |