عالم اليوم يطلق عليه قرية التمدن والحضارة، وثورة الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية، اللتين بدورهما سهلتا الحصول على المعلومات والخبر بكل يسر، وبالتالي أضحت الحياة أكثر جمالا وروعة، وحتى الأمس القريب مشروع شبكة المعلومات Internet، التي تم اختراعها من قبل وزارة الدفاع الأمريكية Pentagon، كانت مخصصة للأغراض العسكرية، والآن باتت في متناول يد الجميع ولا غنى عنها، سواء في المنزل أو في العمل، وبلمسة زر على الحاسب الآلي، يمكنك أن تدخل على الموقع الذي ترغب به، حتى تجد ضالتك ومبتغاك، من حيث المعلومات وآخر المبتكرات والاكتشافات والبحوث العلمية والأدبية، المعضلة أنه بالرغم من كل تلك التكنولوجيا المتاحة للجميع والسيل العارم من المعلومات، نلحظ أن هناك أناسا بين ظهرانينا لا يكترثون ولا يبالون بكل تلك المتغيرات من حولهم، جل اهتمامهم ينثال على توافه الأمور وأسوئها، وما زالت عقلياتهم مبرمجة على نمط الإنسان الأول والكهوف، ولا ينقصهم إلا ارتداء الجلود وحمل الهراوات بين أيديهم، وإطلاق أرجلهم خلف الدواب من أجل اقتناصها وأكل لحومها، إن هؤلاء الأصلاد الجهال، في أحسن أحوالهم لا يتفوقون على الإنسان الآلي، من حيث المهام وأداء الوظائف المحددة لهم سلفا، وعن بعد بواسطة الرمونت كنترول، الذي يحمله زعماؤهم الظلاميون، الذين استعبدوا هؤلاء الجهال من أجل مصالحهم المشبوهة، فلو كان يعلم الجهال أن أساطينهم يستفيدون منهم ويستغلونهم كجسر أو ممر من أجل أهدافهم المرحلية، ومن ثم يرمون بهم بالخواء ويأتون بغيرهم، لتبدلت أمور الجهال كثيرا، ولكن بسبب بعض الإغراءات والمكاسب التافهة التي يجنيها هؤلاء المغفلون، مثل "شرف" وضع أو تعليق باجات دهاقنتهم في أثناء الحملات الانتخابية، أو الإشراف على مجموعة من الصبية ضمن حلقات تثقيفية توعوية كما يدعون، أو الفوز "الكبير" بعضوية إحدى الجمعيات التعاونية، للإشراف على علب البازلاء والفول المدمس·
إن هؤلاء الجهال بالرغم من كل النصائح التي تقدم لهم من قبل أولي الألباب، وكذلك بالرغم من رؤيتهم للتجارب المخفقة والمحبطة لمن سبقهم فهم ما زالوا يصرون على عنادهم وعلى أفكارهم البالية ناهيك عن تمسكهم بآسيادهم، يقول المثل: "العبد يقرع بالعصا، والحر تكفيه الإشارة"، ومثل آخر "الحر حر وإن مسه الضر"، ويقول الحصيف سقراط: "معرفة النفس هي كل المعرفة"، ويقول: "فضيلة العقل الحكمة وفضيلة الحس الاعتدال والعدل"·
الإنسان العاقل لا يتأخر ولا يتردد في هجر الجهال، فأحكم الناس من فر منهم، وأسعد الناس من خالط أكرم الناس وأسعدهم، العاقل لا يمكنه أن يصل الى نتيجة مع الجهال، فالجلوس بجانبهم تعب ومرض، والحوار معهم يدخل المرء الى غرفة الإنعاش، وإذا فكروا بزيارتك وأنت على سرير المرض حتما سيكون مصيرك الموت والهلاك·
فإياك من رفقة الجهال
***
يشيب ابن آدم وتشب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل، هذا القول ينطبق تماما على أولئك الذين نجد عندهم كل هذا التخبط والإفلاس، ولاسيما الذين خسروا مقعدهم الوثير، والذي كان يدر عليهم الأموال والسفر والترحال بين الأقطار والأمصار·
freedom@taleea.com |