لقي تعيين أول وزيرة في تاريخ الكويت هي د· معصومة المبارك ترحيبا عاما في كل الأوساط، باستثناء أوساط شعرت أن هذا القرار يهين تقاليدها وأعرافها القبلية، رغم أن القبائل العربية، وأكثرها أصالة في الماضي، وضعت ملكات على رأسها، فكانت الملكة "شمسي" والملكة "الزباء" وغيرهما ممن سجلت أسماؤهن منقوشة على الألواح الملكية الآشورية والبابلية، وتداولت وثائق الإمبراطورية البيزنطية أخبارهن وأسماءهن وأسماء القبائل التي تشرفت بهكذا مناصب ملكية·
حجج هؤلاء الخارجين على التقاليد الأصيلة، وعلى الشرائع السماوية التي عمادها العدل، ومقاصدها المساواة بين البشر، وكافأت الأنثى والذكر على حد سواء، حجج متهافتة، بدأت تتهافت منذ أن وقفوا ضد كل رفع للظلم عن المرأة، في المجتمعات العربية والإسلامية، بدءا من خروجها الى العمل، ووصولا الى صناديق الاقتراع، وبلغ التهافت حدا كاريكاتيريا بمناسبة اختيارها وزيرة، فبدأ نفر من هؤلاء يتساءلون، كيف للمرأة أن تجالس الرجال؟ وكيف للمرأة أن تصافحهم؟ وكيف لها أن تجادلهم؟ وكيف لها أن تبايعهم؟ وكيف·· وكيف·· ومئات من هذه الكيف، حتى وصل الأمر ببعضهم الى الخشية من أن تسافر الوزيرة لوحدها من دون "محرم"!
لا ندري بالطبع من الذي جعل مجالسة الرجال ومصافحتهم ومبايعتهم ومجادلتهم والسفر معهم حكرا على هؤلاء وأمثالهم، وأمثال فقهاء عصور الظلام الذين لم يكن شغلهم الشاغل كما يبدو إلا مطاردة المرأة، وتحويلها الى شيطان، بعد أن حولوا الشِّعر الى مزمار للشيطان، والغناء كفرا، والفرح جريمة، والابتسامة والسلام على الناس بدعة، وقيادة السيارة خلاعة·
يمكن أن نجد عذرا لفقهاء الظلام هؤلاء بسبب الظلام الذي عاشوا فيه، ظلام البصر والبصيرة على حد سواء، ولكن ما هو عذر رواد المنتزهات والطائرات والسهرات والاستثمارات؟
من كوارث العقلية العجائبية هذه أنها تنسى سجل ماضيها في إرهاب البشر، وليس المرأة فقط، وإن فازت المرأة بالنصيب الأوفر من إرهابهم، وتنسى سجل أزماتها· فحين يُخترع اللاسلكي تصاب بأزمة وتزعم أنه من البدع الشيطانية، وقبل ذلك حرموا المطبعة لمدة خمسة قرون بحجة أنها من اختراعات إبليس الذي يريد أن ينسينا كلام الله الذي لا يكتب إلا بخط اليد، وأصابتهم الحروف المطبوعة بأزمة، وظلت الأزمات تتوالى مع كل تطور في الكون والحياة، الى درجة أن الصعود الى القمر يسبب لهم أزمة وجودية، ولكن مع ظهور فوائد اللاسلكي والأقمار الصناعية والمطابع·· ولا ننسى الفضائيات بالطبع، بدأت أزمات هؤلاء بالانحسار والتجمع حول المرأة، فاخترعوا الأقاويل لذمها وهجائها، والحط من قدراتها، بلا حجة مقبولة لا عقلا ولا شرعا· وأقول شرعا لأن هؤلاء يكثرون من إحالة الناس الى "شرع" أرادوه حسب أهوائهم، مصنوع من أساطير التوراة عن المرأة الملعونة، وخرافات قصاصي ألف ليلة وليلة، وكل تهاويل أزماتهم وعقدهم النفسية التي تحتاج الى جيوش من علماء النفس لعلاجها·
المرأة في حقيقة الأمر تتعرض لإرهاب لا مثيل له، جذره لا وجود له في الدين الإسلامي الذي يحرفون كلمه عن مواضعه، ويأتون له بأقاويل مفسرين جهلة، بل جذره في عقلية متوارثة تنظر الى المرأة على أنها "عنصر الشر" الوحيد في العالم، عقلية يمكن أن نجد ما يماثلها في أساطير اليونان والرومان وغيرهم من الشعوب القديمة، أيضا ويمكن أن نأتي بقائمة من هؤلاء تحتوي بالضبط على كل ما يمضغه هؤلاء عن المرأة من أقاويل وكأنها ليست من مخلوقات الله، بل من مخلوقات الأبالسة· ومن يسمع أحاديثهم ونزعاتهم الإرهابية بالفعل ضد جنس النساء يدرك تماما أن على المرأة الوزيرة، والمرأة المقبلة الى البرلمان، أن تطرح مشروع تأهيل نفسي وصحي لأصحاب هذه الهلوسات، تقوم الدولة بموجبه بافتتاح عيادات نفسية ومستشفيات أعصاب تالفة للآلاف منهم، ولا بأس بترحيلهم الى مصح صحي في جزيرة أو كوكب آخر· |