|
طرحت في الآونة الأخيرة مجموعة من القرارات والمشاريع الساعية الى تفعيل عجلة الحداثة والانفتاح في المجتمع السعودي، هذا المجتمع الذي يعد الأكثر محافظة في منظومة الدول العربية، آخر ما طرح في الساحة السعودية كان مسألة "حق" المرأة في قيادة السيارة، وهو المشروع الذي رأى البعض أن مناقشته وحدها تحوي انتهاكا "لحق" المرأة بشكل عام، بينما رأى البعض الآخر أن مثل هذه المناقشة تعتبر قفزة إيجابية لما يتعلق بحقوق المرأة في هذه المملكة المحافظة·
"حق" قيادة المرأة السعودية للسيارة لم يكن مطلقا وكما تصور المتفائلون، بل جاء مكبلا بشروط قد تعرقله وتئده في مهده·
فقد اشترطت الحكومة موافقة الآباء والأزواج والإخوان على تمتع المرأة بحق القيادة، مؤكدة وفي أكثر من حديث وتصريح أن السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة هو شأن اجتماعي يقرره المجتمع، بينما اعتبرت هيئة كبار العلماء - والتي هي أعلى سلطة دينية في السعودية - أن قيادة المرأة للسيارة هو أمر مخالف للدين الإسلامي·
لقد أخطأ بكل تأكيد كل من تصور أن حق المرأة في القيادة·· أو أي حق آخر من حقوقها، بالإمكان تفعيله أو تشريعه بقرار·· مهما بلغت أهمية ومركز مصدر القرار، ولعل في تكرار مثل هذا الخطأ يكمن السبب الأول وراء إخفاقنا كمجتمعات عن تحقيق خطوات ملموسة في طريق التحول نحو دول ديمقراطية النهج حرة الإرادة والمسلك·
فالحقوق الإنسانية أيا كانت طبيعتها سواء كانت حقوق سياسية أم حقوق رأي وتعبير أم حقوق اجتماعية ولا نستثني منها حق المرأة السعودية في قيادة السيارة تشترط القبول الاجتماعي ربما قبل القرار السياسي، بمعنى أنها يجب أن تنبع من يقين المجتمع بأحقيتها وشرعيتها قبل أن يقرها القانون ويشرعها، ففي مجتمع محافظ كالمجتمع السعودي اعتاد رؤية المرأة في دور تقليدي مقنن ومقتصر على مجالات ضيقة جدا سيكون من الصعب عليه - أي المجتمع - أن يتقبل المرأة في صورة مختلفة أو جديدة، بل إن مثل هذا الرفض لحق جديد للمرأة·· قد يكون في أغلبه من العنصر النسائي·
لا أحد بالطبع ينكر على المرأة السعودية حق التمتع بحق القيادة خاصة في ظل ظروف العصر ومعطياته وما أحدثه ذلك من تحولات جذرية في أدوار المرأة ومسؤولياتها، لكن الكثير سواء من داخل المجتمع السعودي أو من خارجه يدرك أن مثل هذا "الحق" لا يمكن أن يأتي مجردا أو بمعزل عن باقي الحقوق التي يفترض أن تتمتع بها المرأة، فحق قيادة السيارة هو "حق" ضمني·· أي أنه يأتي مكملا لحقوق أخرى تكون المرأة متمتعة بها أصلا، لا أن يأتي منعزلا ومنفصلا عن سواه من الحقوق، وبصورة تجعله يشكل مكسبا بحد ذاته للمرأة السعودية·
أمام المملكة العربية السعودية مشوار طويل في سعيها لإعادة الاعتبار للمرأة والتي لا تزال تعيش على هامش المجتمع في هذه المملكة المحافظة، وأمام المرأة السعودية مشوار أطول مليء بالتحديات والعقبات في سبيل الحصول على الكثير من الحقوق التي غيبتها التقاليد اجتماعية كانت أم سياسية·
ومن الواضح أن المرأة السعودية ستجد صعوبة·· بل وربما تصطدم بالأعراف والتقاليد الاجتماعية خاصة بعد أن أثبتت "معركة قيادة السيارة" أن حربها ليست مع القرارات والقوانين السياسية وإنما هي أساسا في الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي استطاعت أن تخترق القرار السياسي، وتضيف شرطها بموافقة الإخوان والأزواج والآباء والأبناء قبل أن تستطيع المرأة أن تتمتع بحق بديهي كحق قيادة السيارة·
تنشر بالتزامن مع جريدة البيان الإماراتية
suad.m@taleea.com |
