رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 24 يناير 2007
العدد 1759

الإعلام والضمير المباع بالدولارات
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

هناك أمور لا بد من وضع النقاط على الحروف فيها لأنها ظلت مبهمة عن قصد·

 وهي مسائل لا يجوز أن يمنح الفرد الواحد حرية أن يقرر بشأنها مستقبل أمة بأكملها··· بأطفالها ونسائها ورجالها وطلبتها وعمالها والأميين فيها أيضا···

إنها للمرة الألف آلةالإعلام العربي· هذه الآلة الحادة في حاجة إلى اجتماع طارئ دون تأجيل يضم وزراء العدل والشؤون الإسلامية ووزراء التربية والتعليم والثقافة والإعلام وغيرهم لدراسة هذا الأمر الخطير واتخاذ الإجراء المناسب بأسرع وقت ممكن···

إن العالمين العربي والعالم الإسلامي أفرادا وأرضا يواجهان اليوم هجوما لم نشهد له مثيل في تاريخ الأمة حتى اليوم· وهذه الأمة العريقة القديمة بلغتها ومبادئها وأخلاقها وفكرها وثقافتها يبدو أنها في هذه الأيام في موقف لا يحسدها عليه أحد: فهي أمام خيارين لا ثالث بينهما: أن تكون أو تفنى عن بكرة أبيها لتصبح أمة ماضية ميتة·

وللأسف أن يلعب الإعلام دورا خطيرا في هذا التردي المخزي· فقد ظل لعقود طويلة تلت استقلال العديد من الدول الإسلامية والعربية مجرد بوق فارغ وممل ليس له إلا تمجيد فئة من الناس تعتبر نفسها الوصية على شعوبها· حتى استطاع الإعلام أن يحفر بشتى قنواته ووسائله في أذهاننا صورة وردية بأن الأمور تسير على ما يرام، وأن الأمن مستتب، وأنه ليس في الإمكان خير مما كان، وأن أعداءنا يفرون كالفئران من أمام قواتنا في كل مكان، وأن المواطن العربي المسلم وغير المسلم الذي يعيش على أرضنا يجب أن يشكر ربه لأنه حظي بمثل هؤلاء الأوصياء الأتقياء العادلين الذي يخافون الله والذين لا تنام لهم عين من أجل السهر على راحته·

وبعد فترة زمنية لم تطل كثيرا وأمام تطور البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية واكتشاف التواصل الحر على المواقع الالكترونية التي لا تكلف شيئا انكشفت أمور كانت مستترة··· واتضح زيف الإعلام الذي كاد أن يؤله هذا الحاكم وذلك الأمير إلا فيما ندر وحتى هذا الذي ندر لم يحالفه في ذلك الوقت الحظ في النجاح إلا فيما بين بعض المجموعات المثقفة التي كانت معدودة على الأصابع والتي حوربت بدورها بكل أنواع الأسلحة النفسية الترهيبية· وبمرور الوقت بدأت تتزعزع صورة الوصي الذي اختارته السماء· إلا أن المهم في الأمر هو أنه لم يكن للإعلام العربي والإسلامي حتى تلك اللحظة أي دور يذكر في إحداث ذلك التغيير· وإنما كان أمرا حتميا لا مفر منه· و إذا بنا نكتشف شيئا فشيئا بأن إعلامنا ذلك، كان مؤسسا بنية مكشوفة لدعم نظام معين من الحكم مقيد بيد أفراد محددين يضمنون تنفيذ تلك المخططات الخارجية عن طيب خاطر· والكل بات يعلم بأن كثيرا من تلك الرموز كانت مدعومة من جهات خارجية لا لهدف إلا لتحقيق مصالحها على أراضينا· وفهم الشارع الإسلامي والعربي اللعبة، فهمها دون أن يبحث عنها، فقد انكشفت لديه نتيجة لتطور البشر الثقافي والعلمي والمعرفي والإعلامي العالمي· مع ذلك ظل الشارع العربي والإسلامي مكتوف اليدين وغير قادر على التحرك، وكأنه تم تخديره بتلك الهتافات الفارغة التي استمرت لأكثر من نصف قرن تطرق عقله ونفسيته وأصبح من الصعب مسحها بسهولة من كليهما· فلم يكن أبدا من السهل اقتلاع تلك الصور الوردية التي حفرت في عقولنا حفرا منذ خروجنا إلى الدنيا: فهي أمامنا في الصفوف الابتدائية وحتى على مقاعد الدراسة الجامعية، في الشوارع، في المحلات التجارية، في الإذاعة والتلفزيون، في الصحف، في المجلات، في الكتب المنشورة، في حديث الناس···

ثم جاءت للمنطقة أفكار استعمارية جديدة· فأمام الخوف من ظاهرة التحولات الثقافية السريعة وانتشار الأفكار الإسلامية بين الجيل الجديد وخاصة بين فئة الشباب منه وتزايد تبلور الأحزاب الإسلامية ومحاولة فئة من تلك المجموعات الوصول إلى الحكم بالطرق الديمقراطية واستخدام فئات أخرى المجابهة المسلحة لإسقاط بعض الأنظمة التي تعتبرها فاسدة ومخالفة لأحكام القرآن والسنة، وأمام خوف طغيان تلك الحركات وإفشال العديد من مخططات الاستراتيجية للاستعمار الجديد، كان لا بد من التدخل السريع· وبالتحديد بعد أن استطاعت تلك الفئات الوصول إلى ضرب عمق الولايات المتحدة الأمريكية نفسها· فكان من الواضح أن الإعلام القديم المهيمن لم يعد صالحا للظروف الجديدة· وأن المد الإسلامي بين الشباب بدأ يتضاعف في كل دقيقة، ولم تفلح أي وسيلة لإقناعه للعودة إلى ما كان عليه آباؤه من قبل من الاستسلام والقبول بالأمر الواقع· ولم يكن من حل سوى منع من لم يصله بعد المد الإسلامي من أن تصله الومضة الأولى، و إلا سيكون الوقت متأخرا· ولم يكن أسهل من ذلك· فإذا بالقنوات الفضائية الناطقة باللغة العربية بالذات تنتشر كالنار في الهشيم· ومعظمها كان موجها لفئة الشباب المهدد بانتقال الأفكار الثائرة إليه في أية لحظة· وبدلا من التركيز على النواحي الثقافية والتعليمية والحضارية التي ترفع من قيمة الإنسان أيا كان مذهبه ودينه، ازدحمت الشاشة الفضية بالقنوات الفضائية المتخصصة في الهدم الأخلاقي والثقافي والديني والحضاري· فهناك القنوات التي تشجع على الإكثار من المطربين أيا كانت أصواتهم النشاز في عالمنا الذي يواجه مصيرا أسود، وهناك القنوات التي تشجع المنافسة على الاهتمام بالثقافة الغربية الهابطة في الملبس والمأكل والنوم والعلاقة بين الرجل والمرأة، بينما أمتنا تمتحن هذه الأيام أصعب امتحان، وهناك القنوات التي تخصصت في إباحة جميع المحرمات على أساس أنها سنة التطور واللحاق بركب الحضارة الغربية في وقت تعمل فيه الآلة الغربية نفسها بوجه مكشوف وبأسلحة رخيصة على إسالة دماء الملايين من المسلمين والعرب في العراق وفلسطين ولبنان، وهناك قنوات متخصصة في إثارة الفتنة بين طوائف المسلمين، ونجحت إلى حد ما في تحقيق مخططات من يدعمها، وهناك فضائيات تشجع على العنف في وقت نحن فيه في أمس الحاجة إلى السلم وحقن الدماء، وهناك قنوات فضائية موجهة مباشرة للأطفال الصغار الذين لا يرون أمامهم سوى المطاردة السخيفة بين هر وفأر منذ أكثر من أربعين عاما ومات أصحابها، بين الملايين من الأطفال العرب والمسلمين لا يعرفون القراءة والكتابة،  وهناك فضائيات متخصصة في تبادل الرسائل الهابطة المملة والتي تدل على أن أصحابها مغفلون إلى أبعد حد، وأنهم ضحية لابتزاز مادي وأخلاقي صريح لا يردعه رادع، بينما نحن في أمس الحاجة للفلس الأبيض لإضاءة مستقبلنا المعتم، وهناك قنوات للأسف تبث برامجها من دول غربية موجهة بقصد إثارة غرائز الجنس الكامنة مقابل بعض الدولارات تدفع بالبطاقة الائتمانية، وهي فضائيات تملكها عصابات معروفة منظمة، بينما أمتنا مطالبة بنقل تكنولوجيا الغرب وحضارته العلمية وترجمة كتبه، وهناك فضائيات إسلامية عربية مائة بالمئة تعيد بث برامج أمريكية الصنع بعد ترجمتها للعربية بالبنط العريض لتعلمنا كيف يختار الرجل شريكة حياته وأم أطفاله من بين 37 متسابقة، يفعل معهن على مدى شهور كل ما تحلو وتطيب له نفسه، وهن يسلمن أنفسهن له الواحدة تلو الأخرى بكل حماس، ودون أن يتدخل مقص الأخلاق والكرامة والشهامة العربية في حذف تلك المشاهد الخارجة على القانون، بينما الحرب الشرسة تمارس ليل نهار وبكل فخر ضد المسلمات اللاتي اخترن الوقار ضد نزوات النفس، بل شنت عليهن الحرب لأنهن يشجعن على العفاف واتهمن بمحاولة نشر الفضيلة!! وهناك برامج أخرى تعلم النشء المنافسة على الطبخ بينما نحن في حاجة إلى أطباء وعلماء وصناع ومهندسين وفنيين تمنح أمتنا ولو فتاتا من حضارة العالم الذي سبقنا بمئات السنين الضوئية··· وما ينطبق على الفضائيات ينطبق على كافة وسائل الإعلام الأخرى من مجلات وصحف وإذاعة··· فهل حلت جميع قضايا الأمة العربية والإسلامية حتى نسمح على سبيل المثال لمجلات متخصصة فقط في تتبع الأخبار الفاضحة لبعض الفنانين والفنانات بالتفصيل الممل وبالصور الميكروسكوبية لنشر غسيلهم الوسخ أمام أعيننا المكون من أخبارهم العائلية وعلاقاتهم الخاصة وخلافاتهم الزوجية وخياناتهم وطلاقهم ليكونوا مثلا يحتذي به رجالنا ونساؤنا؟! لكن ما يطرح علامات الاستفهام أن معظم تلك الوسائل الإعلامية يملكها فرد واحد ثري: أي أن مصير أمتنا أصبح يتحكم فيها ذلك الفرد الواحد· وبذلك انتقلت الوصاية من الحاكم الواحد إلى صاحب القناة الفضائية الواحد····

إن هذا الأمر خطير للغاية، وبدت نتائجه واضحة جدا على طريقة حياة كثير من الشباب والشابات سواء في طريقة تحدثهم أو لبسهم أو اهتماماتهم الرخيصة أو حتى في طريقة مشيهم على الأرض··· ويبدو أنه لم يكن بدا من استخدام هذه الوسائل جميعها وغيرها لإعاقة حركة تقدم المد الإسلامي والأخلاقي في العالم···· وخاصة بين الشباب والشابات···

لذا على كل فرد بدءا من الحاكم إلى الوزير إلى الموظف وإلى العامل البسيط والذي يؤمن بأنه ينتمي لهذه الأمة العريقة سواء كان عربيا أو مسلما أن يحكم ضميره ويتأكد بأن التاريخ سوف يحاسبه كما حاسب غيره ولو بعد حين، على تسخير الأمانة التي كلف بها في غير موضعها···· وأنه بالتالي ساهم في تدمير حضارته وتاريخه····

* جامعة الإمارات

dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

وتتجدد ذكرى عاشوراء:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
العراق بين مجلسين!!:
سعاد المعجل
بلا رؤوس حتى!:
حمد حسين
العمى والبصيرة:
د. لطيفة النجار
حتى اليمن يا الأزرق...!!!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
النجاح على قدر الصراخ!:
فهد راشد المطيري
الإعلام والضمير المباع بالدولارات:
الدكتور محمد سلمان العبودي
استراحة المحاربين:
د. محمد عبدالله المطوع
طبائع الاستبداد ومساوئ العباد!:
بدر عبدالمـلـك*
العقل الإسلامي:
يوسف الكندري
إسرائيل تعترف بهزيمتها:
عبدالله عيسى الموسوي
"من غشنا فليس منّا":
د. فاطمة البريكي
قراءة كويتية على هامش إعدام صدام:
خالد عيد العنزي*