رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 25 جمادى الأخرى 1425هـ - 11 أغسطس 2004
العدد 1640

بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية
حميد المالكي
hamid@taleea.com

يقول الكردينال بنيس: "ما من مدرسة يمكن الاستفادة منها لمن يريد كتابة التاريخ مثل التمرس بالعمل الدبلوماسي فهي تعين على اكتشاف الحقائق السياسية من غضون الأوراق  والتصريحات وتعلم كيفية تأويل الوثائق والوقوف على نواقصها وتقوية الشعور بنسبية الوقائع وهي أولى مبادئ التاريخ"·

  في يناير عام 1992 أصدر المركز الإعلامي الكويتي بالقاهرة كتابا وثائقيا على جانب كبير من الشمولية والأهمية (الدبلوماسية الكويتية في مواجهة العدوان العراقي على الكويت) والذي تضمن الوثائق الكويتية والعراقية وفيما يلي نص رسالة مؤسس وراعي الدبلوماسية الكويتية سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - رئىس مجلس الوزراء إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 20 فبراير / 1991 لقوة بلاغتها المنطقية وموضوعيتها ودقة تقييمها للأوضاع وخلفياتها التاريخية وتفنيدها وبعمق الإدعاءات الباطلة للنظام العراقي في تبريره لغزو دولة الكويت الشقيقة:

"نص الرسالة"

اطلعنا على رسالة السيد "طارق عزيز" نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في العراق المؤرخة في 28 يناير 1991م والموجهة إلى وزراء خارجية الدول النامية ولاحظنا بامتعاض ما تضمنته من تزوير للوقائع وتزييف للحقائق وخلط للأوراق وكذب دعائي ممجوج يمثل استخفافا بالمجتمع الدولي ومؤسساته ومواثيقه وإرادته، لذا وجدنا أننا ملزمون أدبيا بالرد على تلك الرسالة ولمجرد التذكير والتوضيح نورد ما يلي:

أولا: إن الحرب بدأت يوم 2 أغسطس 1990م عندما شن نظام العراق عدوانه على الكويت في محاولة لطمس هويتها الوطنية وإلغاء كيانها السياسي وإن ذلك لا علاقة له بمؤمرات ودسائس إقليمية ودولية لا وجود لها إلا في الملفات الدعائية للنظام العراقي الذي يلفق هذه الإدعاءات لكي يبرر عدوانه التوسعي· تتحدث رسالة الوزير العراقي عن عدوان تشنه على بلاده من أسماها بالدول الإستعمارية مدعية بأن حكومات تلك الدول استغلت الاختلال في التوازن الدولي نتيجة الأوضاع المتردية للاتحاد السوفييتي لكي تقوم بالعدوان المزعوم·

 إن الوقائع والأحداث منذ عدوان النظام العراقي على الكويت قد أكدت بما لا يرقى إليه الشك بأن حقيقة الأمر على عكس ما يدعي ذلك النظام تماما·

 فالنظام العراقي لم يستوعب معنى الوفاق الدولي ومضامين النظام الحالي الجديد وأبعاده وبالتالي فإنه أخطأ في قراءته الفكر الجديد للسياسة الخارجية السوفييتية وبالتالي أساء تقدير رد الفعل السوفييتي على عدوانه· اعتقد النظام العراقي خطأ بأن العالم منشغل بالتغيرات السياسية والاقتصادية في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية وتوحيد ألمانيا وغير ذلك من شؤونه وضع قواعد عالم ما بعد الحرب الباردة فأراد أن يرتكب عدوانه التوسعي الإمبريالي في غفلة من المجتمع الدولي·

 ثانيا: نحن نتفق مع ما ورد في رسالة وزير الخارجية العراقي من أن شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية قد عملت بنجاح على تصفية الاستعمار والتخلص من الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال إلا أن ما أغفلته الرسالة هو أن هذه الشعوب حريصة على الدفاع عن مكاسبها وليست على استعداد للعودة إلى الوراء والقبول بالممارسات الإمبريالية والإذلال والاحتلال من أي مصدر كان ذلك فهي لن تستبدل احتلالا بآخر ومستعمرا بغيره فتلك حقبة مظلمة في تاريخ البشرية ولت إلى غير رجعة وستقاوم الشعوب الحرة في ظل نظام الأمن الجماعي الجديد أي محاولة للنيل من كرامتها والمساس بحرياتها وسيادتها على أرضها ومقدراتها·

 ثالثا: إن النظام العراقي منذ شهر أبريل 1990م تبنى تعريفات جديدة لم يعرفها العالم من قبل حين ادعى أن قيام بعض دول المنطقة بزيادة إنتاج النفط هو عدوان على العراق لأنه يمثل على حد زعمه لجوءا إلى استخدام القوة العسكرية وضمن هذا التوجه كانت رسالته إلى الجامعة العربية يوم 15 يوليو 1990م·

 رابعا: إن نظام العراق لجأ إلى أساليب الخداع الوضيعة، فبينما كانت المحادثات تجري يوم الأول من أغسطس 1990 في جدة بالمملكة العربية السعودية لحل الخلافات بينه وبين دولة الكويت بالوسائل السياسية المتعارف عليها حيث كان الاتفاق على مواصلة الحوار بين الطرفين وطمأن العراق أطرافا عربية ودولية بألا نية له في العدوان، كانت قيادته قد بيتت النية على غزو الكويت وأعدت جيوشها للاعتداء على سيادة دولة وكرامة شعب تربطه بالعراق أواصر الدين والعروبة والتاريخ·

خامسا: بعد احتلاله الكويت مباشرة لجأ نظام العراق إلى مسرحية إقامة نظام مسرحي  من بعض العراقيين ولم تتوفر له أيا من مقومات القبول والاستمرار نتيجة للمقاومة المسلحة وللرفض الشعبي التام فلم تجد القيادة العراقية مناصا من أن تعلن وبصراحة مليئة بالاستهتار بكل المواثيق العربية والدولية عن قرارها ضم الكويت إلى العراق فأصبحت الأجهزة السياسية والدعائية العراقية تتحدث عن المقاطعة التاسعة عشرة وغير ذلك من خروقات للمواثيق الدولية المتعارف عليها·

 سادسا: إن القضية ليست كما يزعم العراق في تواجد قوات عربية ودولية أتت بناء على طلب من دول مجلس التعاون ولكن القضية الأساسية هي تلك الجريمة النكراء المتمثلة في غزو العراق لدولة الكويت، ومحاولة إلغاء كيانها وهويتها بما يتنافى وميثاق الأمم المتحدة الذي حرم التلويح باستخدام القوة أو استعمالها ضد سيادة واستقلال الدول، وإن تواجد هذه القوات العربية والدولية التي يزعم العراق أنها هي أساس القضية يتمشى مع حق الدفاع عن النفس ومبادئ الجامعة العربية وميثاق الأمم المتحدة لمعالجة الوضع المستجد في المنطقة ليتجه العدوان على الكويت وتهديد بقية دول المجلس فهذه القوات الحليفة أتت استجابة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن وبطلب واضح من دولة الكويت ومن بقية الدول المهددة بالغزو العراقي·

 سابعا: إن السجل الحافل لممارسات النظام العراقي ضد الإسلام والمسلمين يكشف بوضوح زيف الشعارات التي يرفعها ذلك النظام فقد زج أبناء العراق في حرب الثماني سنوات مع جارة مسلمة ليفتك بالآلاف من أبناء المسلمين في العراق وإيران كما عمد إلى قتل الكثير من العلماء المسلمين وعمد أيضا إلى قتل الآلاف من أبناء شعبه المسلم عندما ألقى بالغازات السامة عليهم في شمال العراق ولجأ أخيرا إلى توجيه أعوانه المأجورين إلى التطاول على الأحاديث النبوية الشريفة بتحريف صياغات تلك الأحاديث بما يتفق وممارساته المشينة·

 تلك بعض ممارسات النظام العراقي التي تؤكد وبشكل قاطع بعد ذلك النظام عن روح الإسلام الحقيقية الهادفة إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار·

 ثامنا: إن ما يتعرض له الشعب الكويتي يوميا داخل الكويت على يد السلطات العراقية المحتلة يؤكد وبوضوح الممارسات القمعية التي يمارسها النظام العراقي حيال أبناء الشعب الكويتي فهناك الاعتقال والقمع والتعذيب والقتل والتشريد الذي يتعرض له جميع أبناء الشعب الكويتي وبكل فئاته وهناك أيضا السلب والنهب للمتلكات العامة والخاصة، وفي هذه الظروف التي تعيشها الكويت اليوم تقوم عناصر من الجيش العراقي المحتل بالاستيلاء على المواد الغذائية المحدودة التي في حوزة أبناء الشعب الكويتي، ولا شك في أن هذه الممارسات اللا إنسانية تستهدف تشريد الشعب الكويتي وإحلال فئات الشعب العراقي محله، وهذا ما أثبتته الكويت في وثائقها لدى الأمم المتحدة·

تاسعا: إن عملية تحرير الكويت لم تبدأ إلا بعد أن استنفدت الأطراف العربية والدولية مساعيها الهادفة إلى حث العراق وإقناعه بالخروج من الكويت فهناك قرارات القمة العربية وبيان المؤتمر الإسلامي وأثنا عشر قرارا أصدرها مجلس الأمن تضمن آخرها إعطاء مهلة للعراق حتى الخامس عشر من يناير 1991 لسحب قواته من الكويت كما كانت هناك مناشدات لا حصر لها ووساطات كثيرة معلومة لدى الجميع ساهمت فيها دول كبرى عربية وإسلامية ومن دول عدم الإنحياز والسكرتير العام للأمم المتحدة كلها سعت لتجنب العمل العسكري وتجنيب العالم مواجهة دامية لا داعي لها إلا أن تلك المساعي باءت بالفشل أمام الغطرسة والتعالي والرفض من نظام يؤمن بالقوة العسكرية منهجا لتحقيق الغايات وأسلوبا لحل الخلافات·

 إن عملية عاصفة الصحراء لم تبدأ إلا بعد أن فقد المجتمع الدولي الأمل في تجاوب العراق مع قرارات مجلس الأمن وبعد أن استنفدت جميع القوى المحبة للسلام مساعيها الخيرة لإيجاد مخرج سلمي للأزمة وضاقت تلك الأطراف ذرعا بتصلب العراق ومراوغته كما أن إدعاء وزير خارجية العراق وفي رسالته بأن بلاده سعت لحل عربي للأزمة منذ البداية يفنده ما طالبت به الكويت قبل الغزو العراقي بحل عربي لاحتواء الأزمة ولكن النظام العراقي رفض بشكل قاطع أي حل عربي وأكد على حل الأزمة ثنائيا من خلال مسرحية أعد لها تسبق غزو الكويت بساعات·

 عاشرا: إن عملية تحرير الكويت تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة حيث ينص الفصل السابع من الميثاق على اتخاذ إجراءات رادعة ضد الدول التي تلجأ إلى القوة لتحقيق مكاسب إقليمية وتوسعية وأن مجلس الأمن لديه الصلاحية القانونية لكي يخول المجتمع الدولي اللجوء إلى القوة لتأمين الاستقرار وسيادة القانون في أي منطقة·

 أحد عشر: خلافا لما يزعم العراق من خلال تصريحات مسؤوليه وأجهزته الدعائية ومن يروج لذلك في بعض الدول بهدف التأثير علي الرأي العام العربي والدولي فإن عملية عاصفة الصحراء لا تستهدف تدمير العراق أو إذلاله إن العملية بدأت لتحرير الكويت وستنتهي حالما تنسحب القوات العراقية من أراضي دولة الكويت ومحل ذلك أكدت جميع التصريحات الصادرة عن دول مجلس التعاون، وأكده البيان الذي صدر عن اجتماع وزير الخارجية السوفييتي ونظيره الأمريكي يوم 29 يناير 1991 بأن العملية تستهدف تحرير الكويت فقط·

 إن وقفتكم مع الشرعية الدولية ومساندتكم الفعالة لخطواتها المشروعة الهادفة إلى وقف العدوان ودحره لهي خير مساهمة من أجل السلام ولإقامة نظام عالمي أكثر أمنا واستقرارا ورخاء·

صباح الأحمد الجابر

نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية

 

 hamid@taleea.com

�����
   
�������   ������ �����
الذكرى 94 لصدور "برنكيبيا ماتيمانيكا"
برتقالة الدكتور مصطفى جواد!
الانتخابات العراقية·· مفتاح العملية الدستورية
أول بيان يرسي قواعد جديدة وثابتة بين البلدين
قراءة عراقية في البيان الكويتي العراقي
بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية
الفضائية الكويتية صوت العراقيين الذين لا صوت لهم
الفضائيات العراقية تكسر احتكار الفضاء
محاكمة صدام حسين والقضاء المستعجل
وثيقة تنشر للمرة الأولى
صدام حسين أمام محكمة الشعب عام 1959
نساء العراق بريئات من صدام حسين
دفاعنا عن الكويت يعني دفاعنا عن الحقيقة
نداء عاجل
فشلت المؤامرة وانتصر العراق
الوحدة وتسليم السلطة في العراق
أضواء على التعداد العام في العراق
خطوة كويتية جديدة باتجاه العراق
انتصار الرياضة العراقية
المواطنية والوطنية والولاء
أضواء على مهمة الأخضر الإبراهيمي في بغداد
أطروحتان لمساعدة الشعب العراقي
الاستثمار الكويتي في العراق
حدث تاريخي بارز في الحياة السياسية الكويتية
الذكرى الرابعة لندوة مستقبل العلاقات الكويتية العراقية
قراءة من منطلق رؤية فيزيائية فلسفية
كيف وإلى أين يسير الوضع في العراق؟
  Next Page

مقتطفات:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الحدث الإرهابي:
د·أحمد سامي المنيس
رأي قانوني
ضرورة صدور مرسوم بقانون لحل مشكلة تكوين مجلس إدارة بنك بوبيان الإسلامي:
د. طعمة صعفك الشمري
التطرف·· من أيقظه؟ الأنظمة أم المخابرات الغربية؟:
ناصر يوسف العبدلي
طاغوت··· بامتياز :
نزار حيدر
رجل دين محترم!:
فهد راشد المطيري
الناخب والعملية السياسية:
عويشة القحطاني
الاستبداد الناعم:
عبدالخالق ملا جمعة
الانفتاح الاقتصادي والبنية التحتية:
عامر ذياب التميمي
حكومة اللعبة السياسية:
د. سامي عبدالعزيز المانع
ثمن الحرية:
عبدالله عيسى الموسوي
جدلية الدين والسلطة:
حجرف الذويبي
بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية:
حميد المالكي
المغرب بين شرعيتين:
رضي السماك