شهدت الفترة الزمنية السابقة فراغا إعلاميا فضائيا عراقيا مطلقا وظل الفضاء احتكارا وبامتياز لقنوات فضائية تعبث بحقائق الوضع العراقي وتضخم أعمال تخريب البنى التحتية وتحاول جاهدة عرقلة العملية السياسية الدستورية وإشاعة جو من البلبلة والاضطراب والتعتيم على الوجه المشرق الآخر للعراق، حيث البناء والإعمار وبناء الدولة وانسيابية الحياة العامة وحركتها المطلقة، ما عدا الفضائية الكويتية التي كانت وما زالت تعكس حقائق العراق كما هي والتي لعبت دورا مشرفا قبل وبعد سقوط نظام صدام حتى أصبحت صوتا للعراقيين الذين لا صوت لهم·
لكن ذلك الاحتكار البغيض قد تم كسره ووضعه أمام الامتحان العسير وكشف جميع عيوبه وإخفاقاته ودوره التخريبي المشبوه وذلك منذ بداية البث لبرامج الفضائيتين (العراقية) و(الشرقية) وهناك أربع قنوات في الطريق هي الفجر والديار والفرات والأنوار وغيرها، حيث استطاعت فضائيتا (العراق) و(الشرقية) وبفترة قياسية وجيزة جدا أن تثيرا انتباه ومتابعة ملايين المشاهدين بأخبارها وتقاريرها المصورة ومسلسلاتها ومقابلاتها ووضعتا المشاهد في عمق المشهد العراقي الحقيقي بحلوه ومره، بأفراحه ومنجزاته وأحزانه وانكساراته دون تزوير أو تنميق أو تلفيق وأصبحتا مرجعا موثوقا وموثقا بالصوت والصورة لكل تفاصيل الحياة العراقية ومستجداتها وموروثها السياسي والفكري والفني والثقافي والرياضي وجاء مسلسل (حب وحرب) الذي أنتجته (قناة الشرقية) ليكون الإنجاز الأبرز بعد فيلم (المقابر الجماعية) الذي عرضته (قناة العراقية)، هذا المسلسل الذي اهتمت به الصحافة العالمية أكثر من الصحافة العربية والذي عكس وبتلقائية وحميمية جوهر الوضع العراقي الذي أفرح الجميع مثلما أبكاهم موت أم فوزي في ختام حلقته الأخيرة من جزئه الأول، وكان من شدة صدقه وصفاء أحداثه ونقاء فكرته وموضوعيتها، وجرأة طرحه من أشكال ومضامين أن جعل المشاهدين يشاهدون كل حلقة مرتين وبعضهم يسجلها ليعيد مشاهدتها مرات عديدة لإرواء ظمئه وإطفاء حرارة أشواقه وكذا فعل برنامج (يوميات مدينة) الذي ينقل الحياة العراقية في كل مدينة عراقية بإيقاعها الطبيعي العفوي دون تدخل، وبرنامج من الذاكرة ومقابلاته الثرية مع مفكرين وسياسيين ومؤرخين عراقيين كبار·
هذا النشاط الفضائي العراقي وإن جاء متأخرا إلا أنه استطاع أن يحرق المراحل ويقفز على الزمن ويكسر احتكار الفضاء ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ونسقها الشرعي النابض·
جلال الطالباني وغسيل العقول
يقول الأستاذ جلال الطالباني - رئيس الاتحاد ا لوطني الكردستاني: لقد استطعنا أن نلقي القبض على شخص على وشك تفجير نفسه بسيارة مفخخة تحمل كمية ضخمة من مادة الـ T.N. T وفي أثناء التحقيق معه وسؤاله بأنه سوف يموت وما فائدة الأموال إذا كانت دافعا للتفجير وكيف أنه سيرمي بنفسه وبغيره إلى التهلكة التي نهانا الله سبحانه وتعالى عنها لكنه انتفض قائلا: "أنا لن أموت فحين الانفجار يأتي 70 ملكا ويرفعوني إلى جنات الخلد وهناك بانتظاري 70 حورية وأخذ يبكي ويصرخ بحرقة وإيمان عميق: "لقد قطعتم علي طريقي إلى الجنة تبا لكم، تبا لكم"·
ويضيف الطالباني: حقا لقد دهشنا لعمق إيمان هذا الرجل وكيف تم غسيل عقله بعناية فائقة ومهارة عقائدية نادرة بحيث أصبح لا يرى غير طريق السيارات المفخخة إلى الجنة بوصفه أقصر الطرق وأكثرها شرعية وسببا خالصا للخلود، وقد حاول المحققون إقناعه دون جدوى بأن الذين يموتون بتفجير سيارته هم مسلمون أبرياء سترمل نساؤهم وييتم أبناؤهم وينقطع قوت يومهم وحينها فإن طريقه سيكون إلى النار وليس إلى الجنة لكنه أصر على أن يمضي متشبثا بقناعاته المنحرفة عن الدين الحق الذي أنزله الله على نبيه الكريم وسنة نبيه المشرفة لاطما وجهه بالحياء ناحبا أسفا على قطع طريقه إلى الجنة!!
hamid@taleea.com |