رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 يوليو 2007
العدد 1781

القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

قد تبدو العلاقة بين "الأطفال" و "الثقافة" بعيدة جدا؛ فالثقافة في التصور العام مرتبطة بتراكم طويل للخبرات والقراءات والمعارف المتنوعة التي يكتسبها الفرد في مراحل مختلفة من حياته، بوسائل كثيرة تتباين في تأثيرها وقوتها· وهذا التراكم لا يتحقق إلا بامتداد الزمن، ومرور السنوات التي تعمق مكتسبات الإنسان من الثقافة من مصادرها المختلفة· والطفولة تفتقر إلى هذا الشرط الحيوي المهم، فالزمن قصير والخبرات قليلة والقدرات على اكتسابها تظل محدودة بسيطة إذا ما قورنت بقدرات الكبير الناضج الذي أتيحت له فرص كثيرة لتنمية إمكاناته· ومع ذلك فإن الطفولة لا تنفي الثقافة ولا تقصيها، خاصة إذا أعدنا النظر في معنى "الثقافة"، ونظرنا إليها من زاوية مدلولها الواسع الذي يعكس درجة وعي الفرد بما حوله من موجودات وأشياء ومعانٍ مختلفة متباينة، وقدرته على فهم ماهيتها ووظائفها، والتفاعل معها تفاعلا إيجابيا، والسعي الذاتي المستمر إلى اكتساب معارف جديدة بشغف وإدراك ينمو كل يوم بأهمية هذا الفعل في حدّ ذاته ودوره في إشباع جوع من نوع خاص·· جوع المعرفة غير المقترن بشروط· فالأطفال فيما بينهم يختلفون اختلافا كبيرا في هذه المسائل، وتبدو الفروق بينهم واضحة لكل عين، مما ينبئ عن فرص متفاوتة فيما قد يحظى به كل منهم، في المستقبل، من صفة الثقافة التي تفترق افتراقا واضحا عن صفة التعلم، فليس كل متعلم مثقف، كما نعلم كلنا· على الرغم من تداخل كبير بين المفهومين·

 فإذا كانت عملية التعليم تتصف بصفة المنهجية الواضحة المتدرجة في أهدافها وبرامجها ووسائلها ومصادرها وبيئاتها، فإنّ التثقيف قد يتحرر كثيرا من هذه الصفة، فيغدو صنوا لطبيعة البيئة والناس الذين ينشأ بينهم الطفل· فالبيئة الطبيعية التي يكبر فيها الطفل لها دور كبير جدا في دفعه دفعا تلقائيا نحو تقدير عناصر الثقافة بشتى أنواعها، والارتباط بها ارتباطا دائما لا يقترن بوجود محفزات لحظية قد تزول كالجوائز والدرجات وغيرها· وأول هذه البيئات وأكثرها تأثيرا في توجيه الطفل نحو التعلق بمصادر الثقافة وتقديرها الأسرة، خاصة في وقتنا الراهن، فالأب والأم والإخوة يصنعون مناخا خاصا ينشأ في كنفه الطفل الصغير، ويتعلم فيه تعلما غير مباشر أشياء كثيرة تبقى معه طيلة العمر، فنحن إذا تأملنا مجموعة من الأطفال سنجد اختلافا كبيرا بينهم في طريقة الحديث، ونبرة الصوت، وأسلوب الكلام، وهذه أمور لا تعلّم تعليما مباشرا في معظم الأحيان، بل تكتسب اكتسابا، تتسرب إلى الطفل من أهله من غير أن يعيها، فتصبح صفة من صفاته التي قد يصعب عليه، فيما بعد، تغييرها، إلا بعد محاولات كثيرة متعبة· وكذلك الثقافة والميل نحوها، والتعلق بمصادرها، وتقدير كل أشكالها، فهذا مما يتسرب إلى الصغير من الكبير بغير كثير كلام·

وأذكر في هذا المقام قصة إحدى الكاتبات، واسمها آن لاموت، في كتاب ألّفته لتعليم الكتابة؛ إذ تصف كيف كان للبيئة التي نشأت فيها أثر عميق في توجيهها نحو مصادر المعرفة والتعلق بالكتب، وحب الاطلاع، تقول: كان لوالديّ طقس ثابت كل يوم، فبعد الغداء، يجلس أبي على مكتبه يقرأ أو يكتب، وتجلس أمي على مقعدها المفضل في غرفة المعيشة تقرأ كتابا· أما أنا فكنت لا أجد أمامي إلا أن أفعل مثلهما، فأختار مجلة أو قصة أقرؤها، أو أوراقا أخربش فيها وألوّن··· كان الهدوء يسود المكان، وكنت أحب هذا الشعور الطاغي بالسكون يلفني أنا ووالديّ، وكنت أشعر بالحرية وأنا أقلب صفحات الكتب التي لم أكن أعرف معظم ما فيها·· لكنني منذ ذلك الوقت أحسست أنها شيء ثمين جدا·· وأنها تحوي  أسرارا ومعلومات كثيرة·· نشأت على تقدير الكتب وحبها والتعلق بها، ولا شك أنّ لوالديّ دورا كبيرا في ذلك· فلولا صورتهما التي لاتزال عالقة في ذهني وهما يجلسان للقراءة كل يوم فيما يشبه الطقس المقدس ما تعلق قلبي بالكتب كل هذا التعلق·

وفي تجربة أخرى تذكر ليزلي مورو، مؤلفة سلسلة كتب لمساعدة الأطفال على تعلم مهارتي القراءة والكتابة، كيف كان للجهد الذي بذلته هي وزوجها دور مؤثر في تعليم ابنتهما، وتوجيهها نحو القراءة والتعلق بالكتب، تقول "يمكنني أن أدلل على الدور الحيوي للبيت في نمو التعلم المبكر، فمنذ اليوم الأول الذي ولدت فيه ابنتنا وأنا وزوجي نقرأ لها· إنني أقرأ لها يوميا بينما تجلس في حجري، دائما في الكرسي نفسه، كنا ننظر إلى الكتب· كنت أتحدث عن الصور وأقرأ القصص· وعندما بلغت خمسة أشهر كانت تصغي بينما نقرأ لها· كانت عيناها تركز باهتمام على الصور الملونة الزاهية·· كانت أحيانا تحاول لمس الكتب·· وأحيانا كانت تصدر أصواتا مرحة تبدو كمحاولات لتقليد صوتي أثناء القراءة، لأن الخبرة كانت يومية وإيجابية· أصبحت القراءة بالنسبة لها شيئا مألوفا، وصارت ترحب بها··· كثيرا ما كنت أشرح لها معاني الكلمات·· وكنا سويا نتطلع إلى هذه الأوقات التي تقاسمناها· كانت أوقاتا مريحة ودافئة وممتعة"·

لقد أكدت الدراسات التربوية الحديثة أنّ القراءة للأطفال لها دور كبير جدا في تعزيز ميلهم نحو الكتب والاطلاع المستمر طوال حياتهم، كما دلّت الأبحاث على أنّ القراءة للأطفال تعزز خلفيتهم المعلوماتية ووعيهم، وتخلق تآلفا بينهم وبين لغة الكتب، وقد أشارت كثير من الدراسات كذلك إلى أنّ الأطفال الذين يُقرأ لهم يتقدمون تقدما ملحوظا على زملائهم في المدرسة في مهارتي القراءة والكتابة، وأكثر ما يمكن أن يجنيه الطفل من القراءة له  أن هذه القراءة -كما تشير الدراسات- تطور لدى الأطفال مواقف إيجابية تجاه مصادر المعرفة، فقد أوضحت مورو أنّ "الدفء الذي يصاحب قراءات القصص من قبل الآباء يدوم حتى بعد انتهاء القراءة، فهو يدخل مشاعر جيدة ومتبادلة من المشاركة ليصبح طقسا من طقوس العلاقة"، ولذلك يتجه الأطفال، كما تقول مورو،  بعد أن يتعلموا القراءة إلى قراءة القصص التي قرأها لهم آباؤهم في محاولة لاستعادة الشعور الجميل بالأمان والاستمتاع،  وهذا يشكل ما يشبه الاقتران الشرطي الإيجابي بين فعل القراءة والشعور بالمتعة والراحة والسعادة، مما يجعل الصغير حين يكبر يطلب سعادته وراحته في الكتب لأنها ارتبطت في ذهنه منذ الصغر بلحظات خاصة حميمة·

لقد ازداد الوعي في المجتمعات المتقدمة بأهمية القراءة للصغار، وأصبحت المدارس والمؤسسات التربوية تتواصل مع الآباء والأمهات من أجل توجيههم وتشجيعهم على أن يقوموا بدورهم في القراءة لأبنائهم، أو أن يوكلوا هذه المهمة للكبار منهم، بحيث لا ينام الصغير قبل أن يقرأ له أحد الكبار صفحات من قصة ممتعة مناسبة· وفي المكتبات يخصص يوم في الأسبوع للقراءة للصغار يتولاها قراء مهرة أو متطوعون أو مختصون، فيجلسون على مقعد ويتحلق حولهم الأطفال يستمعون إليهم· لقد تجاوزت هذه المجتمعات فكرة القراءة للدراسة، فهي فكرة لها آثارها السيئة على المتعلم بحيث ترسخ في ذهنه صورة قاتمة مملة ثقيلة للقراءة· إنّ هذا النوع من القراءة مهم في حياة المتعلمين، ولكنه ليس النوع الوحيد الذي يجب أن ينشأ عليه الصغار· هناك نوافذ كثيرة للقراءة لاتزال مغلقة في عالم صغارنا، وآن الأوان لفتحها، ولكنها لن تفتح إلا بتآزر الجهود وانتشار الوعي بين الناس بأنّ للقراءة وظائف أخرى كثيرة وجميلة وممتعة فلماذا نحرم أجيال المستقبل منها؟

* جامعة الإمارات

 Latifa64@emirates.net.ae

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

مذكرات الدكتور الخطيب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
خطبة جمعة عصرية:
فهد راشد المطيري
الأبحاث العلمية... "صيانة"!:
د. بهيجة بهبهاني
إلى جميع لصوص بلادي مع التحية:
على محمود خاجه
"إلى من يهمني أمره":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
قلنا لك.. الاستقالة أكرم!!:
محمد جوهر حيات
فليحاسب كل متجاوز على المال العام:
محمد بو شهري
د. فيصل المسلم وقصة الثلاثة الكوكباني:
أحمد سعود المطرود
الاستجواب وما تحت الجلباب:
المهندس محمد فهد الظفيري
أم نضال:
عبدالله عيسى الموسوي
كل شيء يحدث باسم الدين:
د. فاطمة البريكي
أحلام صيفية:
علي عبيد
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم:
د. لطيفة النجار
بين المأمون والراهب ريموند:
ياسر سعيد حارب