رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 18 ا كتوبر 2006
العدد 1747

المحاكمة...الظالمة
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

لماذا تم حصر محاكمة صدام حسين إلى الآن على قضيتي الدجيل والأنفال فقط؟ ولماذا ظلت هذه المحاكمة منذ أن بدىء في بثها (بعد المرور على مقص الرقيب) تلف وتدور بطريقة عشوائية وغير منظمة وغير دقيقة وغير مقنعة أحيانا حول مدى مسؤوليته عما حصل فيهما؟ ولماذا تحولت قاعة المحكمة إلى شبه خشبة مسرح لمسرحية هزلية إلى درجة أن معظم من يترقب متابعتها كان بدافع التسلية وليس لمعرفة الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية؟ ولماذا كل هذا التدقيق والتفصيل الدقيق الممل في جريمة واضحة ولا تحتاج إلى كل هذه التفاصيل التي جاءت في صالح القاتل وضد مصلحة القتيل؟ ألم يكن من العدل أن يتم النطق بالحكم في مصير هذا الرجل منذ فترة طويلة: إما بالبراءة وأما بالقصاص؟ وهل الإبقاء على صدام حسين يشبه الإبقاء على وجود بن لادن لأهداف استراتيجية؟

لقد تم الإعداد لهذه المحاكمة إعلاميا بحيث أصبحنا نتوقع أكثر من مجرد مشادات ومشاكسات بين الأطراف الأربعة: القاضي والمتهم والمدعي العام والمحامي اختلط فيها الحابل بالنابل: فأصبح القاضي هو المتهم والمتهم هو من يعطي دروس القانون· فأضرت هذه المحكمة العجيبة بسمعة أول محكمة من نوعها تنصب في تاريخ الأمة العربية يكون فيها المتهم زعيما عربيا· وليس بأي زعيم ولا حاكم عربي· فهذا الرجل الغامض مليء بالأخبار والأسرار والمصالح المتشابكة والمؤامرات الدولية وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى عقود عدة لكشفها بالتفصيل الدقيق· ونخشى جل ما نخشاه أن تتوقف محاكمته عند هاتين القضيتين ويتم إغلاق ملفاتها لتصبح في طي النسيان ويهرب الجناة الحقيقيون والمستفيدون الأولون من وجوده في السلطة وبعد السلطة!

فهل ستكون في النهاية محاكمة عادلة بمعاني الشعار نفسه الذي اتخذته المحكمة المستوحى من القرآن الكريم؟

بشكل عام، فإن المحاكمة العادلة تقتضي أولا التعجيل في إصدار الحكم· وهي من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف· فالمماطلة والتأخير في إصدار الحكم تعطي المتهم إذا كان مذنبا في كل يوم حقا إضافيا للحياة هو لا يستحقه· أما إذا كان المتهم بريئا فهذا يعني أن البريء قد سلب حقه في الحياة دون ذنب· فالتأخير في إصدار الحكم مجحف بحق الطرفين· ما عدا في حالة الرئيس المخلوع صدام حسين· فكلما طالت المحاكمة كلما كان من الممكن أن ينكشف المزيد من الأسرار التي كانت خافية· وكلما تورط في قضيته آخرون· لذا يستعجل البعض محاكمته والنطق بالحكم في حقه والإسراع في التخلص منه، قبل أن ينكشف ما لا تحمد عقباه·

ثانيا: المحاكمة العادلة تقتضي أن يتم بحث الجريمة من جميع الجوانب· فالجرائم التي يجب أن توضع على لائحة اتهام صدام حسين يجب أن تشمل كل مسيرته منذ توليه السلطة إلى يوم إلقاء القبض عليه·

ثالثا: المحاكمة العادلة يجب ألا تحمل المتهم أوزار غيره أيضا· فلا يعقل أن يكون صدام حسين قد تفرغ طوال وقت حكمه لإصدار أوامره بالقتل والاغتيالات· فلربما اتخذت كثير من القرارات باسم المتهم لتصفية حساب فلان من فلان على حساب فلان· وربما لاحظ الكثيرون على وجه صدام حسين على شاشة التلفاز ما كان يشير إلى أنه كان متفاجئا من التهم الموجهة إليه! فإما أنه قد تفنن في تمثيل دور البريء، أو أنها الحقيقة المرة·

رابعا: وهي النقطة الأهم في كل محاكمات صدام: كشف حساب مفصل ودقيق·

الكثيرون يطمحون إلى ألا تنحصر المحاكمة في صدام حسين ومعاونيه فقط·

الكل يريد أن يعرف بشكل دقيق:

1 - من أغرى بصدام حسين ودفعه إلى مهاجمة جارته إيران؟

2 - من غرر بصدام حسين ومنحه الضوء الأخضر لغزو الكويت؟

3 - من دعم صدام حسين بالمواد الكيماوية التي استخدمها في حربه على الشمال؟

4 - ما هي الجهات التي قايضها صدام حسين مقابل مواقفها معه؟

5 - ما هي الشركات التي تعاونت مع صدام حسين في مده بأسلحة الدمار الشامل وبالمواد الكيماوية ومن يملكها؟

6 - من هم المسؤولون الكبار الذين ينتمون لبعض الدول المتحضرة والديمقراطية والحرة الذين باعوا واشتروا وتعاملوا مع صدام في مجال الأسلحة وغيرها؟

7 - لماذا لم تتم الإطاحة بصدام حسين بعد وصول قوى التحالف إلى أبواب بغداد مباشرة بعد دحره من الكويت؟

8 - هل يمكن وضع لائحة بأسماء كل من (قبض) الملايين من الدولارات سواء في الغرب أو الشرق من يد صدام حسين؟

9 - أين ذهبت تلك السجلات الخاصة بالقبض والرشاوى و"الكوميشينات" وغيرها؟

المحاكمة العادلة تقتضي كشف جميع الأوراق المتعلقة بنظام صدام من الألف إلى الياء دون محاباة لأحد ولا خوف من أحد إلا الله· وليس فقط محاكمة رجل قد يبدو الآن وكأنه كبش فداء، والذي جرائمه مهما عظمت لا تساوي شيئا مقارنة بجرائم الآخرين في العراق نفسه·

المحاكمة العادلة تقتضي أن يؤتى بهؤلاء وتتم محاكمتهم بالعدالة نفسها·

والمحاكمة العادلة هي أن ينظر ليس فقط في جرائم العراق، بل في جرائم العالم بأسره· فلا توجد جريمة لشعب ولا لغيره·

والمحاكمة العادلة لا تقتصر على زمن القضية· فالحق ليس له زمن محدد ورد الحق ليس له وقت يفصل أو لا يفصل فيه، ويظل لورثة القتيل الحق بالمطالبة بديته في أي زمان ومكان (كما فعل اليهود واستجاب العالم رغما عنه لكل مطالبهم)، والحق ليس له مكان دون آخر، فالحق يجب أن يطبق في كل مكان وفي كل زمان·

وبالتالي، فإنه من حق الشعوب الحرة أو المحتلة وأبنائها وأحفادها وأحفاد أحفادها أن تطالب بفتح ملفاتها وملفات ماضيها وملفات المستعمرين والمحتلين والذين شنوا الحروب اعتمادا على تهم كاذبة والذين خلفت حروبهم الملايين من القتلى والذين اقترفوا المجازر بعد المجازر في حق الأبرياء وما زالوا إلى يومنا هذا باسم تحرير الشعوب والديمقراطية·

من حق كل هؤلاء - وليس فقط أهالي ضحايا صدام حسين - أن يفتحوا ملفات الحرب العالمية الأولى والثانية، وملفات المستعمرات الأوروبية في كل مكان وإحصاء عدد ضحايا سياسة الاستعمار في كل مكان من العالم، وملفات أهداف حرب فيتنام وملفات ضحايا هذه الحرب، وملفات احتلال فلسطين، ومجازر دير ياسين وقانا وغيرها، وملف محمد الدرة، وقانا الثانية، وملف البوسنة، وملف جنوب لبنان قبل أشهر فقط، وملف أفغانستان وملف القاعدة وملف11  سبتمبر ومعرفة من وراء هذا الهجوم وما دور بعض الجهات التي تحوم حولها الشبهات، وملف الخسائر التي لحقت بالعراق بشريا واقتصاديا وثقافيا من جراء الحرب التي شنت عليه بتهم اتضح فيما بعد أنها كانت مفبركة وتعويضها عن كل خسائرها المادية والمعنوية، وفتح ملف النفط العراقي بكل تفاصيله، وغيرها وغيرها من بين عشرات الآلاف من الملفات السرية التي يتم التستر عليها إضافة إلى الملفات التي تم إعدامها· يجب ألا نقف عند محاكمة صدام حسين ونصمت، أو نطالب تركيا بالاعتراف بإبادة شعب الأرمن ونسكت: فقد وافق البرلمان الفرنسي أخيرا على مطالبة تركيا الاعتراف بإبادة مئات الآلاف من الشعب الأرمني· جيد! لكن هذه العدالة تتطلب أن تعترف فرنسا هي أيضا بالمليون شهيد في الجزائر فقط (أي عشرة أضعاف ضحايا تركيا)·

هذه هي المحاكمة العادلة· ولكن أن نرمي فقط صدام حسين بالحجر بينما أيدينا ملطخة بدم الأبرياء في كل بقعة من بقاع العالم، فهذا هو قمة الظلم وقمة التدهور الإنساني إلى ما دون درجة الإنسانية···

قبل أسبوع من اليوم خرج علينا دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي (ويداه ويد جورج بوش الأب والابن ولله الحمد نظيفتان تماما من دم الأطفال العراقيين الأبرياء) خرج علينا رامسفيلد "بمعارضته لإطالة أمد الملاحقات القضائية ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين بقضايا جديدة تستند إلى اتهامات جديدة"· بالطبع! فرامسفيلد كانت تربطه بصدام حسين وقبل انتهاء صلاحية هذا الأخير عندما كانت هناك مصالح مشتركة علاقات ممتازة تشهد عليها الصور الفوتوغرافية الملتقطة لهما وفيلم (11/9) ولذا نستطيع أن نتوصل بالضبط إلى ما يرمي إليه دونالد رامسفيلد من تعجيل الحكم على صدام، قبل أن ينكشف المستور، خاصة وأن الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه رامسفيلد يعيش حالة من الفوضى والتردي في الأيام الأخيرة···· خاصة على المستوى الأخلاقي····

فقط المحاكمة العادلة···· لا أكثر····

dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

الأفكار الجديدة والتقاليد الموروثة:
فهد راشد المطيري
لماذا الانبهار بالنظم الغربية؟:
محمد بو شهري
بين الفعل.. وردة الفعل:
د. فاطمة البريكي
عكّاش..!!:
على محمود خاجه
رجال الأعمال.. وأعمال الرجال:
عبد العزيز خليل المطوع
..وتهاوت أسطورة جيش النخبة:
عبدالله عيسى الموسوي
أكاذيب ووقائع:
موسى أبو عيد
فرعية جمعية المحامين:
المحامي نايف بدر العتيبي
معبر مخيطر بلا مسيطر:
المهندس محمد فهد الظفيري
إعلام ساقط:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
زيارة عمار الحكيم والعلاقة الكويتية العراقية:
حامد الحمود
إذا كان الشعب لا يبالي:
فيصل عبدالله عبدالنبي
المحاكمة...الظالمة:
الدكتور محمد سلمان العبودي
أجنحة ملكية.. في غير مكانها!!:
سعاد المعجل
الأغلبية المعارضة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال