رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 18 أبريل 2007
العدد 1770

حتى تكون لحياتنا قيمة
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

عندما كنت في المدرسة كان لي صديق يحب العمل المدرسي أكثر من حبه للمدرسة، وكان دائم الغياب عن الحصص المدرسية بحجة التزامه بالأنشطة اللاصفية· وأذكر أنه في إحدى السنوات قال له مدرس الكيمياء بأنه لن ينجح هذه السنة - بالرغم من أنه كان من الطلبة المتميزين - بسبب غيابه المتكرر عن الحصص حتى جاوز الحد المسموح به، ومن شدة غضب الأساتذة منه توعدوه بعدم النجاح في تلك السنة إلا في حال تركه لجميع الأنشطة المدرسية والتزامه بالحصص التي كانت في رأيه مملة جداً وأنه لن يستفيد منها عندما يكبر·

وعندما ظهرت نتائج امتحانات نهاية العام تفاجأ الجميع بأن صديقي هذا حصل على نسبة عالية في مادة الكيمياء، إلا أنه لم يكن من العشرة الأوائل لأول مرة في حياته· ومضت الأيام على ذلك الصديق الذي زاد تعلّقه بالأنشطة المدرسية ثم الجامعية حتى امتدت أنشطته التطوعية إلى خارج نطاق الدراسة وأصبح يقوم بأعمال مختلفة في المجتمع حتى بعد تخرجه من الجامعة وانخراطه في إحدى المؤسسات الحكومية في الدولة·

صديقي هذا هو أحد ملايين المتطوعين حول العالم، الذين يحملون قضية إنسانية معينة تشكل في جوهرها الهدف الذي من أجله يعيشون، والتي من غير الاهتمام بها لا يشعرون بقيمتهم في المجتمع· وعلى الرغم من أن عالمنا العربي يعج بالكثير من المتطوعين إلا أن فكر التطوع ما زال منحصراً في مساعدة الفقراء والعجزة أو المساعدة في تنظيم فعاليات اجتماعية أو رياضية لفترة وجيزة دون أن تحتوي هذه الأعمال على جوهر ما ودون أن يحمل المتطوعون قضية يضحون من أجلها بأوقاتهم وأموالهم·

إلا أن الأمر في كندا يختلف نوعاً ما عن بلداننا العربية، ففي كندا تنتشر مراكز التطوع التي تأسست في مدينة مونتريال عام 1937 استجابة لتذبذب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في معظم دول العالم - حتى تلك التي وقفت على الحياد - والتي كان سببها إقبال العالم على حرب طاحنة هي الحرب العالمية الثانية، فكان لابد لأفراد المجتمع من العمل جنباً إلى جنب ولكن بصورة منظمة لضمان مرور مجتمعهم عبر أية أزمة بأقل خسائر ممكنة· وخلال الستينات والسبعينات انتشرت هذه المراكز في معظم البقاع المأهولة في كندا لنشر ثقافة التطوع وجعلها جزءاً لا يتجزأ من قيم المجتمع الكندي وموروثاته·

وفي خلال الثلاثين سنة الماضية تطورت مراكز التطوع في كندا لتصبح من أهم مراكز تنمية المجتمع حيث تقدم برامج تدريبية وأبحاث في مجال التطوع، وبرامج في التدقيق المحاسبي وكيفية جمع التبرعات وكيفية وضع أنظمة داخلية للمؤسسات غير الربحية، وكيف تصمم برامج التطوع وكيف توضع أنظمة لقياس أثر هذه البرامج وكيف يتم تنمية المتطوعين من خلال تدريجهم في الأعمال التطوعية التي يقومون بها· كما تقدم هذه المراكز استشارات للشركات التي ترغب في تنظيم فعاليات ما ولا تعرف كيف ومن أين تأتي بالمتطوعين وكيف تستفيد منهم وتفيدهم في نفس الوقت، إلى جانب ذلك تصدر هذه المراكز نشرات ودوريات علمية بشكل متواصل لتعزز فكر التطوع في المجتمع وتؤصل أهميته لدى الأجيال القادمة حتى من خلال التعاون مع الجهات الحكومية في وضع مناهج مدرسية أو تصميم أنشطة للأسر لتقوم بها في أوقات الفراغ·

ونتيجة لمبادرات هذه المراكز وتشجيع الحكومة لها حيث اعتمدت عليها كإحدى الجهات الرئيسية المسؤولة عن تطبيق سياسات التنمية الاجتماعية أصبح في كندا اليوم أكثر من 12 مليون متطوع يعملون في أكثر من 160 ألف منظمة غير ربحية، وامتد التطوع ليتجاوز المساعدات الاجتماعية حتى اتخذه الكنديون منهجا في الحياة، ففي إحدى الدراسات التي قامت بها الحكومة الكندية تبين أن الناس اليوم تنخرط في برامج التطوع لعدة أسباب منها الحصول على مهارات وخبرات جديدة، أو لتكوين صداقات جديدة والتعرف على أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، أو ليشعروا بأنهم جزء مهم من المجتمع، أو للهروب من مشاكلهم الحياتية··· كما كشفت الدراسة عن أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً يتطوعون لأنهم يعتقدون بأن الأعمال التطوعية ستساعدهم على اكتساب مهارات تؤهلهم للحصول على وظائف أسرع من نظرائهم، وأظهرت أن الفتيات والشباب الذين يقضون ساعة واحدة أسبوعياً في عمل تطوعي ما يحصلون على وظائف أسرع بنسبة %82 من الذين لا يقومون بهذه الأعمال·

أما بالنسبة للقطاع الخاص في كندا فإن نسبة %71 من شركاته تدعم المتطوعين والأعمال التطوعية بصور مباشرة وغير مباشرة عن طريق السماح لموظفيها بالقيام بأعمال تطوعية خلال أوقات الدوام، أو عن طريق تقديم دعم مادي أو استضافة فعاليات معينة في مرافقها دون مقابل، بل إن بعض الشركات ذهبت إلى إلزام موظفيها بالقيام بأعمال تطوعية ووضعت ذلك في وثيقة الموارد البشرية وأدرجتها تحت بند مؤشرات الأداء الخاصة بتقييم أداء الموظف·

في كندا تبلغ مجموع الساعات التطوعية لجميع المتطوعين 1.05 مليار ساعة في السنة أي ما يعادل أكثر من نصف مليون وظيفة تساهم في تنمية الدولة دون مقابل··· وفي كندا إذا لم تكن لك نشاطات تطوعية فأنت حر في ذلك إلا أنك ممن يعيشون من أجل أنفسهم فقط، وعليك أن تعلم بأنك شخص غير محبوب بين أفراد المجتمع وبأن المجتمع ينظر إليك على أنك عالة عليه·

يوم الجمعة القادم (20 مارس 2007) سيصادف يوم التطوع العالمي للشباب، أو كما يسمى يوم "الخدمة" العالمي للشباب، وفي هذا اليوم من كل عام يقوم الشباب المتطوعون في كل دولة بالمشاركة في هذا الحدث الكبير بالقيام بعمل تطوعي معين يتم الإعلان عنه في الموقع الإلكتروني الخاص بالحدث، ويدعى إليه جميع الراغبين، فعلى سبيل المثال سيقوم الشباب في "زامبيا" بتنظيف منازل الأسر الفقيرة وقص الأشجار المحيطة بهم وزراعة نباتات وأزهار مفيدة بدلاً منها، ويمكن لجميع الراغبين في زامبيا المشاركة في هذا العمل دون الحاجة للتجمع في مكان ما··· وكما تعودنا دائما فإن غياب الدول العربية عن هذه المبادرة واضح جداً حيث لم أجد غير مجموعة في مصر وأخرى في المغرب تطوعتا لإطلاق بعض الأنشطة الهادفة إلى توعية الشباب والأطفال بمرض الإيدز وبحقوقهم الاجتماعية للحد من ظاهرة عمل الأطفال وللحد من بعض المظاهر السلبية للشباب في مجتمعاتهم·

يوم الجمعة سيخرج صديقي الذي أخبرتكم عنه - والذي يشغل منصباً حكومياً مرموقا - إلى الشارع ليبحث عن أي عمل تطوعي يقوم به كأن يزور دار رعاية المسنين ويقضي بضع ساعات في حديث معهم أو يذهب إلى الشاطئ الشرقي للدولة ليساعد في تنظيفه من المخلفات وبقايا الطعام التي خلّفها المهملون وعديمو الإحساس·

يخرج لوحده لأن الجميع ليس لديه وقت يضيعه، ولأن المجتمع أصبح أسرع بكثير من أن يتوقف أفراده للحظة وينظروا حولهم ليعلموا أن التطوع ليس بضعة دراهم يرميها الواحد منا في صندوق التبرعات حتى يتخلص من إزعاجها في الجيب، وأنه في الحقيقة وبكل بساطة أن نشعر بالآخرين ونشاطرهم معاناتهم وأن نقوم بأي عمل صغر ذلك أم كبر لتنمية المجتمع··· لأنه لا يستحق أن يولد من عاش لنفسه فقط·

* كاتب اماراتي

 yasser.harb@gmail.com

�����
   

وطنية زعماء المعارضة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الإنسان، موقف!!:
سعاد المعجل
"رجل شجاع":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
إلا الدستور
... وحتى الدستور!:
فهد راشد المطيري
مشاكل:
على محمود خاجه
الكتابة.. فن ومهارة:
علي سويدان
الأسطورة والنفط :
د. محمد عبدالله المطوع
ماذا يريدون من السعدون؟!:
المحامي نايف بدر العتيبي
مرور العاصمة.. والألفية الثالثة:
باقر عبدالرضا جراغ
من لأطفال فلسطين؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
العم حمدان الرجل الصعيدي والتنمية الاقتصادية:
سعاد بكاي
مهندس كويتي قتله طموحه:
المهندس محمد فهد الظفيري
نورية الصبيح والتيارات الدينية:
بدر الفرج
السلام العالمي:
د. عبدالعزيز يوسف الأحمد
(إلا دستور بلادنا.. والكويت في مصر):
محمد جوهر حيات
حقيقة آخر أبريل..
بنانا التحتية "خرطي"... والغرقة قدرنا!:
خالد عيد العنزي*
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس:
د. فاطمة البريكي
مقالب في الأجواء:
فاطمة ماجد السري*
حتى تكون لحياتنا قيمة:
ياسر سعيد حارب
هيكل ولكن بضخامة جبل:
الدكتور محمد سلمان العبودي