رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 سبتمبر 2006
العدد 1743

الموت بالجملة والمفرق
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

لا تحدث إلا في الشرق الأوسط أو بعض الدول النامية، أن يموت هذا العدد الهائل من البشر دوسا تحت الأقدام·

أكثر من 55 يمنيا لاقوا حتفهم في أقل من دقيقة في أثناء محاولتهم الخروج من الملعب الذي ضم عشرات الآلاف من اليمنيين الذي جاؤوا ليستمعوا إلى خطاب الرئيس علي عبدالله صالح عشية الانتخابات التي تجري في العشرين من هذا الشهر·

لقد أصبح الموت في الوطن العربي يشبه موت الأغنام· ففي كل كيلومتر من الأرض العربية يموت الآلاف من دون سبب ومن دون مقابل ومن دون تعويض وأحيانا من دون أكفان بل بدون مقابر، فمنذ منتصف القرن الماضي صار الموت حدثا يوميا في فلسطين· وكانت المجازر لا تتوقف· وأعداد القتلى والشهداء لا تحصى، والعالم يتفرج بكل برود وهو يتبجح بالديمقراطية وبالحرية وبحق إسرائيل في اتخاذ ما تراه مناسبا في مصير الإنسان الفلسطيني، ومازال مسلسل الدم والقتل في أشكاله المختلفة يضرب إلى هذه اللحظة تلك الرقعة من الشرق الأوسط رغم صغر حجمها، ثم جاء دور الموت من خلال غزو الكويت، وإذا بالآلة العسكرية الأمريكية تنتهز الفرصة الذهبية لتبيد جيش النظام العراقي عن بكرة أبيه ولم يتم رحمة حتى الجنود العزل من السلاح الذين رفعوا راية الاستسلام البيضاء غير أن الرشاشات الأمريكية قامت بتصفيتهم من علو مئات الأمتار بالصوت والصورة وكلنا شاهدنا بأم أعيننا تلك المناظر المخزية والتي يحرمها القانون الدولي ولم نتفوه بحرف واحد·

قبل عدة سنوات كنا نقرأ يوميا عن آلاف القتلى الذين كانوا يقتلون بطرق بشعة تشمئز منها النفوس ذبحا وتقطيعا وبقرا ضحية العنف الذي ضرب الجزائر باسم الدين والحرية· ومن ثم سمعنا وشاهدنا وقرأنا عن أعداد القتلى الذين تتناثر جثثهم في أفغانستان سواء كضحية القنابل التي كانت تلقيها طائرات البي52  الأمريكية وكأنها قناني الكوكا كولا على المدن التي يعتقد أنها معاقل طالبان ليتبين فيما بعد أنها كانت حفلات أعراس عادية، أو في السجون التي نصبت في القلاع التاريخية· وبينما لم ينته الأفغان بعد من إحصاء عدد قتلاهم حتى لاقى مئات الآلاف من العراقيين بالمصير نفسه بالطائرات المحملة نفسها بالقنابل نفسها ضحية مخططات وضع اليد على أهم مخزون نفطي في العالم (أي أن هناك بشرا في مكان ما يأكلون اليوم لقمة عيشهم من لحوم بشر آخرين ويشربون أنخابهم من دمائهم)·· وظل الموت ومازال حتى هذه اللحظة يحصد ما يحصد في كل يوم ولو بأشكال مختلفة المئات من البشر في كل أنحاء العراق شمالا ووسطا وجنوبا دون أن يهتم أحد بالأمر، فلم يعد يثير انتباه أحد ولا حتى العراقيين أنفسهم أن يقلب شارع بأكمله وبمن فيه من مارة أو يتفجر مسجد أو يفجر ضريح بمن فيه من مصلين، لأن الموت بالجملة أصبح إدمانا يوميا· وهناك نظرية تؤكد أن هناك إدمانا على الدم يشبه إدمان المخدرات، وأن في أعماق كل واحد منا يختبىء دراكولا مدمن على مص الدماء، إلى درجة أن البعض وصل به الإدمان إلى درجة أنه يشعر بالإحباط والكآبة و"النرفزة" (وهي نفس أعراض إدمان المخدرات نفسها) إن لم يجد خبرا دمويا كل صباح يوضع مع إفطاره· وعندما تململ العالم من أخبار العراق كان عليه أن يكتشف بقعة دم أخرى طازجة وأكثر شهية· فكان لبنان وبالخصوص جنوبه· فكانت القنابل تلقى كعلب البيبسي كولا على البشر الذين في حقيقة الأمر يشبهون كل بشر العالم من جميع الجوانب الجسدية والنفسية ومن فصائل الدم نفسها ما عدا اختلافهم في حملهم جوازات سفر مكتوبا عليها (الجمهورية اللبنانية) لا غير! ولم يمت هؤلاء فرادى· فكان الموت كعادته في الشرق الأوسط دائما جماعيا· ففي كل مجزرة يحصى المئات دفعة واحدة· ومن سخريات الموت أن تفتخر قانا بأنها قدمت مجزرتين في أقل من ربع قرن! وبنفس يد القاتل· وبنفس الألة· وبنفس المنطق ونفس التبرير السابق· ونفس  الضحايا من الأطفال والنساء العزل· ونفس صورة الأب وهو يحمل جثة طفلته وهي ممزقة الجسد· فقد أصبح الموت ينسخ تماما كما تنسخ الوثائق الورقية·

وانتهت حرب لبنان ولكن الموت لم يتوقف، ففي كل يوم من أيام السلم الحالية الموقتة تنفجر قنبلة رفضت أن تنفجر أيام الحرب· ليس حبا في البشر· ولكن لأجل أن لا يتوقف الموت بعد الحرب· والحرب الأهلية في لبنان قبل ثلاثين عاما لم تكن أقل دموية ولا دمارا·

وبين لبنان والعراق وأفغانستان والجزائر كان الموت يحصد البشر بالمئات في منتجعات مصر السياحية وفي فنادق الأردن وفي غرق العبارات وتصادم القطارات وسقوط الباصات الممتلئة بالبشر في الأنهار، وكلها عمليات قتل وموت بسبب سوء تصرف الكائن البشري على الأرض· نحن لا نحصي الكوارث الطبيعية· ولو أنها قد تكون بسبب سوء استخدام البشر للموارد الطبيعية، فالكثير من علماء الطبيعة يرجحون أن يكون الزلزال الذي ضرب شرق آسيا ونتج عنه "التسونامي" الشهير سببه التفجيرات الناجمة عن التجارب النووية التحت أرضية وبعضهم يرده إلى الاستخدام المفرط للقنابل الذكية التي استخدمت في أفغانستان والعراق والذي أدى إلى تصدع طبقات الأرض الجوفية···

على أية حال، نحن في الشرق الأوسط نموت بالجملة، ونموت أحيانا بحسن نية· فالذين زهقت أرواحهم بعد خطاب علي عبد الله صالح ذهبوا لإقناع الرئيس اليمني بترشيح نفسه من جديد رغم أنه قرر بعد28  عاما من الحكم المتواصل عدم الرغبة في أن يصبح رئيسا بعد نهاية ولايته· وقد قدم الرئيس فيما بعد تعازيه لأسر الضحايا الذين اعتبرهم "شهداء الديمقراطية والوفاء"··· بالجملة· واستمرت مهرجانات الترشيح حتى دون إعلان الحداد دقيقة واحدة على روح الخمس والخمسين قتيلا···

وهناك أمثلة كثيرة وعديدة للموت بالجملة في الشرق الأوسط·· إلى درجة أن الموت أصبح أمرا عاديا جدا كشرب الشاي واجترار القات· تماما كالمقابر الجماعية التي تكتشف يوميا في أنحاء متفرقة من العراق سواء العائدة لزمن "النظام" السابق أو "الفوضى" القائمة·  ولا يبقى من هؤلاء القتلى شيء يذكر سوى هويات أصحابها الذين قتلوا بالجملة في الدجيل أو شمال العراق أو البصرة·

البشر يموتون في الشرق الأوسط تماما كالجنود المجهولين ولكن دون نصب تذكاري· بينما قتلى هجمات الحادي عشر من ديسمبر والذين بلغ عددهم حوالي 3000 أمريكي وغير أمريكي (وهو عدد لا يقارن بمئات الآلاف أو الملايين الذين قتلوا مجتمعين في الحرب على الإرهاب الذي تسبب في تلك الأحداث) فقد أصبحت تقام لهم الاحتفالات السنوية ويقف العالم بأجمعه ساعات من الحداد على أرواحهم، وتنشغل وسائل الإعلام ليل نهار وعلى مدى شهر قبل ذكرى الحادثة وشهر بعدها بالبرامج المخصصة فقط لتلك الحادثة الأليمة التي أصابت الشعب الأمريكي في صميم حضارته وتمدنه ومركز اقتصاده· إن قتلانا بسبب أو بغير سبب يدفنون تحت جنح الظلام، بينما قتلى الدول المتحضرة يتم الانتقام لهم بحرق شعوب ودول بل وإن احتاج الأمر إلى تدمير قارات بأكملها·

هذا هو الفرق بين قتلى دول العالم الثالث وقتلى الدول العظمى·

فنحن لا نعرف قيمة الموت··· تماما كما لا نعرف قيمة الحياة·

فتعازينا الحارة للـ 55 يمنيا الذي (قتلوا) وهم يهتفون بـ (حياة) الرئيس!

جامعة الإمارات

dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

ألا يحق لنا أن نتساءل؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
ثلاث رشفات:
عبدالخالق ملا جمعة
قراءة في محاضرة بابا الفاتيكان:
فهد راشد المطيري
يا حلاوة الرأي الآخر..؟!:
محمد بو شهري
أزمة الكهرباء والماء:
المهندس محمد فهد الظفيري
حركة تصحيحية متأخرة:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
لماذا...؟:
على محمود خاجه
العراق على مفترق طرق:
د. محمد حسين اليوسفي
عجبًا من المعجب بنفسه:
د. فاطمة البريكي
الإعلام وصناعة الكذب القاتل:
د. حصة لوتاه
المتجرئون على الإفتاء:
ياسر سعيد حارب
الموت بالجملة والمفرق:
الدكتور محمد سلمان العبودي
"إهي يت" على المادة 128:
يوسف الكندري
حزب الله والنظرة للذات:
فيصل عبدالله عبدالنبي