إبان حقبة الفتوحات الإسلامية·· كان القائد العسكري الإسلامي "خالد بن الوليد" يقفز من نصر الى آخر، ومن معركة الى أخرى، مسجلا بذلك تاريخا عسكريا شهد له العدو قبل الصديق·
وفي فورة انتصاراته العسكرية·· وتألق اسمه كقائد عسكري صلب، ومحارب شرس، وفاتح إسلامي مغوار·· جاءته أوامر التنحي من خليفة المسلمين آنذاك "عمر بن الخطاب" الذي أمره بأن يسلم القيادة، ويعود الى صفوف الجيش الإسلامي محاربا تحت قيادة قائد جديد للجيش·
استلم حينها "خالد بن الوليد" أوامر الخليفة في رسالة حملت حكمة سياسية، ورؤية حكيمة، لطبيعة تداول السلطة والمراكز التي لا تتجمد عند فئة، ولا تخلد شخوصا الى الأبد، ترجل "خالد بن الوليد" عن قيادة الجيش، وسلم المهمة "لأبي عبيدة بن الجراح ولم تنقطع الانتصارات الإسلامية حينها بمثل هذا التغيير في القيادات، بل على العكس من ذلك تماما، فقد استمرت الانتصارات والفتوحات الإسلامية، تعززها في ذلك حكمة وحنكة الخليفة عمر بن الخطاب، الذي كان يرى في الهدف غاية وأهمية تفوق بكثير كل الرموز والشخوص مهما بلغ صيتها وحجمها·
كانت حجة الخليفة "عمر بن الخطاب" في إقصائه لخالد بن الوليد هي خشيته عليه من نفسه، ومن أن يتملكه الغرور بشخصيه فيصل الهدف جراء ذلك، أو أن يلتبس الأمر على العامة، فتخلط بين الرمز بشخصه، والهدف باتساع مداه وعموميته·
منطق حكيم، وثري·· أخطأنا مرماه، فغدت أمة العرب والإسلام مرتعا لرموز متغطرسة وشخوص متجبرة، وطغاة تنتهي الحياة ولا يفنون· فأصبح النصر شخصا، والهزيمة فرداً، والمستقبل والحاضر رهناً ببقاء هذا القائد أو ذاك الزعيم·
صدام حسين، طاغية العصر الحديث بلا منازع هو ضحية من ضحايا مثل هذا المنطق العربي الأعوج في تتويج زعامات خاوية، وتخليد رم
وز مهترئة، وضلال ما بعده ضلال عن الطريق السوي المؤدي الى مكتسبات وحقوق للعامة، ولمستقبلهم ورفاههم، قبل أن يكون لطموحات فردية وشخصية تفني بفناء أجساد أصحابها·
لقد صدق من قال "إن الشعوب تخلق طغاتها" ونحن جميعا ساهمنا في خلق صدام حسين، وباركنا بقاءه واستمراره· نحن جميعا وبلا استثناء إلا فيما ندر كنا عازفين في سيمفونية الرعب البعثية، إما عن جهالة أو بسبب ضغوطات وظروف سياسية أطلقنا عليها مسميات مختلفة، بهدف التمويه ليس إلا·
كان الخروج والنشاز عن سيمفونية الرعب البعثية يعتبر خطيئة وجنحة لا يغفرها أصحاب القلم، ولا رعاة القرار السياسي، لكن ذلك ولله الحمد، لم يمنع نضالاً شرسا وقف بصلابة في وجه مرتزقة البعث رافضا التمجيد بهم وهم يقفون فوق أشلاء الأكراد المساكين، أو يخوضون حرب الجنون ضد إيران، وكانت جريدة "الطليعة" آنذاك في مقدمة المناضلين، ولم تيأس ولم تستسلم يوماً للتهديد القادم من أعوان البعث في سفارة العراق بالكويت إبان تلك الحقبة المظلمة!! ولم تتخل يوماً عن واجبها الذي تحتمه عليها أمانتها المهنية، في أن تتصدى لكل الذين هتفوا "لحرامي البوابة الشرقية" وأن تصمد عن قرار رفضها القاطع للخلط بين عبادة الرموز، وحماية الأوطان·
سقط جسد الطاغية، وأصبح في حضرة الله!! لكن دور "الطليعة" وغيرها من المخلصين لا يزال قائما، فالحرب لم تكن يوما ضد صدام حسين وحسب وانما هي في أساسها معركة ضد جهل عربي مستفحل سيفرز لنا عشرات الطغاة·
suad.m@taleea.com |