رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 يناير 2007
العدد 1757

بيني وبين ذلك الفرنسي...
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

قبل أشهر فقط وفي إحدى الجلسات التي ضمت عدة جنسيات مختلفة، كان من بين الحضور رجل أعمال فرنسي أبدى دهشته وإعجابه من أن يقابل أحد المواطنين ممن يجيد اللغة الفرنسية، وهي المجاملة الوحيدة التي سمعتها منه طوال أكثر من ساعة من الحوار معه، وهو أسلوب فرنسي بحت (أشبه ما يكون بالطعم في الصنارة) لاصطياد انتباه الآخر أولا، ولكسب مودته ثانيا، ومنحه الأمان النفسي للحديث بحرية ثالثا! ثم تفرع الحديث بعد ذلك ليبدي إعجابه بسرعة التطور العمراني والحضاري في الإمارات متسائلا عن سبب اختفاء الوجه المواطن من شوارع المدن! وكعادة الفضول عند الفرنسيين أصبح في البداية سائلا أكثر منه مجيبا· وحيث إنه كان ينوي الاستقرار في دولة الإمارات، فقد كان يحاول الحصول على الإجابة عن كل شيء، بدءا من حالنا قبل الاستعمار إلى حالنا في مواجهة أزمتنا مع الغرب إلى أفضل المناطق للسكن وأفضل المطاعم المتخصصة في الوجبات المحلية· وكعادة الفرنسيين أيضا، فهو لا يعطي رأيه إلا في نهاية الأمر بعد أن يكون قد استجمع جميع المعلومات التي يريد التحدث فيها·

وعلى عادة الفرنسيين أيضا، فإنه يحلل الأمور من ناحية علمية ورياضية وهندسية وليس عاطفية وغير موضوعية كما هي الحال بالنسبة إلى كثير من العرب والمسلمين· وكانت أغرب علامات التعجب التي طرحها كانت: (هل يعقل أن يكون لديكم هذا العدد الهائل من المسلمين وأنتم اليوم في الدرجة المتدنية من حيث القوة والنفوذ في العالم؟! - وكيف نفسر أنكم تأتون بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوروبا والصين والهند واليابان و (إسرائيل) وكوريا وغيرها من الدول الصغيرة في الصناعة والبحث العلمي والتطور التكنولوجي وغيرها من الأمور الهامة لآلة الحياة اليومية وأنتم تملكون هذه المساحات الجغرافية المتنوعة والشاسعة؟) وكان استفهامه المتعجب أكثر عندما تطرق بشكل حاد جدا وبعيدا عن أي شكل من أشكال المجاملة عندما تساءل: (وكيف ولماذا وماذا أوصلكم إلى أن تصبحوا (أراجوزا) في يد بعض الجهات الخارجية التي تقوم بتحريك سياسات بلدانكم وتفرض عليكم أوامرها التي تخدم مصالحها وليس مصالحكم؟) - وكنت أستمع إليه وأنا أكاد لا أصدق أن يتحدث معي أحد الأوروبيين بهذا الكم من الصراحة - ثم أردف قائلا: (أنا لا أفهم كيف يتقاتل العراقيون ولماذا وعلى ماذا وبأي منطق؟ هل يعقل أن يتقاتل العراقيون من أجل رجل تسلط عليهم بالنار والحديد؟ وسواء أكان صالحا أم طالحا وسواء منتخبا أم فرض نفسه بالقوة على شعبه، فقد سقط عرشه وانتهى أمره تماما، وعلى العراقيين أن يتعاملوا مع الواقع الجديد وأن يبحثوا عن حاكم آخر أفضل من سابقه لأن تاريخ الأمم لا يتوقف على رجل واحد كصدام حسين ولويس الرابع عشر وموسوليني؟)

لقد أخبرني محدثي أن ما جعله يتحدث بهذه الصراحة والقهر هو أنه تابع على شاشات التلفزيون وعلى مدى أيام نقلا مباشرا لطواف الكعبة والوقوف على عرفه· وأنه صدم بهذا المنظر المهيب لأكثر من مليونين ونصف المليون من الرجال والنساء في زي موحد وفي موقع محدد وزمن واحد· وصوت واحد ويتلون كتابا مقدسا بلغة واحدة رغم اختلاف جنسياتهم ولغاتهم بينما الأوروبيون كل يقرأ كتابه المقدس بلغته وأبجديته المختلفة تماما!! وأنه لم يعرف الإجابة عن سبب تردي حال المسلمين في شتى أنحاء العالم وهم يملكون هذا العدد الهائل من الأيدي المنتجة! وأضفت إلى معلوماته أن عدد المسلمين ليس ما رآه على شاشة التلفزيون، فهؤلاء لا يمثلون إلا أقل بكثير من نسبة  %2.0 من عدد المسلمين الذين تجاوزوا المليار بكثير في جميع اتجاهات الكرة الأرضية··· ويبدو أنه يسمع بهذا الرقم لأول مرة· وكان يظن بأن عدد المسلمين في العالم لا يتجاوز المائة أو المائتي مليون على أبعد تقدير·· لذا وضح لي بأن إعلامنا فقير جدا في التعريف بشعوب المسلمين رغم الميزانيات الضخمة التي توظف في هذا المجال، حيث شاهد في أحدى المكتبات أثناء بحثه عن أي صحيفة فرنسية يقرؤها، اكتشف عشرات المجلات العربية المعروضة جنبا إلى جنب الفخمة طباعة وإخراجا والتي تدل على رفاهية إعلامية مبالغ فيها، وأنه بدافع الفضول تصفح إحداها فلم يجد سوى صفحات مليئة لعارضات الأزياء أو صور لفنانين عالميين أو وصفات لبعض الأطباق الغربية أو للإعلان عن ساعات سويسرية وعطور فرنسية دون أي إعلان عن صناعة عربية، وأنه حتى المجلات التي تنشر في بلدنا باللغة الإنجليزية أو غيرها لا تتناول مجتمعنا لا من قريب ولا من بعيد وكأنها تنشر في بلد أوروبي ومخصصة فقط للجالية الأوروبية بكل معنى الكلمة··· وأنه أثناء تنقله بين قنوات المحطات الفضائية اكتشف كما هائلا من القنوات الفضائية التي تبث الأغاني الهابطة على حد تعبيره ولتبادل المسجات التي لا يعرف محتواها، ولهذا السبب وغيره يجهل الكثيرون من الأجانب ممن يعيشون في الدول العربية والإسلامية أبسط الأمور عن العرب والمسلمين، وأضاف محدثي بنبرة فيها الكثير من الأسف: (لو أن العالم اكتفى فقط بمشاهدة منظر الوقوف بعرفه أو الطواف حول الكعبة لكان كفيلا بتغيير الكثير من المفاهيم السائدة عن العرب والمسلمين في العالم· إننا، نحن الأوروبيين، نجهل كل شيء عنكم ماعدا أنكم تملكون النفط ومتخصصون في الحروب المستمرة فيما بينكم من جهة ومن جهة أخرى فيما بينكم و بين الدولة العبرية (لم يسمها (إسرائيل) خوفا من ردة فعلي!!) تلك الدولة الصغيرة التي تستخدم كل أنواع وسائل الإعلام لكي تبدو بمظهر الحمل وأنتم بمظهر الجزار···) وأوضحت له - وهو بالتأكيد قد حلل الأمر قبل أن أشرحه له - بأن شعائر الحج تحمل معاني لا حد لها ولا حصر: المساواة بين البشر بجميع أجناسهم، عاقبة الإنسان، الوقوف أمام الخالق وكأن الإنسان سائر إليه آجلا أم عاجلا في لباس الكفن، المؤتمر السنوي لملايين المسلمين في موقف واحد منذ أكثر من 1427 عاما···· إلخ·· فرد علي : ( لو أنكم بهذه المبادئ الرائعة وبهذا العدد فقط اتحدتم مرة واحدة لأخفتم العالم وهزمتموه وتفوقتم عليه، فكيف بمليار ونيف؟ إن منظر القيامة مخيف، وأنكم بهذا المنظر المهيب (spectaculaire) كما قال - تفرضون هيبتكم على العالم الذي يستخف بكم حتى في كاريكاتوراته، ويستهزئ برسلكم ومبادئكم وتاريخكم وأنتم لا تقدرون على شيء! نحن، الفرنسيين، لا يتجاوز عددنا اليوم الستين مليون فقط، ولكننا بنينا دولة قادرة على فرض احترامها على شعوب العالم ولتصبح فرنسا بإرادة شعبها ووحدته وتجاوز مصالحه وأنانيته ثالث أو رابع قوة في العالم···) وأخبرته بأن العرب والمسلمين كانوا ومازالوا ضحية الفرنسيين والأوروبيين والأمريكيين وسياساتهم العنصرية والمادية والتسلطية·· فرد علي باستغراب أشد بأن علينا عدم الانتظار أن يحررنا أحد من العبودية التي طلبناها بأنفسنا، وأننا نحن سبب ذلك الإحساس بالظلم والغبن، وإننا - دون تعميم بالطبع - لا نعرف كيف نعيش حياة لائقة ولا كيف نموت ميتة مشرفة! هذا الرجل الفرنسي يبدو في نظري أكثر حزنا وأسفا على حالنا من الكثيرين من العرب والمسلمين اليوم···

وبالفعل، فإن نظرة على هذه الجموع التي احتشدت قبل يومين على جبل عرفات وفي طوافها الذي يشبه المحيط المتلاطم حول الكعبة المشرفة تشرح كل شيء، فنحن قوة كامنة ولكنها غير فاعلة، وأن واحدة من رموز شعائر الحج تذكير المسلمين بقوتهم وهم مجتمعون في شكل مهيب··· ولكننا واقعا وإعلاما وسياسة واقتصادا منشغلون بحروبنا الداخلية المدمرة، وأنه ربما يكون من بين هؤلاء الحجاج اليوم من سيعود بعد أيام لحمل السلاح في وجه أخيه الذي كان يطوف جنباً إلى جنب معه حول الكعبة الشريفة ضاربا بعرض الحائط كل القيم الإسلامية الرائعة التي مارسها أثناء الحج وعلى رأسها لم شمل المسلمين··· فكيف نجبر العالم على احترام شعورنا ومشاعرنا وفي العراق يذبح العراقي المسلم أخيه المسلم أمام ضحكات جورج بوش وطوني بلير، وفي فلسطين يتناحر الفلسطينيون من فتح وحماس أمام قهقهات أولمرت وبيرتس، وفي لبنان توشك القضية أن تتحول إلى حرب أهلية ثانية أمام غمزات جاك شيراك وميركل؟

غدا ندخل عاما ميلاديا جديدا، تحت رقم 2007، ترى ماذا أنجزنا على مدى365  وربع يوم مضت على مستوى العالمين الإسلامي والعربي؟

وبعد عشرين يوما فقط ندخل عاما هجريا جديدا·· تحت رقم 1428، ترى ما خطط إنجازاتنا للعام 1429 القادم؟

حتى الآن: المجهول

 *جامعة الإمارات

dralaboodi@gmail.com  

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

إعدام طاغية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
صدام حسين.. الضحية:
سعاد المعجل
كأنني لم أعرفه من قبل:
د. فاطمة البريكي
لم يحترموه:
على محمود خاجه
نقابات "مرتزقة":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الإعدام: استعجال أم ضربة معلم؟!:
عبدالخالق ملا جمعة
الرقم السابع يطرق الأبواب:
د. محمد عبدالله المطوع
ذكريات أحمد البشر الرومي(1):
د. محمد حسين اليوسفي
هل هناك دول عربية آيلة للسقوط؟:
عبدالله محمد سعيد الملا
وماذا عن الهولوكوست الإسرائيلي؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
بيني وبين ذلك الفرنسي...:
الدكتور محمد سلمان العبودي
كى لا ننسى... "سي سمعة".. تنقيح الدستور وتربيط العصاعص والجولات!:
خالد عيد العنزي*
إسرائيل هي السبب:
يوسف الكندري
نساء البحرين وواقع التحديات الكبرى(3):
بدر عبدالمـلـك*