رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 26 شوال 1424هـ - 20 ديسمبر 2003
العدد 1607

أيكم أحسن عملا ···
الطالباني نموذجا
نزار حيدر
nazarhaidar@hotmail.com

لم أستغرب أو أفاجأ بما أنجزه الأستاذ جلال الطالباني خلال ترؤسه الشهر الماضي مجلس الحكم الانتقالي في العراق ·

 فالطالباني الذي عرفته عن قرب منذ العام 1987، وقويت علاقتي به في العام 1992، عندما انتخبت عضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي، الذي انبثق عن اجتماع صلاح الدين الموسع، يتمتع بثقافة عالية وتجربة سياسية نادرة وعلاقات إيجابية واسعة وقدرة إدارية قل نظيرها، تؤهله لأن يلعب دورا مهما في العراق الجديد، ليس رئيسا لحكومة أو زعيما لحزب، وإنما كمرجع سياسي بامكانه أن يوفق بين مواقف مختلف الفرقاء، لقدرته على الإمساك بالعصا من الوسط عند مناقشة القضايا الاستراتيجية العليا، خاصة المختلف عليها، سواء بين الأحزاب السياسية أو بين الشرائح الاجتماعية، أو حتى بين التكوينات المذهبية والعرقية في البلاد، والتي ورثت من النظام الشمولي البائد مشاكل كثيرة، بحاجة إلى الحكمة والدراية والاطلاع وسعة الصدر لحلها ·

لقد أبدى الطالباني خلال ترؤسه الشهر الماضي مجلس الحكم الانتقالي، أعلى درجات الحرص والمسؤولية والوطنية، حقق فيها بامتياز إنجازات استراتيجية مهمة، فتوصل، بالتعاون مع بقية السادة أعضاء مجلس الحكم الانتقالي، إلى صيغة مكتوبة بشأن نقل السلطة والسيادة إلى العراقيين - وان كنت أتمنى أن تتم مناقشتها بشفافية أكثر - وقعها بالنيابة عنهم مع ممثلي التحالف في العراق،كما خطا خطوات مهمة باتجاه تخفيف حدة، بل إزالة، التوتر الذي كان سائدا بين العراق الجديد وبين اثنين من أهم وأكبر جيرانه وهما إيران وتركيا، بما يلعب دورا في صيانة استقلال العراق، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واستقراره ووضع حد لتسلل الإرهابيين إليه، فيما بذل جهدا كبيرا مع الجارة الشقيقة سورية كذلك للغرض ذاته، إلا أن دور الحرس القديم، الذي مازال يدفع باتجاه التصعيد والتأزم مع العراق، كان أكثر تأثيرا من جهد العراقيين، على ما يبدو·

كما أن زيارته لمحافظات الفرات الأوسط، وبالذات كربلاء المقدسة، ولقائه بالمرجعية الدينية هناك، وزيارته لممثلية المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي، توكيد آخر من قبله على احترامه وتقديره للعلم والعلماء وللمرجعية الدينية، التي قال عنها الطالباني في أكثر من مناسبة، بأنه ليس في العراق من يفكر في تجاوز آرائها السديدة ومواقفها الوطنية الأصيلة والحريصة، عند مناقشة القضايا الاستراتيجية العليا، ومن أبرزها قضية نقل السلطة وتدوين الدستور،الكلام الذي ترجمه الطالباني موقفا عمليا، عندما هرع لزيارة المرجع السيستاني في مدينة النجف الأشرف ليصغي إلى آرائه، عندما علم بموقفه المتحفظ من اتفاق نقل السلطة، خاصة في موضوع طريقة تشكيل المجلس التأسيسي المرتقب ·

بالإضافة إلى مسودة مشروع إعادة إعمار وإزهار مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف الذي تقدم به الطالباني إلى مجلس الحكم لدراسته وإقراره، ما يؤكد اهتمامه بالجانب الديني والسياحي الاستراتيجي لهاتين المدينتين اللتين تتمتعان بدور تاريخي ووطني، وثقل ديني ومرجعي وفقهي وعلمي وثقافي وفكري مشهود·

لقد تصرف الطالباني خلال فترة رئاسته لمجلس الحكم الانتقالي، كعراقي قبل أن يتصرف ككردي، إنه تصرف بأعلى درجات المسؤولية والحرص على وحدة العراق واستقراره وسيادته وحاكمية شعبه، كما تصرف بما يصون الديمقراطية الجديدة التي بدأنا نشهد ولادتها في العراق الجديد بعد سقوط نظام صدام حسين الشمولي البائد، فأين الذين يقولون بأن أكراد العراق يتصرفون كانفصاليين، وأنهم ينوون الانفصال في أول فرصة مناسبة يقتنصونها بسبب ظرف طارئ يمر به العراق، أو ما أشبه ؟ ·

إن كل ذلك يؤكد مرة أخرى، لكل من ألقى السمع وهو شهيد، بأن أكراد العراق، كغيرهم، سيتصرفون في العراق الجديد كمواطنين عراقيين، قبل أن يتصرفوا كأكراد، بالرغم من كل سني القهر والقمع التي مرت عليهم في ظل النظام الشمولي البائد، والتي سحقت كرامتهم، وكادت أن تفقدهم شعورهم بالمواطنة ·

إنهم مندكون بالعراق الواحد المتحد - أرضا وشعبا - ولا يريدون الانفصال أبدا، مازالوا يتمتعون بحقوقهم السياسية كاملة، ومازال الواحد منهم قادرا على أن يصل إلى أعلى المراتب السياسية والإدارية في العاصمة بغداد ·

إن المواطن عادة - أي مواطن - لا يفكر بطريقة انفصالية ولا يتصرف بما يوحي إلى رغبته في الانفصال عن وطنه الأم، إلا عندما تعامله السلطة المركزية كمواطن من الدرجة الثانية فما فوق، وهذا ما كان يتعامل به النظام البائد مع المواطنين الكرد بالدرجة الأولى، ومع عموم العراقيين بدرجة أو بأخرى، أما إذا تمتع المواطن في بلاده بكامل حقوقه وبامتياز، فليس عاقلا من يفكر بالانفصال أو يتصرف بما يوحي إلى ذلك ·

وتلك هي هوية العراق الجديد، فكل العراقيين هم مواطنون من الدرجة الأولى من دون تمييز، ولكل واحد منهم الحق في أن يصل إلى ما يشاء من مواقع المسؤولية، بالأمانة والكفاءة، ومن خلال صندوق الاقتراع على قاعدة "صوت واحد لمواطن واحد"، فليس المهم هوية الزعيم أو قوميته أو دينه أو مذهبه أو انتماءه الفكري والسياسي، إنما المهم أداؤه، الذي سيثبت به حرصه على أن يتعامل مع العراقيين كشعب واحد،لا يفضل شريحة على أخرى، ولا يميل إلى جانب تيار على حساب آخر ·

في العراق الجديد، سيتمكن كل مواطن من أن يصل إلى أهدافه الوطنية النبيلة من دون تمييز عرقي أو طائفي أو سياسي، لأن الميزان، صوت المواطن العراقي الذي سيفرزه صندوق الاقتراع على قاعدة "صوت واحد لمواطن واحد"·

لقد خدع صدام حسين، من استخف بعقولهم، بفكرة تقول، إن في العراق رجلا واحدا فقط يفكر بطريقة وطنية صحيحة، وهو الوحيد القادر على صيانة وحدة العراق، ذلك هو الطاغية، أما بقية الناس فهم على صنفين، إما جهلة وأميون لا يفهمون شيئا،وبالتالي فهم سفهاء أو قاصرون بحاجة إلى قيم يدير شؤونهم حتى حين، أو مواطنون من الدرجة الثانية، لا يحق لهم أن يعيشوا كبقية البشر يتمتعون بحقوقهم كما يتمتع الآخرون، إلا أن أداء الطالباني أثبت أن العراق أنجب وينجب الشرفاء من المواطنين الأكفاء،فليس العيب في نوعية إنجاب الأم العراقية لمثل هذه النماذج الكفؤة، وإنما المشكلة كانت تكمن في نوع النظام السياسي الذي  حكم العراق مدة 35 سنة عجافا، والذي كان قائما على التمييز العنصري والطائفي البغيض الذي قاد العراق إلى الهاوية والهلاك، لولا أن تداركته رحمة ربه الكريم المتعال، ليكتشف العالم بان في العراق سفيها واحدا لا يحرص على شيء، كان يجب أن يحجر عليه في المصح العقلي بدلا من أن يتسنم السلطة ويجلس على كرسي الحكم،ذلك هو صدام حسين الفار من وجه العدالة ·

ومن المؤكد فإن الكفاءات لا تنمو أو تظهر للعلن في ظل الأنظمة الديكتاتورية المستبدة، من دون أن يعني ذلك انعدامها وعدم وجودها أصلا، وأنا على ثقة تامة، من أن العراق سيشهد ولادة وظهور زعامات وقيادات وطنية ديمقراطية كفؤة كثيرة، مادام النظام الشمولي قد اختفى من الحياة السياسية، ومادامت الديمقراطية تنمو وتكبر بالاتجاه الصحيح يوما بعد آخر ·

 في العراق الجديد، سنستمع إلى الأقوال، ولكننا سنهتم أكثر بالأفعال، فالشعارات كثيرة، و"الشعاراتيون" كثر، ولذلك، سوف لا يهمنا كثيرا ما سيقوله المتنافسون عند صندوق الاقتراع، إنما سننتظر لنرى ما سيفعلونه عندما يكونون في موقع المسؤولية، قبل أن نطلق الأحكام، فحملة الشعارات والأفكار والنظريات يمتحنون عادة عند الأداء وليس عند الحديث والخطاب والكلام، وفي وقت الأفعال وليس في وقت الأقوال، ولذلك قيل، عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، ومن الواضح، فإن وقت الامتحان ينحصر عند الأفعال وليس عند الأقوال، لأن من السهل جدا أن يرفع المرء شعارا ولكن من الصعب جدا أن يتبناه كمشروع عمل حقيقي، خاصة إذا تعارض في وسط الطريق مع مصالحه الشخصية، أو مصالح حزبه وعشيرته، ما يعني أن المهم في العراق الجديد، عمل المسؤول وأداؤه، وليس قوله وشعاره، فمثلا إذا ترك المسؤول موقعه عندما تنتهي مدة صلاحيته لأي سبب كان، فهو يثبت لنا أنه ديمقراطي من الدرجة الأولى، أما إذا تشبث بالموقع رغما عن أنف الجميع، ورفض العودة إلى منزله مواطنا عاديا بعد أن تنتهي مهامه، - كما يسعى إلى ذلك بعض أعضاء مجلس الحكم الانتقالي حاليا - فسيثبت للجميع أنه ديكتاتوري من الطراز الرفيع، مهما رفع من شعارات براقة يصم بها آذاننا، ليس قوله الذي سيكشف لنا عن حقيقته، إنما فعله السيئ وطريقة تعامله المريضة مع الواقع·

لا ينتفع المواطن العراقي بصلاة الليل التي يؤديها المسؤول، إذا كان ظالما للعباد، ولا ينتفع بزيه المدني، إذا كانت مدنيته لعياله وحيفه للناس، ولا ينتفع بربطة عنقه الليبرالية إذا كانت سلاسل وأغلالا على العباد، ولا ينتفع بعمامة القائد، إذا كانت حبل مشنقة يعدم فيها حرية الناس ويصلب عليها الديمقراطية، ولا ينتفع بدينه، إذا كان دينه لأولاده وظلمه للناس، كما لا تنفعه ديمقراطيته، إذا كانت لأقاربه وعشيرته، وللمواطن السوط والحديد والنار والاستبداد والقتل والمطاردة ·

ولذلك فسر الفقهاء القول المشهور - يدوم الحكم مع الكفر، ولا يدوم مع الظلم - بقولهم، إن كفر الكافر لنفسه وعدله للناس - وهو المطلوب - وان إيمان المؤمن لنفسه وظلمه للناس - وهو غير مطلوب - لأن فلسفة الحكم هي إقامة العدل والقسط، وأن أي شيء آخر يأتي بالمرتبة الثانية، أما أن يتقدم كل شيء إلى الأمام سوى العدل، ويتراجع العدل إلى الخلف أو يتقهقر،فهذا يعني نفي فلسفة السلطة،وهذا ما لا نريده في العراق الجديد ·

العدل أساس الملك، هذه هي القاعدة الاستراتيجية في العراق الجديد، فمن يرى في نفسه القدرة والكفاءة على تحقيقها فأهلا وسهلا ويا مرحبا، بغض النظر عن اسمه ورسمه وزيه وقوميته أو أي شيء آخر، وأن الأداء هو الميزان في إثبات ادعائه، وليس الكلام المعسول والشعار الرنان والجميل الذي تطرب له آذان الناس ويسحر مشاعرهم، والذي يوظفه الفرقاء عادة لنيل الحظوة عند صندوق الاقتراع، أما من لا يجد في نفسه القدرة على تحقيق هذه القاعدة، فمن الأفضل له ولعياله وللعراق والعراقيين ألا يتقدم الصفوف، ويظل مكانه حيث هو، محترما نفسه وفي الحديث الشريف "العاقل من عرف قدر نفسه" و "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه"·

أما إذا صادف أن اغتر أحد بنفسه، وأعجب بقدراته، فحاول أن يجرب حظه، ونجح في خداع الناس بشعاراته البراقة، ثم تقدم الصفوف، فسيكبو في أول اختبار عملي للقدرة والكفاءة، لأن الأداء سيفضحه ويكشف عن حقيقة قدراته ومهاراته ونواياه، وعندها سيعزل أو يطرد، غير مأسوف على اسمه وسمعته ومستقبله السياسي وموقعه الاجتماعي، لأن من لا يحترم نفسه لا يحترمه الآخرون، كما هو معروف، أم ماذا؟·

nazarhaidar@hotmail.com

 

�����
   

صادوه ·· صادوه ·· صادوه !!:
بدر عبدالمـلـك*
فرحة بلاد الرافدين:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
قمة التفاصيل الخليجية!!:
سعاد المعجل
منع التحولات الاجتماعية يحرض على اصطدام الطبقات:
ناصر يوسف العبدلي
هل محمد بن راشد نموذج للقيادة المطلوبة ؟:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
تعديل الدوائر الانتخابية:
المحامي نايف بدر العتيبي
الدوائر الانتخابية·· احسموها كفاية:
عامر ذياب التميمي
الدوائر الانتخابية!:
عامر ذياب التميمي
أيــن العـــرب ؟!:
د. محمد حسين اليوسفي
قبل أن تقرأ المقال!!:
عبدالله عيسى الموسوي
مؤتمر وطني للحوار بين توجهين سياسيين مختلفين: الليبراليين و الإسلاميين:
خالد عايد الجنفاوي
العلاقات المصرية الإيرانية:
د. جلال محمد آل رشيد
على فرنسا وروسيا وألمانيا أداء استحقاقات مواقفها السابقة
ماراثون كوني لإعادة إعمار العراق:
حميد المالكي
البحرين·· وحادث الباص الكويتي:
رضي السماك
عن أي ديمقراطية يتحدثون؟!:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
أيكم أحسن عملا ···
الطالباني نموذجا:
نزار حيدر
متابعة لشؤون المال العام
ماذا يحدث في وزارة الإعلام؟:
عبدالحميد علي