نعرفه منذ سنوات طويلة، وانتهت علاقتنا به بعد أن حلّق عاليا! هوايته المفضلة هي السخرية من هواياتنا، فقد اعتاد أن يأتينا كل ليلة مرددا على مسامعنا الجملة نفسها: "اسمعوا يا أغبياء، أنتم تقرؤون في كل يوم كتاباً أو كتابين، وأنا أصطاد كل يوم فتاة أو فتاتين، ورغم ذلك لو عدنا إلى أرض الوطن وطلبنا من الناس أن تختار بيننا، لاختاروني أنا، ذلك أن الناس أغبياء مثلكم، لا يعرفون مصلحتهم!"، ثم يختم جملته بضحكة مدوية فيها من البراءة القليل ومن الخبث الكثير!
كنت أطلق عليه اسم "ستافروجين"، نسبة إلى إحدى شخصيات رواية "الشياطين" لدوستويفسكي، أما هو فقد أعجبه اللقب الجديد دون أن يكلف نفسه عناء قراءة الرواية! كان يجسد معنى الوقاحة بكل تفاصيلها، تماما كالبطل ستافروجين! من شيمه الكذب والنفاق وحتى السرقة، ورغم ذلك كان يتمتع بكاريزما غير مسبوقة!
انقضت أيام الدراسة وعدنا جميعا إلى أرض الوطن، ثم تمر السنون وتنقطع أخبار ستافروجين، لكن غيابه لم يجلب لنا سوى السرور! قبل سنة، بينما كنت واقفا أمام إشارة المرور، شاهدت لوحة ضخمة تحمل صورة ستافروجين، ومكتوب عليها بخط عريض: "من أجل مستقبل أفضل، انتخبوا···"! انتابني شعور غريب، شعور يجمع بين السخرية والغضب، بين الضحك والبكاء، بين اللامبالاة والحزن! أمعنت النظر في صورة ستافروجين، أكاد ألمح ابتسامته الساخرة، أكاد أسمع كلماته: "··· الناس أغبياء مثلكم، لا يعرفون مصلحتهم!"·
تنقضي الانتخابات وينجح ستافروجين! تحت قبة البرلمان هناك مكان مريح لستافروجين! أتساءل أحيانا بيني وبين نفسي: يا ترى، كم "ستافروجين" في قاعة عبدالله السالم؟! |