مع ورود الأخبار الجيدة ساعة كتابة هذه المقالة مساء الاثنين 2003/4/7 المؤكدة لتحرر البصرة ودخول قوات التحالف إلى وسط بغداد، يتفاءل المرء بأن عهد نظام صدام قد بات يعد بالأيام، بل ربما بالساعات· فقد صدق ذلك العراقي الذي "هوس" قائلاً: "صدام أيامك معدودة"· فالمرء يشعر بتفاؤل شديد لانعتاق الشعب العراقي الذي ظل يكابد الأمرين: القمع والحروب والجوع مدة طويلة وبالذات منذ أن قفز المستبد صدام حسين إلى السلطة·
يشعر المرء بفرح شديد بأن صدام حسين لم يحتفل بعيد ميلاده الذي صادف في السابع من هذا الشهر، حيث كانت الملايين تصرف في هذه المناسبة ويدعي النظام أنه في حصار ولا يمتلك المال لشراء حليب للأطفال، لكن هذه الفرحة كانت ستكون أضعافا مضاعفة لو أن العراق لم يخسر في هذه الحرب كما خسره إلى الآن: رجالاً وأموالاً، فأعداد القتلى من الجيش العراقي بالألوف، وهي تفوق كثيراً أعداد الجرحى من المدنيين، هذا لا يعني تقليلاً من عدد المدنيين أو تخفيفاً لمعاناتهم العظيمة التي مروا بها ويمرون بها في هذه الساعات الأخيرة·
ونحن في غمرة الفرحة هذه، الفرحة المشوبة بالحزن على الضحايا، لنا رجاءان أن نتمنى أن تحققهما لنا الحكومة الديمقراطية المقبلة في العراق لما بهما من خير على الشعب العراقي:
أما الرجاء الأول فهو أن يصدر قانون بعد أن يوضع دستور جديد للبلاد، ينص هذا القانون على تحريم وضع وتعليق وتداول "صورة الرئيس" المقبل للعراق، إذ ما رأيناه في عهد صدام من صوره وتماثيله وجدارياته جعلنا نعتقد أن صور الرؤساء والزعماء "تخرب" ضمائر هؤلاء الزعماء فتشعرهم زيفاً بالفخر والعزة والخيلاء، وتكرس صورتهم في أذهان الجماهير لتتجدد في نفوسهم عبادة الفرد الزعيم·
لقد وصلت حالة صدام "وأصنامه وتماثيله" إلى أبعد مدى، حتى أنه راجت نكته بعد تحرير الكويت، حينما كان نظام صدام يترنح، مفادها أن شخصاً في بغداد كان يهيم على وجهه موسوساً "شي لم هن"، فقيل له: ماذا تعنى بذلك؟ فقال: أعني تماثيل صدام المنتشرة في كل ركن وشارع في العراق·
الرجاء الآخر هو إلغاء التجنيد الإجباري الذي ابتلي به شباب العراق، الذين عايشناهم في أثناء الغزو وفي الأسر، إن الجيوش هذه الأيام، ليست بالعدد بل بالنوعية، ولقد أثبتت هذه الحرب أن السلاح المقدم من البلدان المتقدمة لن يستطيع أن يقف في وجه الأسلحة الأحدث منها والأشد فتكاً والتي يمتلكها هؤلاء ولا يبيعونها للدول الأخرى·
إذن، ما الفائدة من شراء سلاح لا يمكن فيه الدفاع عن الوطن، اللهم إلا إذا أريد أن يستخدم ضد أبناء الشعب كما حصل في الحقبة الاستبدادية تحت حكم صدام وأمثاله؟ البديل هو انشاء جيش صغير محترف، فضلاً عن إشاعة الديمقراطية والاستقرار والتنمية في المنطقة وزيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بحيث لا يبقى للحرب من سبب·
خلاصة القول، إن ما مر به الشعب العراقي من اضطرابات منذ مدة طويلة وبالذات منذ قيام انقلاب البعث في العام 1967 وتسلط صدام وامتلاكه للسلطة منذ العام 1979، إن هذه المدة الطويلة بآلامها وتضحياتها كفيلة بأن تكون درساً لشعب العراق يستفيد منه في المقبل من أيامه، تلك الأيام التي نتمنى أن تكون رخاء وحرية وبناء وتنمية، فقد كفى هذا الشعب التضحيات التي قدمها·
alyusefi@taleea.com |