رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 14 شوال 1426 هـ . 16نوفمبر 2005
العدد 1703

عولمة الفوضى
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

هل ينحدر العالم شيئا فشيئا إلى هاوية الفوضى العالمية؟ أو إلى هاوية عولمة الفوضى؟ أو إلى فوضى العولمة؟ أو إلى شيء آخر لا نعرفه بعد؟

هناك امتداد للفوضى بدأ يضرب في كل مكان·· وكأن الفوضى - التي هي من اختراع البشرية تماما كاختراع قنابل الفسفور الأبيض التي استخدمها أبرياء جنود الولايات المتحدة الأمريكية الطيبين ضد وحوش وأوغاد وأوباش وعلوج الفلوجة من الأطفال والشيوخ والنساء -  نقول وكأن الفوضى أصبحت ليس سمة العصر بعد الحاسب الآلي والذهاب إلى المريخ ، بل كبعض أنواع الأورام الخبيثة التي إن نشطت يصعب التحكم فيها إلى أن تقضي على صاحبها!

والمصيبة أن ذلك الورم قد أصاب أول ما أصاب قلب كوكب الأرض الأزرق: أرض الأنبياء والمرسلين أرض فلسطين· ومنذ ذلك الوقت وهو ينتشر ببطء مخيف· وكلما اتجهت أبصارنا نحو بلد آمن نفاجأ بعد فترة قصيرة من الزمن أن يد العبث قد امتدت إليه! وأن الأمن قد انعدم فيه وأن الخراب قد لحق به· (في هذه اللحظة ذاتها التي اكتب فيها هذه السطور قطعت فضائيات العالم برامجها لتذيع خبرا عاجلا يفيد بان ثلاث انفجارات قد هزت ثلاث فنادق في العاصمة عمان)!

فرنسا بلد الرومانسية والعطور وبودلير وفولتير ومقاهي الشانزليزيه وجامعات الحي اللاتيني والمدن التي لا تعرف الليل، أصبح يخيم عليها في مثل هذه الأيام الظلام والخوف والترقب· وتفرض فيها حالة الطوارئ وحظر التجول! منذ متى يحظر التجول في مدن فرنسا؟ إن فرنسا التي ولدت فيها الثورة والتي صدرتها حتى إلى داخل البلدان التي استعمرتها هي لكي تستخدم بعد ذلك ضدها وضد مصالحها، مرت بعدة ثورات واضطرابات مختلفة حسب الأوضاع الاجتماعية التي تمر بها· فبعد ثورة1789  وسقوط سجن الباستيل الذي حول الفرنسيون قطع أحجاره إلى بناء الجسر المؤدي من ساحة الكونكورد إلى مجلس الشعب مرت فرنسا بعدة ثورات صغيرة وكبيرة كثورة1830  و1848  وسقوطها أثناء الحرب العالمية الثانية تحت الاحتلال النازي، وثورة مايو1968  العمالية و ثورة1986  الطلابية· ولكن أخطر هذه الثورات الشعبية هي التي ضربت فرنسا قبل أيام··· فهي ثورة من نوع آخر··· ومن جنس آخر··· ليس لها مثيل في تاريخ فرنسا: فهي ثورة المهاجرين الغرباء· ودائما كان التعامل مع الثورات التي تقودها عناصر فرنسية سهلا: فالفرنسي شديد الخوف على سلامة أرضه واستقراره وأمنه· فكانت كلمة واحدة من رئيس وزراء أي حكومة كانت كافية بأن تعيد الأمن والنظام إلى كل فرنسا· أما هذه المرة، فالأمر مختلف جدا· فثورة المهاجرين ضرت300  مدينة فرنسية يقودها شباب من المهاجرين من أصول مختلفة وهي أحداث لم يعرف تاريخ فرنسا لها مثيلا من قبل!· فمعظم هؤلاء يحملون حقدا تاريخيا واجتماعيا ضد فرنسا· فهم يعتبرون فرنسا دولة استعمارية من الدرجة الأولى امتصت دم شعوبهم ودمرت بلدانهم وضيعتهم عندما قامت بتجنيد آبائهم وأجدادهم لمحاربة الألمان أو لتعزيز مستعمراتها البعيدة وعندما ولد أبناء هؤلاء وأحفادهم منفيين من أوطانهم وعلى الأرض الفرنسية خسروا كل شي: رفضتهم بلدانهم بعد تحررها وألغتهم فرنسا من قواميسها، ولم يستطيعوا الاندماج في جلد الشعب الفرنسي حتى وهم يحملون جنسية الجمهورية الفرنسية بشعاراتها الثلاث المشهورة: أخوة، مساواة، عدالة· فلم يجدوا الأخوة وهم يحملون نفس الهوية الوطنية، ولا المساواة في الحصول عن لقمة العيش ولا العدالة· وللتخلص منهم وضعوا في أحياء سكنية بعيدة انعدمت فيها أبسط الشروط الصحية للحياة· وكنا قد تحدثنا في مقالة سابقة عن جرائم الحرائق التي كانت تأتي على مبان كاملة بمن فيها تقطنها جاليات لا تحمل من علامة فارقة بينها وبين الفرنسيين إلا لون الجلد الأسود أو الأسمر· أما الحقد الاجتماعي فهو يتولد عندما يركب بعض الشباب العاطل عن العمل مترو الأنفاق باتجاه شوارع باريس بمبانيها التي تعود إلى مئات السنين الماضية تاريخا و رفاهية حتى تشتعل في نفوسهم جذوة الحقد على البذخ الذي يقابله لديهم الجوع إلى لائحة مطاعم الدائرة الثامنة أو السادسة عشرة و مكسيم والبرج الفضي! وعندما يقضم الجوع المعدة تصبح كل الحرائق مشروعة· وتمنينا جميعا لو أن وزير داخلية فرنسا نيكولا ساركوزي نعت الطبقة الكادحة التي أسقطت النظام الملكي وتوابعه في فرنسا قبل260  سنة بنفس الصفات التي أطلقها على هؤلاء المهاجرين بأنهم حثالة المجتمع مع الفارق الزمني ! أو طلب منهم إن لم يجدوا سندوتشات الهوت دوغ  أن يبحثوا عن طبق الشاتو بريان كما قالت ماري انطوانيت عندما دهشت بأن الفقراء لا يجدون الخبز فطلبت منهم أن يأكلوا الكعك! إن مشكلة الأفراد لا تعالج بالألفاظ العشوائية والاتهامات غير المسئولة: وحيث أن فرنسا تعتبر من الدول الراعية لحقوق الإنسان، فكنا نتصور أن يطلب رجل مثل ساركوزي عقد اجتماع عاجل مع قادة هؤلاء الشباب والتفاوض معهم وحل مشاكلهم والبحث لهم عن عمل يليق بآدميتهم و يتم دمجهم في المجتمع الذي ولد أكثرهم فيه بدلا من وصفهم بالأوباش تماما كما اتهم جورج بوش الجماعات الإسلامية بالإرهاب الأعمى وبالجهل ونذر بعودة الحرب الصليبية، بينما كان من الممكن تفادي الكثير من أنهار الدم التي سالت بعد تصريحاته لو أنه طلب اجتماعا لدراسة أسباب إزدياد التطرف الديني لدى بعض المسلمين·

إن الفوضى التي تعيشها فرنسا منذ أيام - والتي لن تنتهي بسهولة كما يتصور نيكولا ساركوزي- هي في حقيقة الأمر امتداد لفوضى عالمية لا أول لها ولا آخر: فوضى الظلم الاجتماعي· فعندما تتأرجح أحدى كفتي ميزان العدالة تسقط كل المعايير من الكفة الأخرى! وتصبح الفوضى هي النظام السائد!

نحن نعيش زمن عولمة الفوضى الناتجة عن فوضى العولمة: زمن حرفت فيه كثير من المصطلحات لغايات سياسية، وهذه الأخيرة اتخذت مسارا ماديا بحتا· فانفجارات11/9  وأسبانيا و بريطانيا وتركيا وأحداث فرنسا الأخيرة و انفجارات شرم الشيخ والاقتتال الدائر منذ أكثر من أربع سنوات في العراق والحرب اللامتناهية على أرض فلسطين والأردن وما قد يحدث غدا، في حاجة إلى دراسة الأسباب· وعندها تصبح جميع الحلول ممكنة·

 

تنشر بالتزامن مع "البيان" الإماراتية

dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

1:
محمد موسى الحريص
عولمة الفوضى:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الحصار الاقتصادي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
صرخة في واد!!:
سعاد المعجل
الفساد·· مرة أخرى:
محمد موسى الحريص
جمعية المحامين وعائدو غوانتنامو:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أول قراءة لمسودة عقد خدمات مشروع حقول الشمال
حقول الشمال: إشگالات مسودة العقد:
المهندسة سعاد المنيس
حوار مع الذات – 7:
فهد راشد المطيري
تفجيرات الأردن:
محمد بو شهري
تساؤلات المستثمرين!:
عامر ذياب التميمي
تمييز اجتماعي مقيت:
د. محمد حسين اليوسفي
إسقاط القروض·· من هذا الباب!:
عبدالخالق ملا جمعة
حدث وتعليق:
مسعود راشد العميري
أطفالنا يضربون في المدارس:
المحامي نايف بدر العتيبي
عديل الروح :
محمد جوهر حيات