لقد شدني ما قرأته قبل أيام في الموقع الإلكتروني لـ"bbc" باللغة العربية، حول سؤال يتعلق بالغزو الثقافي الأمريكي للعالم ولكن ما شدني أكثر هو الصيغة التي طرح بها السؤال وهذه صيغته: من ماكدونالدز إلى الجينز ومن توم كروز إلى برتني سبيرز· هل سيطرت الولايات المتحدة على الثقافة في العالم من الشرق إلى الغرب من خلال الغزو الثقافي؟

نرى من صيغة السؤال شيئا ملموسا من الأدلة التي تبرهن على سيطرة الثقافة الغربية - الأمريكية - حيث إنه لا يوجد شاب أو شابة إلا يأكل من مطاعم الوجبات السريعة - بشكل عام - أو يرتدي الجينز أو يشاهد السينما الأمريكية· ولكن هل يعتبر هذا غزوا ثقافيا؟ من وجهة نظري الخاصة لا يمكن أن نسمي هذا غزوا ولعدة أسباب وأهمها هو أن هذه الثقافة لم تنتقل عن طريق الإكراه بل بطريقة العرض والقبول والإقناع وكذلك بسبب عدم الاقتناع بالثقافة العربية من قبل البعض ويكون عذرهم التطور والمعاصرة، ولو كان الكل مقتنعا بثقافته لما أصبحنا تحت تخدير الثقافة الغربية بل لكنا استفدنا من إيجابياتها المتمثلة بالانفتاح، والتفوق العلمي وتركنا سلبياتها المتمثلة بالانحلال الأخلاقي الذي أصبح كالسرطان في جسد العالم العربي، ولكن ضيعنا على أنفسنا فرصة الاستفادة من ثقافتهم كما استفاد الغرب من ثقافتنا في عهد مضى·

لكن بخصوص من يسمون الانتقال الثقافي بالغزو فالرد عليهم بسيط حتى وإن لم يقتنعوا لأن هذه عادة من لم يكن له حجة فآخر حل يصل إليه هو أنه لم يقتنع· الرد يكمن في أن دول الوطن الإسلامي والعربي لم يجبروا على تبني الثقافة الغربية ولم يكن انتقال هذه الثقافة صعبا جدا وخصوصا مع التطور الإعلامي ووسائل الاتصالات والعولمة التي جعلت الكرة الأرضية كمدينة تضم عددا من البيوت بدلا من الدول· وكذلك التبادل الاقتصادي الذي لا ينقل السلع التجارية فقط بل السلع الثقافية إلى جانبها· وكذلك لقد كان على الدول العربية الاحتكاك مع الدول الغربية لما فيها من تقدم صناعي وتجاري للاستفادة من هذا التقدم والثورة التكنولوجية والعلمية· وكذلك انتقلت الثقافة الغربية من خلال السياحة والهجرة العربية إلى الغرب، وكذلك بسبب القوة العسكرية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي جعلت العالم يلتفت إلى الولايات المتحدة كقوة عالمية جديدة شكلت بعدها الأمم المتحدة مما أدى إلى دخول دول العالم في هذه المنظمة العالمية التي نقلت بدورها الثقافة الأمريكية إلى العالم·

أما من ناحية سيطرة الولايات المتحدة على العالم ثقافيا، فحقيقة، تسيطر الولايات المتحدة على العالم ثقافيا حيث إن الثقافة الأمريكية ليست موجودة في مكان واحد بل في العالم أجمع، نجد أن الثقافة التجارية المسيطرة على السوق العالمية هي الثقافة الأمريكية التي قد أرست قواعدها من خلال منظمة التجارة العالمية وكذلك من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي يتم عن طريقها العولمة الاقتصادية مما يؤدي إلى اتباع الأساليب الليبرالية الأمريكية·

وفي الختام أود التنويه مع دفاعي عن مسمى الانتقال الثقافي فإن ذلك لا يبرر أن الثقافة الأمريكية هي الأمثل ولا يبرر رضوخنا تحت هذه الثقافة واحتلالها محل ثقافتنا الأصيلة، ولكن التساؤل الذي يحتاج إلى دراسة أكبر وتمحيص هو: هل يمكن لأي مجتمع أن يحتفظ بثقافته في ظل العولمة؟

* طالب بقسم العلوم السياسية

جامعة الكويت