رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 18 أبريل 2007
العدد 1770

هيكل ولكن بضخامة جبل
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

رجل بضخامة جبل، وذاكرة فيل و هيبة أسد ومكر ثعلب وبعمر الهموم العربية منذ الحرب العالمية الثانية···

ربما هذه الأوصاف مجتمعة في رجل واحد أقل ما يمكن قوله عن الصحافي العربي القدير محمد حسنين هيكل··· الذي يجلس كل مساء خميس أمام مئات الألوف وربما الملايين من مشاهديه ومحبيه على قناة الجزيرة ليحكي لنا بأسلوب مميز عن أمور كانت تحدث في زمنه ربما لا يعلمها إلا الله··· وهو·· وبتاريخ نراه للمرة الأولى بشكل مختلف··· وحقائق لم تمر يوما على بال أحد·

إنه اليوم في الرابعة والثمانين من عمره··· وهو ربما الشاهد العربي الوحيد على قيد الحياة الذي عاصر تحولات القرن الماضي على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي··· والذي عاصر تحولات السياسة المصرية ومن حولها منذ زمن النظام الملكي إلى عصر ثورة عبد الناصر وحرب السويس وهزيمة 67 وزيارة السادات إلى إسرائيل ثم اغتياله مرورا بتحولات قلب الأمة العربية، مصر، رأسا على عقب والتي تنازلت عن راية القيادة في خضم معركة مصير هذه الأمة التي تطرح يوميا سؤالا واحدا طرحه شكسبير في مسرحية هاملت دون إجابة: (أن نكون أو لا نكون)!

هيكل ليس صحافيا فقط··· فقد كان أيضا سياسيا ودبلوماسيا ولاعب شطرنج بارعا في مجال السياسة· وكان مقربا جدا من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان يثق به ويسمع لمشورته وآرائه وتحليلاته السياسية وربما يأخذ بها في بعض الأحيان· ما يعني أن هذا الصحافي كان له دور ولو في حدود معينة في توجيه سياسة مصر في تلك الحقبة· ويكفيه أنه كان يحمل بطاقة خضراء تسمح له بزيارة عبد الناصر والاتصال به في أي وقت يشاء وأينما يشاء·

وخلافا لصحافيي هذا الوقت، فقد كانت تربط هيكل وخاصة بعد أن أصبح رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية علاقات خاصة بالعديد من رجال الحكم والسياسة في العالم والذين كانوا يفضون إليه بما يدور بداخلهم، وكان ينقل مشاهداته من واقع تلك العلاقة المباشرة وليس من خلال ما تنقله وكالات الأنباء أو تبثه القنوات الفضائية كما نفعل اليوم· وكانت معظم لقاءاته وحواراته الصحافية مع هؤلاء الزعماء الذين انتقل معظمهم اليوم إلى رحمة الله تتسم بالذكاء في الطرح، والمراوغة في جرجرة الآخر إلى الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة، واستشراف القادم· ونادرا ما نقرأ لصحافي استفاد من لقاءاته تلك لتنمية معلوماته التاريخية والسياسية مثل هيكل· فهو لم يكن يذهب للقاء هؤلاء الزعماء لمجرد الحوار الصحافي بقدر ما هو عمل سياسي بحت· فهو يقوم بمهمتين في آن واحد: اللقاء الصحافي والعمل الدبلوماسي والتثقيف المستمر!

قبل يومين اكتشفت في مكتبتي أحد كتبه الذي مزقته صغيرتي (ذات السنتين) شر ممزق· حيث كانت تتعمد الذهاب إلى أقصر رف تطاله يدها الصغيرة وتختار في كل مرة هذا الكتاب بالذات الذي كان أحب كتبي إلي أثناء دراستي الجامعية، ثم تقوم بتفريق صفحاته، حتى اختلطت أوراق حوار هيكل مع شو إن لاي مع حواره مع أنديرا غاندي·

هذا الكتاب (أحاديث في آسيا) والذي نشرته دار المعارف في لبنان، يضم مجموعة من اللقاءات الصحفية التي أجراها هيكل مع مجموعة من زعماء دول شرق آسيا أثناء زيارته لهذه الدول في بداية السبعينات من القرن الماضي· وعلى رأس هؤلاء شو إن لاي الزعيم الصيني الراحل، ونوردوم سيهانوك وانديرا غاندي وذو الفقار على بوتو وغيرهم· ومع ذلك لم يظهر هيكل بعد ذلك أي إحساس بالعظمة والتعالي والغرور لأنه التقى بكل هؤلاء الزعماء وغيرهم من أمثالهم وجلس معهم وحاورهم والتقط الصور معهم وتناول الغداء على طاولاتهم وفي بيوتهم، ولم يدع أنه فهم كل شيء، أوأنه حلل كل الأمور أوأنه أصبح مرجعا في تاريخ تلك الشعوب· فقد كان هيكل في كل مرة تلميذا على مقاعد التاريخ الطويل·

 فمثلا أثناء استعراض بعض لقاءاته مع الزعماء والسياسيين اليابانيين كتب هيكل: (استمعت وتحدثت وناقشت وحاورت وكنت أظن أنني هذه المرة سوف أصل إلى أعماق السر الياباني، ولكن هذه المرة أيضا خرجت والسر هناك لم آخذ مفاتيحه معي!

إن هيكل إضافة إلى عمله الصحافي ودوره السياسي ومهمته الدبلوماسية كان عالم نفس من الدرجة الأولى· فقد كان يدرس سيرة محدثه قبل لقائه، ويدخل أثناء حواره إلى عمق نفسيتة ويتحسس أقصر الطرق إلى فكره وقلبه معا· فمثلا عند حديثه عن كاكوي تناكا، رئيس وزراء اليابان قال "بأنه لم يبهره كزعيم سياسي· بينما ديجول كان صاحب رؤية نفاذة تعلقت بالقمم وكشفت كل السفوح والسهول أمامها، وخروتشوف كان شخصية سياسية معقدة متنوعة الألوان والظلال سريعة الفعل ورد الفعل·

كما كان هيكل يعرف كيف يقتنص الفرص·· ويقدر الوقت المناسب للخروج من صومعته· والذهاب حيث يتوقع أن تهب الأعاصير وتتقلب الأمور، تماما كما كان يفعل رجال التاريخ السابقين· فعلى سبيل المثال، كانت زيارته تلك إلى شرق آسيا تعكس أولا حاسة الصحافي السادسة لأن تلك المنطقة النائية من العالم بدأت تهب عليها رياح التغيير السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي بين حدود الصين وفيتنام واليابان والهند وباكستان· وثانيا لأن هيكل يمتلك حسا ذهنيا استشرافيا متقدا حلل من خلاله قبل أكثر من أربعة وثلاثين سنة مضت أن تلك المنطقة ستكون مستقبل العالم! حتى محللي واستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية معها كانوا ينظرون بشيء من الدونية إلى دول شرق آسيا على أساس أنها دول نائية تابعة لن تلعب دورا مهما في مجريات الأمور وفي مسار التاريخ، وأن قيادة العالم أصبحت في أيديهم· وها نحن اليوم نرى انقلاب الأمور والدول والأحوال· فبينما استيقظ التنين الصيني وخلفه حضارة آلاف السنين من قبل الميلاد وبدأ في إخافة الاقتصاد العالمي وبينما وقف الشعب الهندي الذي كان يستجدي مساعدات الدول الغنية على قدميه ليصبح محط أنظار العالم من الناحية التكنولوجية والصناعية، نجد دولة بعظمة الولايات المتحدة الأمريكية تتخبط ليل نهار في مستنقعات الحروب البعيدة بين أفغانستان والعراق وإيران ولبنان بحثا عن برميل نفط هنا وقطرة نفط هناك ضاربة بالمبادئ الإنسانية عرض الحائط·

وكان هيكل أيضا دبلوماسيا ممتازا· وهذا أمر طبيعي· فهو لم يعد بعد هذا التاريخ الطويل من مهنة السلطة الخامسة يمثل رأيه الشخصي· فأي حرف يتفوه به هيكل يحسب على سياسة بلده وكأنه تصريح رسمي لرئيس دولة! وأذكر أن وزارة الخارجية بدولة الإمارات في نهاية السبعينات قد نظمت ندوة خاصة دعت فيها محمد حسنين هيكل لإلقاء محاضرة على دبلوماسييها ومجموعة بسيطة من المختصين وكنت من بين المدعوين لأنني وقتها كنت نائبا لمدير إذاعة أبوظبي· وبعد نهاية المحاضرة، فتح هيكل باب الحوار والمناقشة· وحيث إنني كنت من أشد المعجبين بفكر هذا الرجل العتيق الذي يمثل حقبة لن تعود، فضلت طرح سؤال واحد قبل أن لا أره بعد ذلك· وكان سؤالي موجها إليه كالتالي: (أستاذ محمد حسنين هيكل، نحن اليوم نطالب إسرائيل وهي ترفض بنصف ما كانت تعرضه علينا قبل عشر سنوات ونحن نرفض، فهل تعتقد بأن علينا أن نقبل اليوم بما تعرضه علينا إسرائيل كي لا نطالب غدا حتى بربعه ولا نحصل عليه؟) وفجأة التفت إلي هذا العملاق بطريقة مخيفة، وهو ينظر إلى هذا الشاب الذي هو في العشرين من عمره يطرح سؤالا أكبر منه بعشرين عاما، ويصعب عليه الرد· فهيكل كان يدرك في قرارة نفسه تلك الحقيقة المرة التي لا مفر عنها، وأننا سوف نضطر عاجلا أم آجلا إلى تقديم التنازلات تلو التنازلات حتى لا يتبقى لنا شيء نتنازل عنه لإسرائيل، طالما نحن نعيش متفرقين أيدي سبأ· ثم ابتسم بطريقة غامضة فيها من المكر والدهاء الكثير (وكأنه يقول في قرارة نفسه إنني أشاركك الرأي أيها الشاب المتحمس، ولكن هل تنظر إلى من هم حولي؟)، ورد علي بعد شرود قصير: (لأ·· أنا لا أعتقد ذلك! إن قبولنا بالتنازل ده يعني··············) وسرحت عما كان يقوله· لأن نظرته تلك كانت تقول غير ما كان يرد به على سؤالي·

ونفس السؤال يطرح نفسه اليوم··· وربما ما أنا أطالب به اليوم لن تحصل ابنتي التي مزقت كتاب محمد حسنين هيكل عن غير قصد، حتى على جزء يسير منه غدا··· ما دمنا ندور في دوامة العنف والقتل والدم والتفرقة والمذهبية والمذابح العشوائية التي نمارسها ضد أنفسنا وما دامت مصلحتنا الخاصة تغلب على مصلحة الأمة بكاملها، وأن كرسي العرش يفوق قيمة الإنسان···

كانت تلك مرارة محمد حسنين هيكل وهو يعيد لنا قراءة التاريخ بأسلوب الأطفال السذج··· علّنا نعتبر أو لا نعتبر···

*جامعة الإمارات

 dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

وطنية زعماء المعارضة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الإنسان، موقف!!:
سعاد المعجل
"رجل شجاع":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
إلا الدستور
... وحتى الدستور!:
فهد راشد المطيري
مشاكل:
على محمود خاجه
الكتابة.. فن ومهارة:
علي سويدان
الأسطورة والنفط :
د. محمد عبدالله المطوع
ماذا يريدون من السعدون؟!:
المحامي نايف بدر العتيبي
مرور العاصمة.. والألفية الثالثة:
باقر عبدالرضا جراغ
من لأطفال فلسطين؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
العم حمدان الرجل الصعيدي والتنمية الاقتصادية:
سعاد بكاي
مهندس كويتي قتله طموحه:
المهندس محمد فهد الظفيري
نورية الصبيح والتيارات الدينية:
بدر الفرج
السلام العالمي:
د. عبدالعزيز يوسف الأحمد
(إلا دستور بلادنا.. والكويت في مصر):
محمد جوهر حيات
حقيقة آخر أبريل..
بنانا التحتية "خرطي"... والغرقة قدرنا!:
خالد عيد العنزي*
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس:
د. فاطمة البريكي
مقالب في الأجواء:
فاطمة ماجد السري*
حتى تكون لحياتنا قيمة:
ياسر سعيد حارب
هيكل ولكن بضخامة جبل:
الدكتور محمد سلمان العبودي