في كل حقبة زمنية، ثمة أناس قبلوا أن يكونوا من الأتباع، وبمحض إرادتهم رغبوا أن يسيروا خلف زعيمهم كسير السحاب الأدجن، مقابل ذلك هنالك أشخاص سطع نجمهم كي يكونوا من الزعماء البارزين والناجحين، إن مسألة القيادة، أمانة ثقيلة كبيرة وحساسة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتقبلها أو يتقلدها، إلا ممن تتوافر فيهم تلك الصفات القيادية·
ومما يندى له الجبين، حينما تم ترسيخ مفهوم القيادي المستبد في العالم الثالث، وعلى مدى العقود الماضية، فهو القيادي - إن سمي بهذا المسمى - فهو مستبد وطاغية، ولا يحمل في طيات قيادته أيا من الصفات والسلوكيات التي تعود بالخير والرفاه على أبناء مجتمعه، فهو لا يكترث إلا ببطانته السيئة، ولا يغدق الأموال إلا عليهم، وفي ساعة الحزم والشدة لا يمكنه أن يعول عليهم بشيء، إن القيادي الحقيقي لا تغريه ولا تغويه عبارات وتصرفات هؤلاء شذاذ الآفاق من المبطلين والمطبلين، القابضين للسحت والحرام، القيادي الفطن يتصف بالجسارة والذكاء ورباطة الجأش، لا تخنعه ولا تثيره صغائر الأمور، القيادي المبجل لا يتعالى على الجماهير ولا يستخف بهم، ولا يتظاهر بالتواضع كي يكسب تصفيق المتزلفين والمتملقين منهم، وكذلك لا يتصرف بأسلوب جنرالات الجيوش القديمة، والذين لا يعلو صوت فوق صوتهم أو فوق دوي مدافع معاركهم الخاسرة، على القيادي أن يقود مريديه نحو فلسفة تعتمد أساسا على ممارسة الديمقراطية الصحيحة، والتي تقوم على مبدأ المشاركة والعمل الجماعي، الرافض للمركزية والرجل الواحد، الذي لا بديل له، فهو الآمر والناهي، ولا يحق لأحد أن يناقشه أو ينصرف عن مطلبه، الجميع عليه أن يقول له وبصوت واحد سمعا وطاعة، ومهما تكن التكلفة والعاقبة، القيادي الجيد هين ومرن ولا يتصف بالغلظة والشدة تجاه الأحرار والطبقة المثقفة، ومهما تكن مراتبهم ومراكزهم الوظيفية·
القيادي الجاد، حينما يعد الجماهير ببعض التحسينات والإصلاحات، من خلال خطة زمنية مدروسة، يفي بوعده ويسعى جاهدا من أجل تحقيقه، القيادي العادل ذو النظرة الثاقبة لا يميز بين أحد، ولا ينحاز لجماعة أو طرف على حساب طرف آخر، بيد أنه يهتم بجميع شرائح المجتمع ولاسيما المبدعين والموهوبين منهم، فلو ازداد الدعم لهؤلاء لنهض المجتمع وتحسنت أوضاعه كثيرا·
القيادي المتميز لا ينزوي ولا ينطوي في صومعته أو في برجه العاجي، بل يترجل من صهوة حصانه ليقترب من الطبقة الكادحة والناشطة، ليشاهد بأم عينيه أوضاعهم ومطالبهم، وكلما دنا القيادي إليهم، انجذبوا له وحفوه بالإكبار والتعظيم، وطول البقاء والتقدير، فهو قدوتهم، الحسنة ومثلهم الأعلى·
***
عيرته بالشيب والشيب وقار، ولكن أين الوقار والاعتبار عند أولئك الذين نجد عندهم كل هذا الصمت المطبق، تجاه بعض القضايا الإقليمية المصيرية؟! (مقيولة) فإذا زاد الشيب وزاد العيب فعلى الدنيا السلام·
freedom@taleea.com |