رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 مارس 2007
العدد 1765

الأدوار الجديدة.. من الداخل
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

ترى ما الذي جعل المواقف العربية التي كانت تنعى طويلا بعدة صفات منها: (النائمة) (السلبية) (المتقوقعة) (غير الفعالة) (الخائبة) تتغير لتأخذ شكل الصحوة الأولى؟

وبالفعل، بدأ العرب منذ فترة بسيطة جدا سواء بمبادرات شخصية أو رسمية بلعب دور يمكن نعته بأنه (إيجابي) و(جريء) على كل الأصعدة· وبعد أن كنا ولسنين طويلة مضت نسلم مقادير أمورنا كاملة ليس إلى الخالق عز وجل وإنما للدول الكبرى كوصية علينا، بدأنا فيما يبدو نخطو أولى خطوات تسلم زمام أمورنا· فهل نضجنا سياسيا؟

ظاهرة تستحق التوقف والانتظار والترقب··· وتستحق الدراسة·

وأولى تلك المبادرات، مبادرة المملكة العربية السعودية للتوسط بين فريق الحكومة اللبنانية وفريق المعارضة اللذين كانا على شفا حرب أهلية طاحنة· واستطاعت تلك الوساطة وفي أيام قليلة إيقاف الاصطدام القاتل بين الفريقين في أحرج اللحظات التي تمر بالشعب اللبناني بعد الحرب التي وضعت مقاومي حزب الله وجها لوجه مع القوات الإسرائيلية· ورغم أن التقدم يجري ببطء في مسار حل تلك الأزمة إلا أن الأهم من الحل هو القبول بالتوسط العربي ورفض الوساطة (الوصاية) الغربية التي كانت تأتينا في السابق تحت عدة مسميات أو أهداف· وكذلك الحال بالنسبة لدور المملكة العربية السعودية في إيقاف تطور النزاع الدموي الفلسطيني/ الفلسطيني؛ بين فتح وحماس· وبعد ساعات خرج الإخوة الأعداء من خيمة مضيفهما ليجلسا على طاولة واحدة للاتفاق على إيقاف هدر الدم الفلسطيني وبدء صفحة جديدة·

ثم جاء اللقاء السعودي/ الإيراني ليؤكد دبلوماسية أو سياسة أو نهج احتواء خلافات المنطقة من الداخل وليس من الخارج· ولعبت أمور كثيرة في فكرة إدخال إيران وإشراكها في حل مثل تلك المسائل· وهذه الخطوة كانت مهمة ومدروسة بشكل جيد· وعليه أصبح موقف المملكة العربية السعودية أكثر قوة وتأثيرا في لعب دور الوسيط الداخلي· وهذا التقارب وما نتج عنه لعب دورا غير مباشر في منح الزعماء العرب ثقة أكبر بالنفس وفي التحدث بصوت أعلى في وجه الدول الكبرى·

فبالأمس كنا نستمع إلى أسلوب جديد في مخاطبة الزعماء العرب لزعماء الغرب· ففي خطاب صريح وواضح وبنبرة تختلف في مضمونها عن نبرة الماضي الرسمية أعلن الملك عبد الله الثاني ملك الأردن في خطابه الذي ألقاه أمام أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الأمريكيين مواقفه من القضية الفلسطينية بشكل صارم لا جدال فيه· صحيح أن المطالبة هي نفسها: (حل القضية الفلسطينية)، إلا أن طريقة العرض اختلفت هذه المرة بما يكشف عن تغير في موازين القوى! فبعد أن كنا ننصت خاشعين لأصوات زعماء الغرب، أصبحنا نطالبهم بالإنصات إلينا· وهذا ما قاله العاهل الأردني بالحرف الواحد، مطالبا الولايات المتحدة بأن "تنصت" "لندائنا" و"محذرا" من أن أي تدهور جديد في الموقف سيكون خطيرا على مستقبل الاعتدال والتعايش في المنطقة· وقوبل خطابه بتصفيق حار من قبل أعضاء الكونغرس الذين وقفوا بتحية تأييد لكلماته تلك!

وقبل ذلك جاءت تصريحات البيت الأبيض بضرورة إشراك سورية وإيران في أي اجتماع يخص الوضع في العراق، بعد أن كانتا قبل ثلاث سنوات تمثلان جبهة الشيطان، وبعد أن كان إشراك أي طرف عربي في أي قضية تتعلق بقضايا الشعوب العربية ومصيرها لا يتعدى التمثيل الشكلي، وبعد أن كانت القرارات بحقنا تتخذ مسبقا في ردهات البيت الأبيض·

إن الاعتراف بـ (أهمية) دور سورية وإيران في حل قضية العراق يعني أن دورهما سيكون أساسيا في مبادرات حلول أخرى وفي نجاح تطبيق أي مبادرة حل·

إن الشعور بالقوة أمر مهم في منح الثقة بالنفس· وإحساس أحد الأطراف بثقة الطرف الخصم بنفسه تجعله بشكل لا إرادي يحسب لوجوده ألف حساب· وهذا ما كنا نفتقده حتى وقت قريب· لقد كنا نفتقد الثقة بأنفسنا· وكان ذلك نتيجة ظروف تاريخية معقدة فرضت علينا والكل يعرفها، إلى درجة أن (عقدة الأجنبي) تحولت لدينا إلى جزء لا يتجزأ من كياننا وتفكيرنا اليومي، إلى أن وصلنا إلى قناعة عدم الاعتراف حتى بقدراتنا على التفكير والتطور ورفض قيمنا وأخلاقنا وأخلاقياتنا وحتى الاستهانة بإحدى أهم دعائم هويتنا: اللغة العربية·

يبدو أن الأمور بدأت تتغير في اتجاه آخر· وأن حرب لبنان غيرت فيما يبدو مسارات عدة في المنطقة· وسواء اتفقنا أم لم نتفق على أسباب ونتائج تلك الحرب، وسواء كان حزب الله خرج منتصرا أم منهزما إلا أنه يبدو واضحا أن تلك الحرب ترتبت عليها نتائج أخرى مهمة على صعيد المنطقة بعد أن حجمت دور إسرائيل في فرض هيمنتها على دول الجوار وزعزعت حكومتها وحتى حكومة البيت الأبيض على بعد آلاف الكيلومترات· فلم نعد منذ ذلك التاريخ نسمع عن الشرق الأوسط الكبير، وخرجت السعودية بدور الوسيط، وإيران بدور رئيسي لأي حل في المنطقة، وغدا سنسمع عن دور سوري يأخذ شكلاً آخر تحاول المملكة الأردنية الهاشمية أن يكون لها فيه نصيب·

في كلمته التي ألقاها في مؤتمر (النظام الأمني في منطقة الخليج العربي) الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي الأسبوع الماضي، وأمام الجموع من السياسيين والمفكرين والعسكريين والمسؤولين والإعلاميين التي احتشدت في قاعة المؤتمر على مدى ثلاثة أيام متواصلة، دعا الأمير تركي الفيصل إلى تشكيل "هلال خصيب" يمتد من العراق حتى لبنان وتكون لسورية صدارة فيه وللأردن حصة ولفلسطين زاوية وذلك عوضا عن هلال شيعي أو التخوف منه وأن يكون "هلالا ينشغل بالبناء والرخاء والسعادة، وتستفيد منه دول الخليج كافة ليكون هلالا نتفق عليه لا هلالا نختلف عليه"·

أي أنه يتوجب علينا أن نقوم بترتيب بيتنا من الداخل دون الحاجة إلى اللجوء إلى طلب الاستشارة والعون من الخارج· وهذا التوجه الحديث في البيت العربي والإسلامي له كما قلنا أسبابه ودواعيه· فقد استيقظنا بعد نومة طويلة جدا على صوت مدافع الحروب الأهلية تدق أبوابنا بينما ضعفت الآلة العسكرية الغربية في فرض إرادتها على مقاومة الشعوب التي لا تملك حتى ربع عُشر الأسلحة الغربية· وأن جميع المبادرات الخارجية لحل قضايانا الداخلية لم تنجح في يوم من الأيام إن لم تكن زادتها سوءا· فهي مبادرات لم تقم في الأساس إلا على مصالحها الخاصة أولا وأخيرا لعبت فيها ازدواجية المعايير دورا فاضحا ومؤلما في الوقت نفسه·

إننا لسنا متفائلين إلى هذا الحد· ولكنها ربما بداية التفاؤل، خاصة عندما شرع مفكرو دول الغرب بالدعوة إلى حوار الشعوب بدلا من تصادم الحضارات وإلى انتقاد سياسات بلدانهم الاستعمارية بدلا من التصفيق لإنجازاتهم العسكرية على حساب البلدان الصغيرة· وحيث أثبتت القوة - ونحن نشير هنا إلى نتائج المقاومة المسلحة سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان - بأنها بكل أسف السبيل الوحيد لضمان الأمن في أي بقعة من العالم، فقد أصبح الاتجاه السائد في المنطقة هذه الأيام هو الاتجاه نحو التسلح بطريقة أو بأخرى· فإيران أصبح يحسب لها ألف حساب بعد أن دخلت منظومة الدول النووية رغم التهديدات التي تعرضت لها أو مازالت تتعرض لها، لأنها وجدت أن هيمنة إسرائيل جاءت من مصدر القوة نفسه· وبالأمس أقرت الحكومة الأردنية مشروع قانون يعيد العمل بخدمة العلم العسكرية الذي سيطبق على الذكور والإناث من مواليد 1989 فما بعد· وأيا كانت تصريحات المسؤولين الأردنيين حول العودة لتطبيق هذه الخدمة، إلا أن الدافع غير المرئي لذلك هو لا شك الحاجة الملحة في المنطقة إلى دعم موقف القوة·

هناك حراك سياسي غير معهود بدأ يأخذ أبعادا غير معهودة لنا سابقا· وكلها تصب في خانة واحدة، تفعيل الدور المحلي لحل القضايا الداخلية، ولذلك لا بد من أن تتلاقى المصالح والاتجاهات والمحاور· فهناك المحور السعودي/ الإيراني، وهناك المحور الجديد الفلسطيني/ الإيراني المعلن من خلال زيارة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس إلى طهران والتقائه بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي دعا ضيفه إلى توحيد صفوف الفلسطينيين في الداخل والاستمرار في مقاومة العدو الصهيوني· هذا إذا صح ما ادعته مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية بأن حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة قد حصلتا على كمية كبيرة من الصورايخ المتطورة من الحرس الثوري الإيراني يصل مداها إلى 19 كيلومترا يمكنها من إصابة مناطق يسكنها ربع مليون "إسرائيلي"·

كل ذلك يحدث هذه الأيام في غياب دور الولايات المتحدة الأمريكية التي يبدو أنها تتخبط يمنة وشمالا، وبداية انسحاب بريطانيا تدريجيا من جنوب العراق··· وصمت الدول العظمى الأخرى كفرنسا وألمانيا وروسيا أمام هذا الفراغ الذي بدأ يملأ نفسه بنفسه!

 

 *جامعة الإمارات

 dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

رهاب الاستجواب:
سليمان صالح الفهد
حكومات قصيرة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ثنائية العرب الخالدة:
سعاد المعجل
من شاب كويتي إلى صاحب السمو فقط:
على محمود خاجه
بلطجة أم تخريب؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
رسالة إلى إرهابي:
علي عبيد
الأدوار الجديدة.. من الداخل:
الدكتور محمد سلمان العبودي
أخطاء طبية قاتلة:
المحامي نايف بدر العتيبي
سمو رئيس الوزراء والحكومة المنتظرة:
المهندس محمد فهد الظفيري
وماذا عن الحقوق الفلسطينية؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
الى الأمير طلال بن عبدالعزيز مع التحية:
د. عمران محمد القراشي
نصيحة الأمير طلال... وديمقراطيتنا:
خالد عيد العنزي*
الدافعية للتعلم:
د· منى البحر