عبادة القائد وتقديسه - والقائد هنا هو الزعيم أو الرئيس أو الأمير - هي سمة من سمات شخصية الإنسان العربي، والموروث التاريخي للأمة العربية لا يؤمن ولا يحترم إلا القوي الذي يظلمه ويجعله يهابه ويخافه ويفكر مرارا وتكرارا من اتخاذ خطوة تبتعد عما يريده سيده القوي المختار، كما لا يوجد في التاريخ العربي الحديث ما ينبئ بمبادئ إنسانية تحترم وتقدر ولا نظريات تساهم في رقي الفرد وتطوره وحرية رأيه ولا من مساهمات فاعلة في انتشال الإنسان من حياة معدمة الى حياة أكثر ازدهارا وتقدما وتقديرا لحياة الإنسان واحترام آدميته وفيما يختاره من معتقد ورأي ومعاملته كإنسان يحس ويشعر ويتأثر بما حوله يحب ويكره، يفرح ويحزن، لا بد من احترام رأيه كفرد وجماعة ومن ثم العمل على تحقيق رغباته وطموحاته، فالذي يحدث اليوم في بعض من الشوارع العربية وبتسهيل وتنظيم من أنظمتها الحاكمة لا يمثل في الحقيقة ردة فعل الشارع العربي أو الرأي العام بل يأتي نتيجة لما تمارسه هذه الأنظمة في القيام بأعمال ترى أنها تساهم في استمرارها في السلطة وهي توجه هذه المظاهرات لحماية مصالحها وتحقيق أهدافها متى ما رأت ذلك وتقمعها وتمنعها إن هي حاولت التحدث أو التطرق للأوضاع الداخلية لهذه البلدان الموغلة في الدكتاتورية وما يزيد من الحوادث التي تقع في مثل هذه المظاهرات من تخريب للمنشآت وتهشيم للسيارات وضرب لبعض المصالح واشتباك مع قوات الأمن يأتي تنفيسا عن حقد دفين ينطلق أحيانا من بعض المواطنين العاديين غير المنضمين لتنظيمات السلطة، وهو ردة فعل حقيقية على أوضاعهم المعيشية ومطالبهم التي لا يستطيعون طرحها إلا عبر هذه المظاهرات من دون أن تكون واضحة بالكلمة لكن عن طريق الفعل، فهم يتحينون الفرصة لمثل هذه المظاهرات لإفراغ الشحنات المحتقنة داخلهم على شكل التخريب والتدمير والتكسير لكل منشأة تابعة للنظام الذي يكرهونه بحجة المظاهرة المزعومة·

وإذا تجاوزنا فترة الخلافة الإسلامية الأولى القصيرة نسبيا في بدايات الرسالة فإن ما يليها حتى يومنا هذا يؤكد أن العرب لم يهذبهم الدين الإسلامي ولم يقتلع موروثهم السابق على الرسالة من بطش وازدراء للآخر واستهانة بمقدرة المقابل ولا دليل أصدق على ذلك من أن الدولة العربية قد استمدت وجودها وبقاءها بالقوة والقتل والتنكيل بالآخر والتاريخ مليء بالأدلة وما القصائد الشعرية التي نظمها الشعراء في أمرائهم زورا إلا دليل صريح على مدى الظلم والتخلف والحالة الاجتماعية المزرية التي عانى منها العرب المسلمون في هذه الحقبة التاريخية وحتى يومنا هذا، وما يحدث اليوم على الساحة العربية من ذل وهوان وتشتت وموافقة صريحة واضحة من الأمة العربية على تفضيل نظام دموي مجرم بحق شعبه وأمته على شعبه إلا تأكيدا آخر على أن هذه الأمة لن تستطيع النهوض إلا إذا تجردت من موروثاتها التاريخية فهل شعب العراق وكيانه وتاريخه اختزل بشخص الرئيس القائد المهيب المناضل··· صدام حسين؟! إنها أمة “ضحكت من جهلها الأمم” ومازالت تضحك·

فالواقع العربي واقع مرير ومزيف وهش، فلقد انتضر المزايدون والغوغائيون وجروا الشعب العراقي لهذه الحرب المأساوية وزينوا للطاغية هذه المعركة التي ليس للشعب العراقي فيها ناقة ولا جمل، بل هو الخاسر الأكبر وهو الذي يتعرض للقصف وجعله نظامه دروعا بشرية تقيه وتحميه هو وأركان نظامه، فالذين دافعوا عن النظام العراقي وأخذوا ينفخون فيه هم على علم بالتأكيد بنتيجة أعمالهم على الشعب العراقي ولكنهم اهتموا بمصالحهم الخاصة على حساب شعب سيذبح إن اشتدت وتيرة المعركة، فمنطق العقل والحكمة الذي تمثل بمبادرة الشيخ زايد التي جاءت في وقتها المناسب وكانت بارقة الأمل والإنقاذ لشعب العراق، وهي مبادرة صداقة في طرحها وتوقيتها بالذات للذود عن أرواح العراقيين التي ستزهق نتيجة تعنت نظام صدام وبقائه في السلطة، ولقد كانت المبادرة متقدمة كثيرا عن واقعنا العربي لم يستطع الشموليون استيعابها والقبول بها خوفا منهم على بقائهم على كراسي السلطة، وعند سقوط نظام صدام حسين سنرى المقربين والمنتمين له والتابعين كيف يستديرون من حوله، وهم من الآن يفكرون بالمرحلة المقبلة وكيفية إدارتها، لكن الديمقراطية والحرية والتعددية هي التي ستسود في المرحلة المقبلة وإن عهد الدفع والمال وشراء الذمم سيزول وبالتالي هم زائلون ومختفون وبأي حال ساقطون، والله يحفظ كويتنا من شرور الغادرين·

nayef@taleea.com