رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 يونيو 2007
العدد 1778

كيف يكون الدين أفيونا للشعوب؟
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

"الدين أفيون الشعوب" عبارة أطلقها "كارل ماركس" قبل أكثر من 160 عاما ليحتدم حولها جدل ما زال مستمرا رغم كل النكسات التي تعرض لها الفكر الماركسي، والفشل الذي منيت به نظرية "الاشتراكية العلمية" كنموذج في "الاتحاد السوفييتي" السابق· فهل صحيح أن "الدين أفيون الشعوب" كما وصفه الفيلسوف والسياسي والمنظر الاجتماعي الألماني، متأثراً بالهيجلية اليسارية أم أن القضية محسومة بالحكم على الماركسية بالإلحاد، لأنها تعتبر الأديان كلها مرحلة من مراحل تطور الفكر الإنساني، وبناء عليه فلا داعي لمناقشة الأمر من أساسه، وعلينا أن نغلق هذا الملف الشائك، تجنبا للوقوع في المحظور، وتفاديا للاصطدام بالتابوهات المحرمة التي يجب عدم الاقتراب منها مهما دار الزمان وتغيرت المفاهيم وتبدلت الأحوال؟

دعونا أولا ننظر إلى "الدين" الذي تحدث عنه "ماركس" بمفهومه المطلق كي نضع القضية في إطارها الموضوعي المجرد باعتبار "ماركس" عندما أطلق مقولته تلك كان متأثرا بأستاذه "فيورباخ" صاحب كتاب "جوهر المسيحية" قبل أن ينتقده بشدة، ويتجه إلى دراسة الدين بوصفه علاقة اجتماعية وتاريخية تمثل أحد الأشكال الكثيرة للأيديولوجية·

ربما كان هذا مدخلا مناسبا للحديث عن الدين باعتباره محركا للشعوب والأمم في كل مراحل التاريخ الإنساني المختلفة، منذ أن اكتشف الإنسان ضعفه أمام قوى الطبيعة وحاجته إلى قوة خفية يلجأ إليها طلبا للمساعدة، فعبد الأوثان والحيوانات والأجرام، حتى جاءت الرسالات السماوية لتنقذه من حيرته وتخبطه وتدله على الطريق القويم· من هنا كان للأديان سطوتها على عقول الشعوب ومكانتها في قلوبها، ومن هنا جاء تشبيهها بالأفيون وهي تسيطر على عقول أتباعها وتدفعهم إلى الانقياد دون تفكير لتنفيذ تعاليمها وأوامرها·

وكان الدين على مدى التاريخ محركا رئيسا وعاملا قويا من عوامل التغيير· حدث هذا في كل العصور القديمة والحديثة؛ حدث لليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات في مختلف العصور والأزمان· فقد كان إعلاء كلمة الله ونشر الدين هو الدافع الأول للمسلمين في كل الغزوات والمعارك التي خاضوها لبسط رقعة الدولة الإسلامية، حتى عبروا مضيق جبل طارق ومدوا دولتهم إلى أوروبا وأقاموا في الأندلس 600 عام كانت حافلة بالأحداث والوقائع التي شكلت جزءا مهما من تاريخ تلك المنطقة وأعادت رسم معالمه·

ورغم الأهداف الدنيوية التي شكلت حوافز للحكام والنبلاء من الحروب الصليبية إلا أن الحافز الديني كان هو الأكثر وضوحا وتوهجا والمحرك الأول للشعوب التي خاضتها، إذ بدأت هذه الحروب بالموعظة التي ألقاها البابا "أوربان الثاني" في مدينة "كليرمونت" الفرنسية عام 1905 حاثا فيها العالم المسيحي على الحرب لتخليص القبر المقدس من المسلمين، واعدًا المحاربين بأن تكون رحلتهم إلى الشرق غفرانا لكامل ذنوبهم، كما وعدهم بهدنة عامة تحمي بيوتهم خلال غيبتهم· وقد أخذ المحاربون الصليبيون اسمهم من الصلبان التي وزعت عليهم خلال ذلك الجمع الحاشد، لتبدأ الحملة الأولى بقيادة "بطرس الناسك" و"والتر المفلس" مستهلة أعمالها بذبح اليهود في أراضي الراين وإثارة البلغار والمجريين، ولتنتهي الحملة الأولى التي سُمّيت حملة الفقراء بهزيمة نكراء، ثم تتوالى بعد ذلك الحملات الصليبية التي وصل عددها تسعا·

هنا ربما نكون قد وصلنا إلى مفهوم الدين الأفيوني الذي تحدث عنه "ماركس" قبل أكثر من 160 عاما عندما نتأمل حال الجماعات الدينية التي تمارس نوعا من التطرف أو غسيل المخ، الذي لا يختلف كثيرا عن تأثير الأفيون على العقول، فتعيد تشكيل أفكار أتباعها من الشباب وصغار السن غالبا، يحدث هذا في المجتمعات غير الإسلامية كما يحدث في المجتمعات الإسلامية التي يصورها قادة الجماعات المتطرفة على أنها مجتمعات كافرة بعيدة عن الإسلام وتعاليمه، كأنما الإسلام حكر على جماعة واحدة لا يشاركها فيه أحد، ثم تمضي الجماعة مقيمة بين أتباعها وبين أفراد المجتمع سدا من البغضاء والكراهية حتى تصل بهم إلى درجة من اللاوعي تدفعهم إلى التمنطق بالأحزمة الناسفة وتفجير أنفسهم وسط التجمعات السكانية الآمنة، وتدمير مصالح الدولة التي هي مصالح الناس قبل أن تكون مصالح الحكام حتى لو ادعى التكفيريون فسادهم·

هذا مظهر من مظاهر استخدام الدين أفيونا، وهو مظهر تكلفته غالية لأنها تؤدي إلى إزهاق الأرواح وترويع الآمنين وانتهاك حرمة الأموال والبشر· وقد عرف التاريخ الإسلامي العديد من هذه الفرق التي استخدمت الدين أفيونا بالمعنى الحرفي للكلمة، بدءا من فرقة الحشاشين التي أسسها وقادها الحسن الصباح في جبال إيران بعد أن استولى على قلعة "آلموت" لتنطلق منها فرق الاغتيال المخدَّرة للتخلص من الذين يُصدِر عليهم حكمه بالإعدام، تماما كما تفعل بعض الفرق في عصرنا هذا كأنما تعيد تمثيل المشهد أو تعيد عقارب الساعة قرونا إلى الوراء·

ثمة مظهر آخر من مظاهر استخدام الدين أفيونا للشعوب يتمثل فيما نشاهده من فوضى في سوق الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن، حيث اختلط "الحابل بالنابل" واستغل الدجالون والمشعوذون قلق الناس وجهلهم وخوفهم من المجهول، فمضوا يستنزفون أموالهم ويسممون عقائدهم بالخرافات والأوهام التي يبثونها في عقولهم· وليت الأمر اقتصر على البيوت والأماكن التي يمارسون فيها دجلهم وشعوذتهم، إذاً لكان الأمر محصورا في تلك الأماكن، فقد أصبح للكثير منهم مواقع إلكترونية خاصة، وامتلك البعض منهم قنوات فضائية تتولى على مدار الساعة الدعاية له ونشر خرافاته والترويج لقواه الخارقة في معالجة جميع أنواع الأمراض وقهر الجان وكشف المستور وجبر المكسور، بينما تولت قنوات أخرى متخصصة عملية الترويج والدعاية لمن لم يمتلك قناة خاصة حتى الآن، وأصبح الأمر تجارة مكشوفة ورائجة هذه الأيام في عالمنا العربي، تدر على أصحابها أرقاما خيالية من الأموال، وتجر على مجتمعاتنا المزيد من التخلف والجهل وتغييب العقل وتهميش العلم، والإساءة إلى الدين باسم الدين الذي هو بريئ من كل هذا الذي يحدث باسمه·

ويأتي قبل هذا كله استخدام من هم على رأس السلطة - منذ فجر البشرية - للدين وسيلة لإضفاء الشرعية - وأحيانا القداسة - على سلطتهم، فهم مرة ظل الله على الأرض، وهم مرة أبناء الشمس، وهم مرة الإله نفسه، وهذا لعمري أسوأ استخدام للدين، ليس كأفيون لتخدير الشعوب وإنما كسم لقتل مراكز الحس والكرامة فيها·

هنا يصبح استخدام الدين أفيونا حقيقة وليس مقولة أطلقها "كارل ماركس" قبل ما يزيد على 160 عاما، فهل يعود الدين أفيونا للشعوب بصيغة أو بأخرى، أم أن هناك أملا في صحوة تنتشلنا من هذا كله، وتعيد للدين وقاره ومكانته المنزهة عن تغييب العقل، وعن استخدامه استخداما سيئا يجرده من قدسيته وجلاله ودوره في حياة الشعوب والأمم؟

 *كاتب إماراتي

aliobaid4000@yahoo.com  

�����
   

نظرة في المواجهة بين فتح الإسلام والحكومتين اللبنانية والأمريكية:
د. نسرين مراد
منذورون للموت:
د. لطيفة النجار
عندما يرتفع السافل:
فهد راشد المطيري
الشيخ "المودرن"!:
سعاد المعجل
أي تقاليد... وأية عادات؟!:
د. بهيجة بهبهاني
برز الإخونجي:
على محمود خاجه
يا شيخ ناصر إني لك من الناصحين:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الاستقالة أكرم لك:
محمد جوهر حيات
إعصار غونو:
المهندس محمد فهد الظفيري
فرق تسد...
بقناع جديد:
فيصل عبدالله عبدالنبي
التنسيق مع وقف التنفيذ:
أحمد سعود المطرود
العودة إلى توصيات "بيكر - هاملتون":
باقر عبدالرضا جراغ
أوهام السلام:
عبدالله عيسى الموسوي
المبدع ذلك المجهول:
ياسر سعيد حارب
القارئة الصغيرة:
د. فاطمة البريكي
كيف يكون الدين أفيونا للشعوب؟:
علي عبيد
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو:
الدكتور محمد سلمان العبودي