رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 يوليو 2007
العدد 1781

كل شيء يحدث باسم الدين
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

كم يصيح الدين متبرئًا من أولئك الذين لا همّ لهم إلا تشويهه· أنى التفتنا وجدنا أشخاصًا يشوهون صورة الدين الإسلامي الحنيف، بأفعال وسلوكيات مختلفة، لا يمكن أن يخطر بعضها على ذهن الإنسان الطبيعي، ولكنه يتفاجأ بها، بل ويتفاجأ أكثر أنها تَمْثُل أمامه وأمام غيره باسم الإسلام·

في حالات السلم والحرب الدين حاضر دائمًا كشمّاعة لتعليق الأخطاء، فعلى مستوى الحروب نلاحظ أن جميع الذين يحملون السلاح في أيامنا هذه -أيا كانت مواقعهم الجغرافية، وأيّا كانت حقيقة أهدافهم ومطامحهم و"مطامعهم"- يزعمون أنهم يحملونه باسم الدين، ومن أجله· وفي النهاية لا نعرف من منهم لا يزال على دينه، ومن فقد آخر الروابط بينه وبين الدين في لحظة قد لا يعرفها هو نفسه· ولا أريد أن أفصّل القول أكثر في استخدام الدين مشجبًا يعلق عليه بعض الإخوة أسباب رفعهم السلاح في وجوه بعض في مشارق الوطن العربي ومغاربه، فقد نزفت أقلام كثيرة وهي تخوض في هذا الجرح الموجع والمستمر إلى أجل غير مسمى·

وفي حالات السلم الأمر لا يختلف كثيرًا؛ فالفتاوى الغريبة والمشينة، والمحركة لمشاعر القرف والاشمئزاز، تظهر للناس باسم الدين· والاعتداء على حريات الآخرين، وفضحهم أمام الملأ يحدث أيضًا باسم الدين· والتفجيرات الانتحارية التي تقضي على الأبرياء أكثر مما تقضي على المذنبين، أو تقضي على المدنيين ولا تمسّ العسكريين بجرح، تتم أيضًا باسم الدين· فأين الدين من كل هذا؟

قبل فترة قصيرة أطلق أحد مشايخ الأزهر فتوى مخزية، تابعت كثيرًا من تفاصيلها وملحقاتها على شبكة الإنترنت، وعلى الرغم من مشاعر القرف التي استلبستني -وغيري بكل تأكيد- وأنا أقرأ الفتوى وكل ما كُتب عنها وحولها سلبًا وإيجابًا، إلا أن الإحساس الذي سيطر عليّ كان إحساسًا مختلفًا تماما عن كل تلك المشاعر الطبيعية التي أصابت أي إنسان وهو يقرأ تلك الفتوى التي أوجدت مخرجًا "شرعيًا" لخلوة زميلي العمل في غرفة مغلقة عليهما لا تُفتَح إلا بإذن واحد منهما· لقد كنتُ أتساءل: هل هان الدين على أهله إلى هذا الحد؟ وهل رخصت قيمته حتى أوشك أن يكون بلا قيمة عندنا؟ وإذا كانت (نعم) ستفرض نفسها بقوة في سياق الإجابة على أسئلة كهذه في مواقف مختلفة، فإنني أعجب من حضور هذه الـ(نعم) في موقف الحديث عن رجال الدين ومشايخه، ومن يُحسبون معه لا عليه·

إن إطلاق فتوى مثل هذه ليس له تفسير إلا أننا نعمل على استغلال الدين لإشباع حاجاتنا "الجنسية" تحت حجج واهية مختلَقَة، وقد أشار إلى ذلك غير واحد من المدوّنين، ومن رواد المنتديات الجادة على الشبكة، ومن أصحاب المواقع الهادفة، وكذلك فعل كثير من الكتّاب الذين يكتبون في صحف ورقية وإلكترونية رفيعة المستوى·

ولا أعتقد أن مثل هذا التفسير يحتاج إلى كثير من التفكير، لأننا مهما حاولنا التماس عذر لمطلق تلك الفتوى "العجائبية" سنعجز عن ذلك· ولعل أبسط إجراء يمكن اتخاذه مع موقف كهذا هو إيقاف ذلك "الشيخ" عن عمله وإحالته إلى مجلس التأديب للتحقيق، مع توقع عام بإقالته من منصبه الأزهري، حتى يكون عبرة لمن يعتبر·

في أحد التعليقات التي كُتبت على مقالة تناولت هذه الفتوى تناولا موضوعيًا، معرّية كثيرًا خفاياها، قالت قارئة إنها تحمد الله لأنها مسيحية وليست مسلمة، ونصحت المسلمين بمراجعة دينهم قائلة إنها إن كانت مسلمة لكانت غيّرت ديانتها بعد هذه الفتوى مباشرة· في حين قال قارئ آخر إنه صار يخجل أن يقول إنه مسلم، وأنه يفكر جديًا في تغيير ديانته، خصوصًا بعد هذه الفتوى التي يستحيل أن يبقى بعدها أي مسلم فخورًا بكونه مسلمًا· وهذه واحدة فقط من الفتاوى التي لا يعرف العاقل كيف تخطر على أذهان بعض المحسوبين على علماء الدين، لينشغلوا بها، ويتركوا القضايا الكبرى الأكثر أهمية وتأثيرًا في حياة المسلمين اليوم دون أن تنال شيئًا من وقتهم وتفكيرهم!

وإذا كان هذا الموقف يكشف عن استغلال الدين استغلالا سيئًا للوصول إلى مخارج "شرعية" يمكن بها تبرير بعض السلوكيات المشينة، فإن الخبر الذي ساقته الصحف المحلية قبل أيام عن مثول نفر من أعضاء هيئة دينية معروفة في إحدى الدول الخليجية أمام المحكمة بتهمة التورط في قتل أحد مواطني تلك الدولة -بعد أن "ضبطته" عناصر من تلك الهيئة في سيارته برفقة امرأة لم تكن له معها علاقة قرابة- يدلنا على وجود استغلال من نوع آخر للدين·

إن هذه الهيئة التي يعرف عنها القاصي والداني تستغل اسم الدين في ممارسة سلطة مُنحت لها أو منحتها لنفسها، تسمح لها بالاعتداء على حريات الآخرين باسم الدين؛ فمن حق هذه الهيئة أن توقف أي سيارة وأن تستفسر عن هوية الموجودين فيها، وعن علاقتهم ببعضهم، أو نوع القرابة بينهم، خصوصًا إذا كان الموجودون من جنسين مختلفين (رجل وامرأة)· إن من صلاحيات هذه الهيئة البحث عن صلة القرابة التي تجمع بين ذلك الرجل وتلك المرأة، وإن لم توجد، فلا مناص من التوقيف!

إن من حق أعضاء هذه الهيئة، باسم الدين، أن يتدخلوا في أخص خصوصيات مواطنيهم، وأن يفرضوا عليهم كل ما يريدونه باسم الدين أيضًا، ومن أمثلة ذلك فرض الحجاب "الشرعي" بالمفهوم الذي يحددونه هم فقط، وليس بما ارتآه غيرهم مما يتفق مع مذاهب الأئمة الأربعة· وعدم التزام امرأة بالحجاب بالمفهوم الذي يريدونه يسمح لهم -باسم الدين- بالاعتداء عليها ضربًا بالعصا، وقد رأيتُ هذا بعيني في أحد الأسواق الشعبية في تلك الدولة، على الرغم من أن المرأة كانت برفقة زوجها، وكانت غير منتبهة إطلاقًا لتلك العصا التي فاجأتها من الخلف في موضع يخجل الأخ من أن يضرب أخته فيه، فكيف يعطون لأنفسهم الحق في ضرب امرأة لمجرد أنها لم تلتزم بالحجاب الذي أرادوه هم؟ إنهم يزعمون أن الدين يعطيهم هذا الحق! وكأن خالقنا -جلّ شأنه وتعالى- في حاجة إلى وساطة بينه وبيننا!

وموضوع الوساطة وارد تماما عند الحديث عن الدور الذي أعطته هذه الهيئة لنفسها كي تشبع حاجتها لممارسة الدور السلطوي الديكتاتوري -باسم الدين طبعًا-؛ فقد رأى أعضاء هذه الهيئة أن يلزموا جميع الناس، وخصوصًا في الأسواق، بأداء الصلاة جماعة في وقتها، ونبذ التجارة حتى انتهاء وقت الصلاة، لذلك يقومون بالتأكد من إغلاق جميع المحلات بمجرد أن يُرفع الأذان لأي فرض، ويستمرون في أداء هذا الدور حتى انتهاء وقت الصلاة، دون أن يهتموا هم بالصلاة مع الجماعة، ليكونوا من الذين "يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم"·

من وضعهم وسطاء بين أولئك الناس وبين خالقهم؟ ومن قال إن إلزام الناس بالصلاة جماعة في المسجد -في ظل مشاعر الخوف من صلاحيات هذه الهيئة التي تمارس دورًا يذكرنا بدور محاكم التفتيش في العصور الوسطى- يعني خلق مجتمعات متدينة وملتزمة بدينها؟

إن نتيجة هذا السلوك الذي يزعم أصحابه أنه سلوك ديني، وأعتقد أنه بعيد عنه جدًا، هي واحدة من اثنتين: إما أن يؤدي هذا الضغط على أفراد المجتمع للالتزام بالدين وفروضه إلى نتيجة عكسية، بحيث يتراكم في نفوسهم كره الدين، والإعراض عنه، والحرص على فعل كل ما ينهى عنه، وترك كل ما يأمر به، وهذه فئة لا يستطيع أحد إنكار وجودها حاليًا· أو أن يؤدي إلى تعصب ديني أعمى، يرى الالتزام الحرفي بكل ما تعلمه من علوم الدين وفق المذهب الذي نُشِّئ عليه، ونبذ كل ما خالفه، حتى إن كان له وجه شرعي· ومثل هذه النتيجة تترتب عليها نتيجة أخرى أكثر ضررًا، وهي انتشار فكرة التفجيرات الانتحارية -باسم الدين أيضًا- التي فتكت بالأبرياء دون عدد، ودون أن يعرف الفاعلون أي منقلب سينقلبون!

لا أقصد التفجيرات الانتحارية في البلدان التي تعيش حالة حروب أساسًا، بل أقصد البلدان البعيدة عن أجواء الحروب، والتي جاءتها هذه التفجيرات من أبنائها الذين غُرست في نفوسهم مبادئ الدين بشكل أحادي النظرة، حتى انقلب السهم على الرامي·

هذه بعض مظاهر استغلال الدين في ظروف السلم، وهي تأتي منسجمة مع مظاهر استغلاله الحاصلة في ظروف الحرب، وكأنه اتفاق ضمني بينهم جميعًا على تفتيت بناء الدين من جهات وجوانب مختلفة، حتى يناله التشويه· ومع قناعتنا أن ديننا محفوظ، وأنه قادر على مواجهة الهجمات التي يتعرض لها، إلا أن مصيبتنا هي أن ما يواجهه الآن يأتيه من أهله وعلمائه وأبنائه، وليس من أعدائه، ذلك أن بعضًا منا قام بتوظيفه لخدمة مآربه التي تتفاوت من شخص لآخر، ومن موقف لآخر، لكنها في النهاية تؤدي إلى نتيجة واحدة، هي تشويه صورة الدين، وتنفير الناس منه، المسلمون منهم وغير المسلمين·

جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

مذكرات الدكتور الخطيب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
خطبة جمعة عصرية:
فهد راشد المطيري
الأبحاث العلمية... "صيانة"!:
د. بهيجة بهبهاني
إلى جميع لصوص بلادي مع التحية:
على محمود خاجه
"إلى من يهمني أمره":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
قلنا لك.. الاستقالة أكرم!!:
محمد جوهر حيات
فليحاسب كل متجاوز على المال العام:
محمد بو شهري
د. فيصل المسلم وقصة الثلاثة الكوكباني:
أحمد سعود المطرود
الاستجواب وما تحت الجلباب:
المهندس محمد فهد الظفيري
أم نضال:
عبدالله عيسى الموسوي
كل شيء يحدث باسم الدين:
د. فاطمة البريكي
أحلام صيفية:
علي عبيد
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم:
د. لطيفة النجار
بين المأمون والراهب ريموند:
ياسر سعيد حارب