رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 29 شعبان 1424هـ - 25 أكتوبر 2003
العدد 1600

رسالة تطمين إلى العرب والمسلمين
نزار حيدر
nazarhaidar@hotmail.com

أشعر، وكأن العرب والمسلمين قلقون على هوية العراق الجديد، ربما بسبب التفسير الخاطئ لبعض تصريحات العراقيين وكتاباتهم، أو لعدم استيعابهم حقيقة ما يشهده العراق من متغيرات وتطورات ومواقف، والتي تميزت بالسرعة الخاطفة التي قد لا تمنح المتابع الفرصة للحاق بها الواحدة تلو الأخرى، أو جراء سياسات الإعلام العربي المغرض الذي يصر على رؤية الحدث العراقي بعين واحدة، فيضخم قضايا ويغض الطرف عن أخرى، أو يسلط الضوء على أحداث ويتجاهل غيرها، مستهدفا التشويه والتعمية والتشويش، بالضبط كما كان يفعل فترة نظام صدام حسين البائد، إذ ظل وقتها يبرر للديكتاتورية والنظام الشمولي جرائمه، ويبحث عن الحجج والأعذار لحروبه العبثية وسياساته المتهورة واللاعقلانية التي دمرت العراق كليا ورمت به تحت سلطة الاحتلال، حتى إذا سقط النظام وانهارت بنيته البوليسية ومؤسساته الإرهابية بطرفة عين، انكشف كل شيء على حقيقته وفوجئ الرأي العام العربي والإسلامي على وجه الخصوص بمدى حجم الكذب والتزوير الذي كان يمارسه هذا الإعلام المضلل وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وبالذات خلال العقد الأخير من القرن الماضي·

ومن أجل توضيح بعض الحقائق وإماطة اللثام عن جملة القضايا الأساسية التي يعيشها العراق والعراقيون منذ سقوط النظام البائد، تطمينا للعرب والمسلمين وتصحيحا لرؤيتهم المشوشة، أكتب رسالتي هذه وأبعثها لهم، راجيا أن تجد الآذان الصاغية والعقل المنفتح والعين البصيرة والقلب السليم القادر على الاستيعاب من كل أشقاء العراق وإخوانه بعيدا عن التعصب الأعمى والتعامي المقصود والكراهية المقيتة والأحكام المسبقة المدمرة والتعاطف الأعمى مع النظام المعزول والتشبث بالشعارات الرنانة الفارغة التي ما قتلت ذبابة·

مما يهمس به البعض، قولهم أن العراق تنازل عن هويته العربية وتخلى عن التزاماته الإسلامية، فلم يعد يهمه العودة إلى محيطه العربي وعمقه الإسلامي ، فالعراق للعراقيين، ولا شأن لهم بالمشتركات الاستراتيجية مع الآخرين·

هذا الكلام بالتأكيد لا أساس له من الصحة وهو يفتقر إلى الدقة والصدقية وأبعد ما يكون عن الواقع، فما زال العراق يحرص على أن يكون عضوا فاعلا ونشيطا في محيطه العربي أولا، ولذلك رأينا كيف حرص العراقيون على أن لا  يتركوا مقعد بلادهم فارغا في جامعة الدول العربية، فوقفوا بوجه التحديات ولم يثنهم التيار الذي نشط ضد إرادتهم ليحرمهم من حقهم الطبيعي، هذا،  بالرغم من أن الجامعة لم تعد تعني شيئا لا لهم ولا لغيرهم أو تنفع في شيء أو يرتجى منها شيء، ولكنهم أصروا على انتزاع حق التمثيل فقط ليغلقوا الباب أمام المتصيدين بالماء العكر، وحتى لا يقول المغرضون بأن العراقيين يفكرون جديا بالانفصال عن محيطهم العربي ولذلك فهم غير مكترثين بمقعدهم في الجامعة ، أملئ أم بقي شاغرا، فكلا الأمرين عندهم سواء·كذلك يحاول العراقيون أن يرموا بأنفسهم على العرب بمناسبة وبغير مناسبة، من خلال زياراتهم المكوكية وجولاتهم المتكررة للعديد من العواصم العربية، لدرجة أنهم باتوا يشعرون بالحرج، وهم يرون زهد العرب فيهم وشدة رغبتهم بالعرب·ولكن مع كل ذلك سيظل العراقيون يحاولون ويحاولون إيجاد الفرص وخلقها وانتهازها واصطيادها لشرح وجهة نظرهم لأشقائهم العرب في محاولة منهم لإيجاد مساحات الفهم المشترك والتفاهم المتبادل لظروفهم الاستثنائية، وهم بذلك يلقون الحجة تلو الحجة على الشعوب العربية مع ما لهم عليها من حجج بالغة كثيرة·

نرجو أن يفهم العرب رسالة العراقيين، ويتعاملوا معها بشكل إيجابي، ويتلقوها برحابة صدر وعقلية متفتحة·

بشأن محيطهم الإسلامي، أطمئنكم، فما زال العراقيون على دين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوحدون الله ويصلون للكعبة المشرفة قبلة المسلمين ويصومون شهر رمضان الكريم ويحجون بيت الله الحرام، وأبشركم، فمازال العراق هو مصدر الوعي الإسلامي الأول والحقيقي لكل المسلمين، لما فيه من خيرة العلماء والفقهاء والمراجع والمفكرين والاستراتيجيين الإسلاميين المتنورين، وبما يزخر من مؤسسات دينية علمية عريقة، همهم الإسلام الذي يتسع العالم، وتفكيرهم يتخطى حدود العراق الجغرافية، وإن العراقيين من أكثر شعوب العالم فهما ووعيا والتزاما بالإسلام وتعاليمه وقيمه وأخلاقه وعباداته وأوامره ونواهيه، حتى لقد فوجئ الزوار الإيرانيون الذين يعبرون الحدود لزيارة العتبات المقدسة في مدن النجف الأشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية المقدسة وسامراء المقدسة، بهذا الشيء وقالوا بأنهم فوجئوا  بالحالة الإسلامية في العراق بدءا من الحجاب مرورا بالأخلاق الإسلامية وليس انتهاء بالالتزام الديني، والتي لم يجدوا مثلها حتى في بلادهم ـ دولة ولاية الفقيه ـ على حد تعبيرهم، هذا بالرغم من سياسة القتل والبطش التي مارسها النظام البائد طوال عقود من الزمن بهدف تدمير الإسلام وقتل تعاليمه في نفوس العراقيين ووعيهم، إلا أن الإسلام ظل هو الدين بالنسبة الى العراقيين وهو القيم وهو الثقافة وهو التاريخ وهو كل شيء بالنسبة إليهم·

حتى الحزب الشيوعي العراقي أعلن أخيرا بأنه يحترم الدين ويقدس قيمه وأخلاقياته وتعاليمه وأوامره ونواهيه، فلم يعد الدين برأيه أفيون الشعوب، كما ظل يعتقد بذلك على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، ولذلك لم يعد فقهاء العراق ومراجعه ينظرون إلى الشيوعية بأنها كفر وإلحاد·

كما لم يعد يصف التحرك الإسلامي  في أدبياته بالرجعية كما دأب على ذلك في الخمسينات وحتى السبعينات من القرن الماضي، ولذلك تحالف مع التيار الإسلامي وشاركه مقاعد مجلس الحكم الانتقالي·

ثم، لا أعتقد أن منصفا لم يسمع أو يقرأ عن السجال المحتدم هذه الأيام في العراق بشأن موقع الدين ومؤسساته في الدستور العراقي الجديد، وفي عموم حياة العراقيين، كما رأينا جميعا كيف يحترم السياسيون المرجعيات الدينية التي لا يعلو أي صوت فوق صوتها الحكيم والمتزن، ولذلك لم يشأ أو يفكر أحد بتجاوزها عند مناقشة أية قضية تخص الشأن العام، خاصة في قضية مهمة واستراتيجية كقضية تدوين الدستور الجديد الذي هو عصب الحياة وخارطة الطريق للعراق الجديد، فرأيناهم بين غاد ورائح لبيوت المرجعيات يسألون ويستفسرون ويحاورون ويستمعون إلى نصائحها ووجهات نظرها·

ألا يعني كل ذلك، أن العراقيين مازالوا متمسكين بدينهم وأصولهم بالرغم من كل الظروف القاسية والقاهرة التي مروا ويمرون بها ؟

وعندما نسمع أو نقرا أحيانا مواقف متشنجة من عراقيين إزاء العرب والمسلمين والتي تعبر عن نفاد صبرهم، يلزم المنصفين أن يبرروا لهم، ويقدروا معاناتهم ، فلو كان غير العراقيين مكانهم وتعرضوا من ذوي القربى لكل هذا الظلم والتجاهل لمعاناتهم، لاتخذوا الموقف نفسه، بل لكفروا بكل ما يمت إلى العرب والعروبة بصلة من قريب أو بعيد، ولكفروا بدينهم، وكلنا سمع  وقرأ التصريحات الأخيرة للعبقري ـ الإفريقي ـ الجديد المسمى قذافي، الذي دعا شعبه المغلوب على أمره إلى الكفر بالعروبة والانعتاق من محيطه العربي والارتماء في الحضن الإفريقي الأسود، لأنه تضرر من العرب أكثر مما انتفع منهم، وكان الانتماء القومي مصالح فقط أولباسا  يرتديه المرء متى يشاء وينزعه أو يستبدله متى أراد ذلك أو هوى·

جربوا أن تبرروا للشعب العراقي مرة، وستربحون، كما حاولتم أن تبرروا للنظام البائد مليون مرة وأخيرا·· فشلتم وخسرتم الصفقة والتجارة وكل رهاناتكم·

امنحوا العراقيين فرصة التقاط الأنفاس، لينهضوا من تحت ركام وأنقاض النظام الشمولي الإرهابي البائد الذي لم يخلف لهم سوى المقابر الجماعية وضحايا حملات الأنفال والأسلحة الكيماوية في حلبجة وحروبه العبثية وسياساته المتهورة الرعناء، وبنى تحتية مدمرة واقتصاد منهار وديون رهيبة وحدود مستباحة·

لا تصدقوا إن قيل لكم بأن العراقيين راضون بالاحتلال، أو أنهم يقبلون التدجين حتى يندمجوا معه أخيرا، أبدا، فالعراق يستعصي على الاحتلال، والعراقيون لا يقبلون بالقهر والظلم تحت سلطة المحتل مهما كلف الثمن، وإنما هم يسكتون اليوم على الظرف الاستثنائي الطارئ ويؤجلون المعركة ضد الاحتلال، لأنه أنقذهم من كابوس ثقيل ظل جاثما على صدورهم ممسكا بأنفاسهم طيلة خمسة وثلاثين عاما عجافا، حاولوا استصراخ ضمائر العرب والمسلمين لإنقاذهم ولكن "أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي" إنهم يتعاملون معه كأمر واقع كان السبب في إسقاط النظام البائد بعد أن يئسوا وقتها من إمكانية أن يمد العرب والمسلمون يد المساعدة لهم للتخلص منه فظل الجميع يتفرج على التراجيديا العراقية عقودا طويلة·

نتفهم حرصكم وقلقكم على العراق وهويته، ونفهم سبب عدم فهمكم لمعاناة العراقيين وانشغالكم عنها أغلب الوقت، لأنكم جميعا ابتليتم بما يشبهها وإن كان بدرجة أدنى بكثير وبنسبة أقل بكثير، ـ ديكتاتوريات، أنظمة شمولية، اقتصاد منهار، جهل، أمية، تخلف، حرمان، سحق منظم للحقوق المدنية والكرامة الإنسانية ـ ولكن مع ذلك ندعوكم لأن توسعوا أفق تفكيركم قليلا لتفهموا وتستوعبوا ماذا يجري في العراق·

تحلوا بالإنصاف لأن ـ من لا إنصاف له لا دين له ـ كما ورد في الحديث الشريف، فستجدون بأن العراق اليوم أقرب إلى هويته العربية والإسلامية من أي يوم آخر مضى، فلقد عادت إليه نسائم الحرية، وبالحرية يصون الشعب هويته، كما عادت إليه كرامته، وبالكرامة يحافظ المرء على دينه، كما عاد إلى مفاصله دور العلماء والفقهاء والمثقفين والإعلاميين المتنورين والقادة الوطنيين، فكم من عالم وفقيه ومجاهد وقائد وكاتب ومفكر عاد إلى  العراق بعد عقود الهجرة والتغرب والمطاردة، ليساهم في إعادة بناء وطنه الذي دمرته الديكتاتورية البغيضة؟

انتظروا قليلا واصبروا  عليهم ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة، ونحن لا نريدكم أن تندموا أبدا، فلا تتسرعوا في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات فتظلموا أنفسكم وشعبا كاملا فتندموا وعندها ـ ولات حين مندم ـ·

إن العراقيين يريدون التخلص من الاحتلال اليوم اليوم وليس غدا، فلماذا لا تمكنونهم وتساعدونهم على تحقيق هذا المطلب من خلال الدعوة لوقف عمليات التخريب والإرهاب مثلا أو على الأقل إدانتها، أو من خلال التعاون معهم وتقديم يد العون إليهم·

إن العراقي بطبعه يستعصي على التدجين والتغرب وتغيير الهوية، فهو لا يشبه اللبناني مثلا أو الصومالي أو الإيراني أو غيرهم من أقران، وبمرور سريع على  حال العراقيين في بلاد المهجر يتضح صدق هذا الادعاء بشكل لا يقبل الجدل، فبالرغم من مرور نصف قرن على وجود بعض العراقيين في بلاد المهجر من الذين اضطرتهم الظروف الأمنية والسياسية إلى ترك بلادهم ومسقط رأسهم، إلا أنهم ما زالوا يعيشون كعراقيين سواء في أمريكا أو كندا أو أستراليا أو أوربا أو أي مكان آخر، لم تغيرهم الطبيعة ولم تلو عنادهم الظروف ولم تكسر تحديهم ماديات الحضارة الغربية، إنه يظل عراقي الطباع في النجف والبصرة والموصل وأربيل وكربلاء وبابل، كما أنه يظل عراقي الطباع في أي مكان في العالم مهما تقادم الزمن على غربته·

إنه يحافظ على دينه وصدقه وكرمه وغيرته وعنفوانه ورفضه للظلم والعدوان والقهر بالقوة، أينما حل به الزمان والمكان·

لذلك أقول بالفم المليان وبضرس قاطع، اطمئنوا، فستبقى هوية العراق عربية إسلامية لا تغيرها التحديات أبدا أبدا أبدا·

nazarhaidar@hotmail.com

�����
   

حكومة تهدد برلمانا:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الجامعة الأمريكية في الكويت!!:
سعاد المعجل
تشكيل لجان خماسية لمراقبة الجمعيات التعاونية:
يحيى الربيعان
شعب مصالح:
المحامي نايف بدر العتيبي
العراق والرعاية الدولية!:
عامر ذياب التميمي
أيام صعبة:
د. محمد حسين اليوسفي
كارثة إنسانية:
عبدالله عيسى الموسوي
رسالة تطمين إلى العرب والمسلمين:
نزار حيدر
الدستور العراقي الجديد:
د. جلال محمد آل رشيد
"الحدث العراقي التاريخي" في رحاب الفلسفة الكلاسيكية:
حميد المالكي
خطاب قديم جديد:
إعادة فلترة النص التاريخي:
خالد عايد الجنفاوي
هل ستطور الفئران البلد ؟:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
استراتيجية التطوير البرلماني: بناء الباحث البرلماني 2
الباحث البرلماني ليس مجرد مقرر اجتماعات ·· وخمسة اعتبارات تحكم أهميته:
د· علي الصاوي