رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 فبراير 2007
العدد 1763

تسمم صحافي!!
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

أدهشني جدا أحد الإخوة باهتمامه غير العادي وولعه بأخبار العالم بشكل رئيسي والأخبار المحلية بشكل عام· وكان اهتمامه هذا يتعدى الحدود الطبيعية لأي اهتمام فقد كان يفطر صباحا على مجموعة متنوعة من الصحف العربية والأجنبية، ويشرب قهوته بيد ويقرأ صحيفته المفضلة بيد أخرى· وكان يتابع لحظة بلحظة أخبار  العالم سواء منها الإذاعية أو الفضائية، العربية أو الأجنبية· وكان يدهشني أحيانا بالاتصال بي لإبلاغي عن حادث ما حصل قبل أن يذاع في نشرات الأخبار العالمية كان يخبرني بأنه يصرف على شراء الصحف أكثر مما يصرفه على احتياجات أبنائه، إضافة إلى اشتراكه في عدة خدمات SMS المتخصصة في إرسال الأخبار لحظة بلحظة·

غير أن المثير في الأمر أنه علاوة على تخصيص نسبة كبيرة من وقته لقراءة الصحف ومتابعة الأخبار السياسية، فإنه كان بعد ذلك يثور ويفرح ويحزن ويتأثر ويغضب ويكيل الشتائم ويسخط ويشجب ويؤيد كل ما قد يمر تحت عينيه؛ باختصار شديد، كان يتعايش نفسيا وعقليا وواقعيا مع كل صغيرة وكبيرة تحدث في العالم· فلم ألتق به قط إلا وكان يعيش حالة من حالاته تلك· فيوم هو في قمة الغضب من الصراع الفلسطيني الفلسطيني، وفي يوم آخر هو في قمة القلق والاضطراب أمام متابعته لحظة بلحظة أخبار الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل· وبعده تكاد دموعه تنهمر أمام مقتل العشرات من الأطفال في الساحات العامة في بغداد أو بغرق عبارة في بنغلاديش· وهكذا ونادرا ما يبادرني أثناء اتصاله بي بكلمة صباح الخير أو مساء الخير: وإنما يستهل حديثه مباشرة بـ: "هل تعلم أن····"· ورغم أنه ما زال في منتصف الثلاثينات من عمره، إلا أن أحداث العالم قد أضافت إلى عمره عشرة سنوات أخرى، وبدأ يعاني في بداية الأمر من عسر في الهضم: والسبب أحداث أفغانستان· ثم بدأ يشتكي من قرحة في المعدة:والسبب النزيف المستمر نتيجة اقتتال الأشقاء في فلسطين ثم في العراق، بعدها كاد أن يقضى عليه بسبب ارتفاع ضغطه بعد متابعته لخطاب بوش مباشرة على قناة السي إن إن (وأخبرته حينها أن بوش نفسه لا يؤمن ولا يهتم إلى هذا الحد بما يتفوه به هو نفسه!) وبعد فترة وجيزة اكتشف أخونا بالصدفة زيادة نسبة السكر في دمه وأرجع السبب فيه إلى انتقال الصراع من مرحلة صراع لبناني - إسرائيلي إلى صراع لبناني - لبناني أي لمشروع حرب أهلية قادم لا محالة وبدأ وجهه يتحول إلى اللون المائل للصفرة ونصحته بمراجعة أحد الاختصاصين فقد يكون الأمر متعلق هذه المرة باضطرابات في وظائف الكبد أو المرارة، وفعلا بعدما أجريت له التحليلات وجد أن هناك بداية تشكل لحصوة في المرارة لديه· ورمى بالسبب على مرض النوم المزمن الذي أصاب الأمة العربية، وعلقت وقتها عليه بأن ذلك المرض سببه الرئيسي ذبابة التسي تسي التي ربما انتقلت إلى حدود الوطن العربي مع حقائب الاستعمار الأوروبي الذي قام بزيارتنا بعد خروج الدولة العثمانية، وأن علاجه محير جدا، وبعد فترة وجيزة أصيب صاحبنا بالأرق· فقد اكتشفت أنه يسهر الليل في متابعة تطورات الانتخابات في أمريكا الجنوبية على المواقع الالكترونية· وعندما أخبرته بأنها دول بعيدة جدا عن جغرافيتنا وهمومنا، رد بطريقة (ثائرة) بأن هذه الدول سوف تغير مجريات الأحداث في  العالم العربي!! كيف؟! لأنها تقف لدعم القضايا الإسلامية - العربية أكثر من الإسلاميين والعرب الذين يتقاتلون ليل نهار في العراق، وأنهم شعوب رغم فقرها إلا أنها بدأت تتفق فيما بينها ضد هيمنة ومخططات الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بدافع الكرامة، بينما نحن على أهبة الاستعداد لبيع قيمنا مقابل بعض الدولارات! وحاولت من تهدئته بأن عالمنا ما زال بخير، إلا أنه رد بكلمات (غاضبة) بأن عالمنا لم يكن ولن يكون بخير، فقط تم تجميد أحاسيسه، وذهب عني دون أن يتمنى لي مساء طيبا· وبعد يومين اتصل بي ليخبرني بمعاناته من الصداع النصفي، وطلب مني وصفة علاج طبيعي لتخفيفه؟ وحيث إنني من أكثر البشر إيمانا بالطب الشعبي، أو بالأحرى بالطب الذاتي، فقد حللت له الأمر بأن سبب الصداع النصفي معظمه يعود للحالة النفسية، أو لإرهاق أعصاب العين أو السمع أو لانسداد في بعض شرايين الدماغ، ونصحته بأن يريح دماغه لمدة أسبوع كامل من مطارق السياسة وأن يريح عينيه من السهر، إلا أنه بحكم العادة، عاود إدمانه اليومي، ما زاد في علته، وعندما التقيته بعد ذلك كان يكاد يجن جنونه! وبادرته قبل أن ينطق بكلمة واحدة، أنه لم يسمع لنصيحتي، غير أنه رد علي بعصبية شديدة، لا، ليس هذا سبب جنونه وإنما التدخل الأمريكي في الصومال! وقال بأن الصومال في حاجة إلى مساعدات غذائية أكثر من شن الحروب على هذا الشعب الجائع، فحاولت تطمينه بأن السياسة لعبة، ويجب أن لا نصرع أنفسنا لأجلها، وأن للكعبة رب يحميها! فدع الخلق للخالق!

إنني كنت أتفهم جيدا مشكلة هذا الصديق القديم، وأعرف أنه ربما يمثل حالة تسعين بالمائة من الشعب الذي مازالت لديه غيرة قومية على وطنيته وتاريخه وغيرة روحية على إسلامه ومبادئه· وربما كلنا نشعر بما يشعر به هذا الصديق أمام شريط الأحداث اليومية التي تعصف بنا من الشرق والغرب، من الشمال والجنوب، غير أن الانفعالات لا تحل المشكلة، وأذكر أنه كان في يوم من الأيام مستعدا للذهاب إلى فلسطين أثناء الانتفاضة، وبعد ذلك لجنين أثناء الاجتياح الإسرائيلي المدمر أمام صمت العرب، بل كان مستعدا للذهاب إلى لبنان للانضمام إلى المقاومة هناك أثناء الحرب الأخيرة! وطمأنته بأنه من الصعب الانضمام إلى مقاومين مثل مقاومي حزب الله بهذه السهولة لأنهم ليسوا منفعلين مثله، وأنهم يتصرفون بحذر شديد وتكتيك عال وأنهم لن يسمحوا له بالانضمام إليهم خوفا من أن يكون يعمل لحساب المخابرات الأجنبية، أو يدمر خططهم بسبب انفعالاته الزائدة!! كما أن بنيته الجسمانية لا تشجع كثيرا على حمل السلاح الثقيل·

وبعد النصح والنصيحة قبل بما اقترحته عليه: أن يأخذ إجازة أسبوع من العمل والجلوس في البيت، فوافق بعد أن اخترت له مجموعة رائعة من القصص الأدبية للتسلي بها بدلا من الصحف المضرة صحيا· وحاولت استبعاد القصص ذات الطابع القومي والسياسي كقصص عبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم والماغوط، وفضلت أن يقرأ كتبا لم يسمع عنها قط رغم شهرتها: حدائق النور لأمين معلوف، الذين هبطوا من السماء لأنيس منصور، شيفرة دافنشي لدان براون إضافة إلى ديوان نزار قباني الذي نصحته أن يقرأ منه قصيدتين قبل النوم (وقد اخترت كل واحدة من هذه الكتب عن قصد) واشترطت عليه عدم فتح التلفاز أو الإذاعة أو يشتري صحيفة أو يرد على مكالمة أو يتصل بأحد أو يفتح الحاسوب أيا كانت الظروف خلال هذه الفترة وليتصور بأنه مسافر إلى القطب الشمالي، ولا أعرف كيف هدى الله هذا الأخ "المتمشكل" كما كنت أطلق عليه، وسمع هذه المرة بنصيحتي الألف بعد المائة، وتجنبت الاتصال به وفي نهاية الموعد المحدد اتصل بي حسب الاتفاق وطلبت منه زيارتي في الحال وإذا به تحول إلى شخص آخر ولقد تغيرت حتى ملامحه ونغمة حديثه واهتمامه بهندامه الذي كان يهمله في السابق وكانت رائحة العطر الشرقي تفوح منه بعد أن كان يكره تلك القناني باعتبار أنها لا تتناسب ومآتم الأمة الإسلامية والعربية فأخبرني بأنه قرأ جميع الكتب التي أعطيتها إياه، وأنه دخل عالما جديدا في القراءة، بل الأدهى من ذلك أنه اكتشف بأن له أسرة وله طفل وطفلة وزوجة وأنه شاركهم في كل شيء حتى في مساعدة زوجته في المطبخ، واستغنى عن الخادمة ليحضر فنجان القهوة وكأس الماء بنفسه، وأنه أخذ عائلته لأول مرة للنزهة في أحدى الحدائق العامة، وأنه ذهب - تنفيذا لنصيحتي -  للاشتراك في أحدى نوادي (الجم) وأنه استمتع كثيرا بذلك المجهود، بحيث كان يخرج من صالة الألعاب الرياضية وهو في مزاج لم يشعر به من قبل كما أن معظم معاناته الصحية بدأت أعراضها تخف شيئا فشيئا ومما أخبرني به أيضا، بأنه اكتشف لأول مرة بأن للقهوة التي طالما شربها طعما ممتازا أو حلوا أو مرا بينما كان يشربها في السابق وهو منهمك في قراءة الصحف اليومية دون أن يدرك طعمها أو لونها أو رائحتها·

لقد كان هذا الصديق العزيز يعاني من تسمم من الأخبار اليومية مثل كل واحد منا تماما ولكن بنسب متفاوتة وننسى بأن لنا حياة وبيئة وذاكرة وحياة محدودة ولذا أصبح منذ فترة يبدأ كلامه معي بطرفة أو نكتة أو خبر سعيد·

وحيث إنه كان بحكم الصداقة يواظب بشكل أسبوعي على قراءة ما أنشره يوم الأحد في جريدة البيان ومن ثم يناقشني في كل سطر، فقد طلب مني عدم التطرق هذه المرة إلى أي موضوع متعلق بالسياسة مهما كلف الثمن كي لا يعاوده الصداع النصفي·

لذا كان هو وأنا وأنتم بعيدون عن السياسة هذه المرة.

جامعة الإمارات

 dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

حكاية شاعر عاشق لمصر(2-2):
سليمان صالح الفهد
لماذا يمجدون الطاغية؟ :
د.عبدالمحسن يوسف جمال
نحن جميعا ألكساندرا!!:
سعاد المعجل
مهلا سيد بلير!!:
د. محمد عبدالله المطوع
شكرا كرة القدم:
ياسر سعيد حارب
سفارات وسفراء:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تسمم صحافي!!:
الدكتور محمد سلمان العبودي
"التفكير الخالق للمعرفة":
عادل رضـا
هوية في مهب الريح:
د. لطيفة النجار
أين وزارة التربية من مدارس التعليم الخاص؟:
محمد بو شهري
مقبرة للحاضر وأخرى للتاريخ:
مريم سالم
هلا فبراير.. دعوة فرح حزينة:
على محمود خاجه
السلطة الذكورية في حضرة الموت:
د. فاطمة البريكي
النفوذ اليهودي في ألمانيا:
عبدالله عيسى الموسوي
دواوين الظل ولوبيات الناخبين.. ونواب بوطقة!:
خالد عيد العنزي*
لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه:
د. نسرين مراد