ما يثير الانتباه في تعامل بعض الحكومات العربية مع أزمة القمة هو ما نلاحظه من محاولات مستمرة لإعطاء الرأي الدولي الانطباع بأن النقاش الدائر حاليا حول هذا الموضوع يتبع تحليلا "واقعيا" لمشكلة القمة ويعتمد على مستوى عالٍ من الدبلوماسية في الطرح والتفاوض بين الأطراف بالطبع، أن يستخدم هذا النقاش الدبلوماسي عالي المستوى لإيجاد حل لهذه المشكلة هو ما يتمناه كل فرد عربي من المحيط حتى الخليج، أو على الأقل ما نتمناه نحن، ولكن يبدو أن الأزمة التي يتم نقاشها حاليا ليست فقط أزمة عدم الاتفاق على نوع الإصلاح السياسي المرغوب فيه ولكنها أيضا أزمة مؤسسة (منطقية) تتعلق بنوع الحوارات المستخدمة بين الحكومات العربية وما تعكسه هذه الحوارات من ميول ثقافية مختلفة·
بداية، ما يدور في القاعات المغلقة من نقاش "عربي عربي" يبدو أنه يتسم بإسهاب شديد في تفريغ المشحونات العاطفية المكبوتة منذ أزمة طويلة من أجل تصفية مشاكل قديمة وتتسم هذه الإسهابات العاطفية أيضا بمحاولات مستمرة لإعادة صياغة واستخدام مفردات تتعلق بثقافة قويمة معينة أعيد استخدامها مرارا وتكرارا بما فيه الكفاية وهذه الأخيرة لن تصلح كذلك من الوضع العربي، فمفردات كا "الأشقاء العرب" "والنقاش العربي الأخوي" و"مصلحة الأمة العربية" و "مواصلة المشاورات وتكثيفها بين الأشقاء" وما إلى ذلك من مصطلحات يرتجى منها تقوية "المشاورات العربية العربية" لا تعكس الواقع العربي الحقيقي ولكنها شطحات خيالية تزيد الأمور تعقيدا·
فالدول العربية التابعة للنظام العربي القديم أو التي ما زالت متبعة الطرح "القومي" والمسهبة في تفريغ شحناتها العاطفية المكبوتة تتغافل عن حقيقة أن المصطلحات أو المفردات التي تستخدمها في نقاشها مع الدول العربية الأخرى تتناقض مع الخصوصيات الوطنية للبلاد العربية فمصطلح "الأمة العربية" على سبيل المثال، يتجاوز ويغيّب الاختلافات الوطنية بين هذه الدول ويلغي التميز الثقافي المطلوب لكي تحافظ كل دولة على استقلال هويتها الثقافية·
النظام العربي الجديد، أو بالأحرى الحكومات العربية الجديدة أو المتجددة أو التي لم تقع بشكل كامل في الشرك القومي تدرك عدم تطابق مبدأ "الأمة العربية" على سبيل المثال مع وضعها الداخلي لما فيه من تغييب متعمد للفروقات في الأوضاع الداخلية لتلك الدول·
ما الحل الممكن لهذه الأزمة: قيام حركات إصلاح ثقافية عفوية من قبل الشعوب العربية تركز على أهمية المحافظة على قيمة الإنسان وتحث على المحافظة على حقوقه الأساسية وتنشر ثقافة الرأي الآخر في الأوطان العربية·
kaaljen@taleea.com |