رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء غرة جمادى الأول 1426هـ - 8 يونيو 2005
العدد 1681

كلمة في رحيل عبدالعزيز الصقر
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

إن أسماء كعبدالرحمن الباكر وإبراهيم فخرو وغانم عبيد غباش وعبدالله الطريقي وغيرهم الكثير لا يمكن أن يمحوها الزمن من ذاكرة شعوبنا في منطقة الخليج العربي، فهؤلاء رمز للاستنارة والحداثة والدعوة لحكم القانون وبناء المؤسسات المواكبة لروح العصر، وقبل مدة قصيرة، فقدت شعوب المنطقة أحد رجالاتها من تلك الكوكبة التي وضعت اللبنات الأولى لنهضتها، إنه عبدالعزيز حمد الصقر، الذي جمع بين المال والجاه، فاستثمر ماله في مشاريع وطنية رائدة، ووظف ما يملك من جاه لإرساء قواعد جديدة للعلاقة السياسية القائمة على الديمقراطية والمشاركة الشعبية في مجتمعه· وقد امتد به العمر طويلا (92 عاما) ليساهم في تطور بلده الكويت في الشطر الأكبر من القرن العشرين تقريبا·

والصقر ينتمي الى أسرة عريقة امتهنت كباقي الأسر المؤسسة لدولة الكويت التجارة، ويعود الفضل لتلك الأسر التجارية في إرساء نهضة الكويت الحديثة عبر إنشاء مؤسسات المجتمع المدني كالمدرسة المباركية (1912) والجمعية الخيرية 1913 والمكتبة الأهلية 1922 والنادي الأدبي 1923، كما كان لها الفضل في وضع اللبنات الأولى لمؤسسات الحكم الديمقراطية عبر تكوين مجلس الشورى 1921 والمجلس البلدي 1931 ومجلس المعارف 1936 والمجلس التشريعي الشهير 1938، ثم مجالس الخمسينات التي كان حصيلتها قفزة نوعية الى وضع دستور الكويت في العام 1962 ثم انتخاب المجلس التأسيسي في العام 1963·

ويذهب عالم الاجتماع الدكتور سعد الدين إبراهيم في مقال قديم الى اعتبار تلك الأسر التجارية العريقة "كنواة للرأسمالية العربية"، إذ إنها نشطت في العمل التجاري على مدى ثلاثة قرون متواصلة مكونة ثروات ضخمة، ولم تتعرض كمثيلاتها في العراق وسورية ومصر للتقلبات السياسية التي أضاعت جزءا كبيرا من ثروتها ومن نفوذها السياسي، ونضيف على ما قاله سعد الدين إبراهيم أن تلك العائلات تنتمي الى الجماعة القرابية نفسها (قبيلة عنزة) التي تنتمي إليها الأسرة الحاكمة في الكويت، وبالتالي حظيت بالمكانة الاجتماعية نفسها حسب مفهوم عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر· والمتتبع لتاريخ الكويت يلحظ ذلك التقسيم في العمل الذي حدث في بواكير نشأتها بين التخصص في الحكم والعمل في النشاط التجاري، لذلك لم يكن غريبا على أبناء هذه الطبقة التجارية أن يكونوا روادا في المطالبة بالمشاركة في الحكم والتي تبلورت في صيغ المجالس المنتخبة، وكان الفقيد رحمه الله رائدا في هذا الإطار·

قضى الفقيد معظم فترة الشباب متنقلا بين الكويت والهند، وفيها تعلم اللغة الإنجليزية في مدرسة "سانت ماري هاي سكول" في بومبي فضلا عن تلقيه لدروس خصوصية في اللغة الهندية "الكوجراتية"· أصبح الصقر وكيلا لأعمال أسرته منذ العام 1929، حيث كانت تمتلك خمسين بوما ويتركز نشاطها في مدينة "بور بندر" المشهورة بتجارة التمور· وفي العام 1951 ترك تجارة الهند واستقر في الكويت بعد دخولها عصر النفط·

وكانت الكويت تمر بفترة انتقالية آنئذ، إذ كانت ذاكرة أحداث المجلس التشريعي في العام 1938 شاخصة الى الآن مع دخول متغيرات جديدة بدأت تقلب الموازين الاجتماعية والمتمثلة أساسا بالنفط وثرواته الهائلة التي أخذت تتدفق على هذا المجتمع الصغير، ولم يكن عبدالعزيز الصقر بشخصيته "الكارزمية" ليستطيع أن ينزوي بعيدا عن الأحداث· فقد شارك في عضوية المجلس البلدي بين العامين 1952 و1955 ثم في مجلس الإنشاء والمجلس الأعلى الذي هيأ لانتخابات المجلس التأسيسي· غير أن ولعه بالسياسة لم ينسه ما جبل عليه من حب للعمل الحر فساهم في تأسيس شركات وطنية رائدة كالبنك الوطني 1952 والخطوط الجوية الكويتية 1954 وشركة ناقلات النفط 1957 وشركة السينما في السنة نفسها، ثم ساهم في تأسيس غرفة تجارة وصناعة الكويت في العام 1959 وظل يترأسها على مدى ستة وثلاثين عاما· ومن المعلوم أن اختيار إدارة الغرفة ورئيسها يأتي عبر الانتخابات منذ نشأتها الأولى·

ولمعرفة مقام الفقيد وموقعه في العملية السياسية نود أن نشير الى أنه "اختير بالتزكية "كأول رئيس لمجلس الأمة الكويتي في العام 1963، وهو منصب أدراه باقتدار حتى جاءت عاصفة المادة 131 فاستقال في فبراير 1965 ليستعد لنزول انتخابات العام 1967 والتي ضمت تحالفا واسعا احتوى فيما احتوى رئيس غرفة التجارة عبدالعزيز الصقر مرورا بشخصيات وطنية كثيرة أبرزها الدكتور أحمد الخطيب والأستاذ جاسم القطامي الى رئيس نقابات العمال· ونجح الصقر في تلك الانتخابات غير أنه قدم استقالته لاعتراضه على الممارسات التي جرت فيها·

ساهم الصقر بالتعاون مع شخصيات وطنية كثيرة في ترسيخ النظام الديمقراطي في الكويت وفي تصليب عوده، واستخدم في ذلك ثقله السياسي والاقتصادي والعائلي، وحينما حل مجلس الأمة في العام 1986 وبدأت المطالبة بعودته تزداد فيما عرف "بديوانيات الاثنين" في العام 1990، بادر الى تقديم عريضة للسلطة عرفت "بعريضة الصقر" يطالبها بالعودة الى العمل بدستور العام 1962، وكان لنا شرف المشاركة بالتوقيع في تلك العريضة، أما في مؤتمر جدة في أكتوبر من العام 1990، وكانت الكويت تئن تحت وطأة الاحتلال، فقد أبلى الصقر بلاء حسنا، إذ تجمعت كل القوى المطالبة بعودة المجلس وراءه وجاء إعلان ذلك المؤتمر مؤكدا على الثوابت الكويتية في دعم الشرعية وتحرير البلد·

ليس ثمة أبلغ من ذاك النعي الذي تقدمت به غرفة التجارة والصناعة الى أسرته في وصف هذا الرجل العظيم، فقد جاء فيه: "عمل الفقيد بالتجارة والسياسة فوظف الاثنتين لمصلحة الكويت، وزاوج بين الموالاة والمعارضة فكان خير نصير وخير مشير، وعاصر أجيالا عدة فكان من جسور الكويت نحو الحداثة وكان من رواسي الكويت في الأصالة"·

alyusefi@taleea.com

�����
   

المشوهون!:
أحمد حسين
المعارضة والانتخابات المقبلة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الخطوة الثانية!!:
سعاد المعجل
اللعب بالأوراق الطائفية والعرقية مرفوض:
محمد بو شهري
نقد العقل الجبان!:
فهد راشد المطيري
الدرس الكوري:
فيصل أبالخيل
وزارات السيادة.. "كفاية":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تعديل الدوائر ..هو الحل:
المحامي نايف بدر العتيبي
كلمة في رحيل عبدالعزيز الصقر:
د. محمد حسين اليوسفي
خواطر مسافر:
مسعود راشد العميري
حقيقة ما جرى في واشنطن:
عبدالله عيسى الموسوي
"الزراعة" ترد على "من أجل مدينة خضراء":
عبدالله العبدالعالي
لعيون العراق فتح عيونك:
محمد حسن الموسويü
الوقت الثمين:
علي غلوم محمد
إحصاء:
على محمود خاجه
هذا الرجل فاسد:
عبدالحميد علي
صندوق إعانة المرضى أم التكفير؟:
فيصل عبدالله عبدالنبي