كنت قد بلغت للتو سنواتي العشر، وإذا بجرس الهاتف يرن في البيت، وعلى الرغم من أن أهلي كانوا قد منعوني ومنعوا كل الأطفال في البيت من الرد على الهاتف، إلا أن الأقدار كان لها رأي آخر، فقد قمت بالرد على الهاتف على الرغم من ذلك المنع، وإذا بفتاة تقول وبكلمات مقتضبه "الشعلة بيد مشعل"، لم أفهم كلام هذه الفتاة ولم يكن في بيتنا أحد بهذا الاسم، فكان رد فعلي أن أغلق الخط في وجه تلك الفتاة· وما إن بادر ابن عمي بسؤالي عن هوية المتصل فقلت له بأنها متصلة قد أخطأت في الرقم ويبدو أنها تبحث عن مشعل!
وما إن انتهيت مما أقول حتى لمحت ملامح الغضب على وجه ابن عمي وضربني ضربة فيها كل التوبيخ·
ومرت الأيام والأشهر وأنا لم أعلم ما سبب غضب ابن عمي، هل لأنني قمت بالرد على الهاتف، أم لأنني أغلقت الخط أم ماذا تحديدا؟!
وبعد مرور سنة تقريبا على هذه الحادثة تذكرتها فبادرت أهلي بالسؤال عنها، فأخبروني بحقيقة أعتقد إلى حد اليقين بأنها رسمت وشكّلت شخصيتي التي أنا عليها اليوم، وسأظل عليها إن شاء الله، فقد أخبرني أهلي بأن المتصلة كانت واحدة من عناصر المقاومة في الكويت، وإن جملة "الشعلة بيد مشعل" تعني أن العملية تمت بنجاح، وكانت تود إبلاغ ابن عمي بهذا الخبر كونه أحد عناصر مجموعة المقاومة نفسها·
وعلى الرغم من صغر سني حين علمي بهذا الأمر، إلا أنني دهشت كثيرا من هذه الشجاعة التي لم أكن أراها إلا في الرسوم المتحركة، وحتى في الرسوم المتحركة لا يقوم بالعمليات البطولية ومحاربة الشر إلا الذكور، فكيف لأنثى والتي عادة ما نطلق هذه الصفة ونحن أطفال على الصبي المدلل أن تقوم بعمل بطولي كهذا؟
وما الذي يجبرها على ذلك، وكانت أسئلة كثيرة عن هذه الفتاة تحديدا تدور في بالي، وكلما كبرت تعلمت عنها أكثر وأكثر، لدرجة أصبح فيها اسمها لا يفارق لساني في أي وصف عن حب الوطن، نعم أحبها جدا وأحب ما زرعته فيّ هذه الفتاة، فإن كانت مدارس التربية والحنين العائلي علماني انتمائي للكويت فقد علمتني هذه الفتاة حبي للكويت واستعدادي لمنح روحي لها·
لقد صادف يوم أمس 19/12/2006 ذكرى استشهاد هذه الفتاة التي أعشقها، والتي علمتني وعلمت الكثيرين غيري ماهي الكويت وكيف يكون حب الكويت، نعم ففي 19/12/2006 قتل أزلام نظام صدام هذه الفتاة التي أحبها، وذنبها الوحيد أنها أحبت وطنها ودافعت عنه·
أسرار القبندي 16 عاما مرت على استشهادك يا حبيبتي ولن تُنسي هذه الأعوام أو المئات غيرها ما قدمته لوطنك، لحبك، لعشقك، الكويت وستظل بطولتك وساماً توضع فوق هاماتنا فخرا بأننا نحن أبناء وطن أسرار، فسلام عليك يا حبيبة الكويت، والشعلة بأيدينا الآن يا أسرار· وأختم مقالي بما كنت ترددينه دائما أيام الغزو "الله-الوطن-الأمير"·
Ali-Khajah.blogspot.com |