إن كلمتي "لا" و "نعم" هما من الكلمات المؤثرة في تطور الشعوب إذا قيلتا في المكان والزمان الصحيح وكلمة "لا" هي أقوى من "نعم" لأن الشعوب يجب أن ترفض أمرا ما في البداية كي تقبل بالبديل·
ونلاحظ في التاريخ الإنساني أن الأنبياء والرسل هم من الذين استخدموا كلمة "لا" كي يخرجوا البشر من الظلمات إلى النور، ولذلك نذكر من باب المثال قول نبي الإسلام محمد "ص" حينما قال: "قولوا لا إله إلا الله" فنلاحظ في البداية جاءت كلمة "لا إله" أي الرفض، ثم جاءت كلمة نعم للبديل وهي "إلا الله" والنتيجة هي "تفلحوا" أي فلاح البشرية في الدنيا والآخرة فالمصلحون عبر التاريخ، ومن يطلبون التغيير نحو الأفضل دائما عندما يرفضوا أمراً ما يرونه سلبياً على البشرية، يعطوا الناس البديل الأفضل له، والمهم من كل ذلك أن كلمة "لا" يجب أن تقال من خلال ثقافة ووعي ورشد بما نريد أن نرفضه وما نريد أن نجعله بديلاً ولذلك الثورة الفرنسية عندما رفضت الإقطاع والدكتاتورية وجاءت بالبديل للشعب الفرنسي وهي الكلمات الثلاث المشهورة "الحرية والإخاء والمساواة" كانت هناك تحركات من قبل الفلاسفة والمثقفين لتنوير الناس قبل أن يطلقوا كلمة "لا" لبدء عملية التغيير نحو "نعم" للحرية والإخاء والمساواة فتكون "لا" عبارة عن تيار في المجتمع يطالب بالتغيير نحو الأفضل حيث وصل الوضع بفرنسا إلى أن لويس الرابع عشر كان يقول: "أنا فرنسا وفرنسا هي أنا" أي لا قيمة للشعب الفرنسي أمامي وأمام رأيي فأختزل فرنسا وشعبها بشخصه، ولكن بعد أن نجح الفرنسيون بثورتهم وحركتهم نحو التغيير للأفضل، جاء من سرق الثورة كأمثال الدكتاتور "روبسبير" وأذاق الشعب الفرنسي العذاب والمرارة من جديد، والعجيب أن روبسبير كان ضمن الذين تحركوا ضد الدكتاتورية في فرنسا، ولكنه استغل تحرك الناس واندس هو وأمثاله الانتهازيين بين صفوف المطالبين بالتغيير كي يجعلوهم جسرا للوصول للسلطة، ولذلك بدأت تحركات جديدة للمثقفين والفلاسفة لإطلاق كلمة "لا" جديدة ضد الدكتاتوريين الجدد، وهكذا مرت فرنسا بمراحل متعددة حتى وصلت لفرنسا التي نراها اليوم، فمسألة الرفض والقبول إن لم تكن عن وعي ورشد فمن الممكن أنك تجد في بعض الأحيان من يرفضون "الحق" ويقبلون "الباطل" كبديل بسبب جهلهم، والتاريخ مليء بالأمثلة حول تصفيق الناس وتأييدهم للدكتاتوريات وقتل وإعدام المصلحين، بل أقرب مثال هو ما نراه اليوم بأم أعيننا كيف يخرج بعض المثقفين على شاشات الفضائيات ويستنكرون إعدام الطاغية صدام حسين ويصفقون ويدافعون عن الدكتاتوريات ويحاولون استغفال الناس وتجهيلهم بشتى الوسائل كي يختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل وتضييع المعايير لمعرفة الخطأ من الصواب، ولذلك تجد بعض الشعوب تستفيد من تجاربها كي لا تقع بالخطأ نفسه، وتجد بعض الشعوب دائما مستغفلة ومستبعدة وتكرر الأخطاء مرات ومرات ودائما تحركاتها نحو التغيير للأفضل تنتج واقعاً أسوأ من الذي كان قبله·
ولذلك تجد كثيرين يطلقون كلمة "لا" لأمر ما ويرويدون فرض رأيهم بالقوة والعنف دون دليل ودون بديل أفضل وهنا تكمن المشكلة والمشكلة هي أنك تجد قضية معينة أو قانونا أو عرفاً أو ممارسة خاطئة ويبدأ الناس بتحرك ضدها لاستبدالها بما هو صحيح وفيه خير وسعادة للبشر، ونجد طبقة من الانتهازيين تحاول استغلال الناس وتجعلهم جسراً للوصول لمآربهم الشخصية فتجد هذا الانتهازي الذي يمكن أن يكون رجل سياسة أو اقتصاد أو رجل دين أو مثقف يقول "لا" في العلن وهو يمارس "نعم" في السر، ويمكن أن تجده لأمر ما يقول "نعم" في العلن وهو يمارس "لا" في السر، ولذلك على الشعب الواعي الذي يريد التطور ويرفض الاستغفال أن يتمعن ويراقب الكلام والفعل هل هما متطابقان أم أن كلام الليل يمحوه النهار كما يفعل بعض الانتهازيين؟ فيجب على الجميع أن ينتبه قبل أن يطلق كلمة "لا" أو "نعم" لأي أمر كان حتى يتأكد من خلال البرهان والدليل والتجارب في التاريخ من أن النتائج سوف تكون إيجابية وليست سلبية تجعله يندم·
machaki@taleea.com |