في بريطانيا الدستور عرفي أي أن قوانينه متعارف عليها بين الساسة وليس دستورا مكتوبا، ومع ذلك هم لا يخالفون مواد دستورهم غير المكتوبة، وفي الكويت الدستور مكتوب وواضح ومرفقة به مذكرة تفسيرية لمن لم تتضح له إحدى مواده، ومع ذلك فإن ما نراه من تطبيقات عملية كثير منها لا يتلاءم مع مواد الدستور، فكل مسؤول له قوانينه الخاصة وكأن الدستور أصبح عرفيا وليس مكتوبا، وهو ليس عرفيا كما في بريطانيا بل عرفي بأن كل صاحب نفوذ له دستوره الخاص حسب ما يراه، وهنا أريد عمل مقارنة واقعية بين بعض مواد الدستور المكتوب وبين الممارسات التي أصبحت مواد دستور عرفي يلجأ إليها المواطن بدل لجوئه للدستور المكتوب!
1 - مادة 7 من الدستور المكتوب: (العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين)·
هذه المادة أصبحت بالدستور العرفي كما نراه على أرض الواقع: العدل علي الضعيف وليس القوي، وحرية الصراخ وليس التغيير للأفضل دعامات المجتمع، والتراشق واستحالة الاتفاق والحسد صلة وثقى بين المواطنين·
2 - مادة 8 من الدستور المكتوب: (تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين)·
لكن ما نراه على أرض الواقع والذي أصبح عرفا: أن الفرص والمناصب تعطى حسب قوة "الواسطة" والنفوذ والمذهب والقبيلة والعائلة، وكل شاب يتخرج من الثانوية وهو يتصور أن الفرص متكافئة حتى يصطدم بالواقع الوظيفي والحياة العامة وكيف تجرى المعاملات فيتصور أنه قرأ المادة 8 من دستور دولة أخرى وليس دستور بلاده·
3 - مادة 17 من الدستور المكتوب: (للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن)·
هذه المادة أتصور أن كثيرا من المواطنين سيندهشون عند معرفتهم أنها من مواد الدستور لأنهم يوميا يسمعون صراخ أعضاء مجلس الأمة عن التجاوزات على أراضي الدولة والمال العام ولا نرى إجراءات رادعة للمتجاوزين، بل أصبحنا نسمع من البعض عندما تقول له إن فلان تجاوز على المال العام فيرد: (عليه بالعافية)! الظاهر عرف جديد أصبح لدينا اتجاه من يتجاوز على المال العام وهو (عليه بالعافية) أصبحت البديل للمادة 7·
4 - المادة 35 من الدستور المكتوب: (حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب)·
ما نراه على أرض الواقع ونقلا عن مقال لوزير النفط الكويتي الأسبق (عبدالمطلب الكاظمي) نشر في صحيفة القبس بتاريخ 26-3-2005: (··· تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، الذي تم رفعه الى الحكومة الكويتية والذي تم نشره في الصحف المحلية والخاص بحقوق المواطنين من ناحية حرية العبادة والمتمثلة بالمساجد الموجودة في الكويت، يشير الى أن المسلمين الشيعة في الكويت والذين يمثلون %30 من السكان لديهم 30 مسجدا فقط بينما إخوانهم من المسلمين السنة الذين يمثلون %70 من السكان لديهم ألف ومئتا مسجد (1200) وهي مفارقة مذهلة بالنسبة الى المراقبين من خارج البلاد والذين يعكفون على إحصاء المثالب والخروقات في الحقوق المدنية والدينية لجميع الأقليات في بلدان العالم··)·
نقول إن مواد دستورنا أكثر من ممتازة وعصرية وهذه المواد لم ينفرد بها الدستور الكويتي بل ستجدها بكثير من دساتير الدول العربية والغربية لأن كثيرا من هذه المواد مصدرها واحد، ولكن العبرة هي أن الذي جعل سويسرا دولة نموذجية يشار إليها بالبنان تقدمها في شتى المجالات هو تطبيقها لمواد دستورها المكتوب ولا تطبق أعرافا أو آراء خاصة تخالف مادة دستورية، وأما نحن وكثير من الدول العربية أصبحنا مكانك سر وكلما أردنا الإصلاح والتطور للأفضل ظهرت لنا عقبات بسبب عدم التزامنا بتطبيق كل موادنا الدستورية بل نلجأ لتطبيق أعراف وآراء شخصية يتعارض بعضها مع مواد الدستور· نكرر كما كرر كل من يحب الخير لهذا البلد، إذا أردتم التطور والإصلاح فاسعوا لتفعيل مواد الدستور وترك الأعراف السائدة مثل "الواسطة" والتبرير للخطأ والمجاملات وغيرها من ممارسات تخالف الدستور وعندها سوف نرى التقدم والإصلاح ويأخذ كل ذي حق حقه ويصبح الرجل المناسب في المكان المناسب ونصبح سويسرا العالم العربي والإسلامي·
machaki@taleea.com |