رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 14 شوال 1426 هـ . 16نوفمبر 2005
العدد 1703

تمييز اجتماعي مقيت
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

تحمل ثقافتنا العربية قدرا كبيرا من عناصر التمييز التي لابد من التخلص منها بالنقد الذاتي، ومحاربتها بوسائل التنشئة الاجتماعية الحديثة، وبوضع ضوابط قانونية لمعاقبة المروجين لها· وما حصل في الكويت يوم الخميس 10/27 (ويمكن أن يحصل في أي بلد عربي آخر) إنما يشير إلى عنصر واحد من ذلك المخزون التمييزي الهائل المعشش في ثقافتنا· فقد هاجم 200 شخص من قبيلة الصلبة، أغلبهم من الشباب مساء ذلك اليوم، مبنى قناة الراي الفضائية وأتلفوا محتويات ثلاثة أدوار من أدوارها الخمسة، كما أتلفوا سور المبنى· وقد جرح في الحادث مجموعة من رجال الشرطة والصحافة وتم اعتقال عدد من المهاجمين، ومازالت ملاحقة الفارين منهم قائمة· وجاءت أعمال العنف تلك احتجاجا على مداعبة "سمجة" من "ولد الديرة" مقدم برنامج "قرقيعان" مسَّت تلك القبيلة·

لا أحد يؤيد العنف، ولسنا مع الذين يأخذون حقوقهم بأيديهم، ونحن في دولة عصرية بها قنوات قانونية للتقاضي، يتم عبرها إحقاق الحقوق ورد المظالم، ومن خلالها يأخذ كل ذي حق حقه· ولكننا لكوننا في دولة عصرية، وفي زمن انتشرت فيه مبادىء المواطنة والمساواة، وفي وقت تسعى فيه الأمم الراقية إلى التخلص من إرث عصور الاستعباد، نقول لأننا في مثل تلك الدولة العصرية فإننا نتفهم ما قام به شباب هذه القبيلة، الذين تربوا في دولة نظام وقانون، فتشربوا مبادئها الدستورية التي ينص أحدها على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية"، وأضحت تلك المبادىء جزءا من وجدانهم ووعيهم الذاتي بأنفسهم· وبالتالي لم يعد هؤلاء الشباب المعتدون بأنفسهم يقبلون المس بكرامتهم والانتقاص من شأنهم تحت أي ذريعة حتى لو كان مصدره التراث·

وثقافتنا العربية والشعبية تحمل في طياتها نظرات دونية لكثير من فئات المجتمع، خذ مثلا تلك النظرة لإخوتنا السود التي تمتد عميقا في تاريخنا قبل أن يهجو المتنبي كافور الأخشيدي بزمن طويل!! ومازالت تلك النظرة موجودة بموروثاتنا الشعبية  للأسف، ونتفاجأ في كثير من الأحيان بأطفالنا الصغار وهم يتلفظون بتعبيرات عنصرية ظننا أنها أمست في طي النسيان!! ولا نبالغ إن قلنا إن إخوتنا السود أكثر الأعراق  البشرية التي تعرضت للظلم والاستعباد في تاريخ الإنسانية المليء بالقسوة والجور· وكان لامبراطوريات الشرق نصيب وافر في خلق تلك الفاجعة الإنسانية· واقشعر بدني حينما قرأت كتاب Murry Gordon الموسوم: "Salvery in the Arab World"· ومن المفارقات الصارخة أن تلك المآسي الإنسانية كانت تحدث أمام مرأى ومسمع الفقهاء دون أن يستنكروها أو تنبس لهم شفة!! ولولا "التدخل الخارجي" من بريطانيا التي ألغت العبودية في العام 1830 وأخذت تطبقه في المناطق الخاضعة لها رويدا رويدا، ثم الضغط الدولي المتمثل بنشاط "لجنة مكافحة الرق" التابعة للأمم المتحدة، أقول: لولا تلك "التدخلات الخارجية في سيادتنا الوطنية" لربما ظلت العبودية قائمة إلى الآن بين ظهرانينا!!

والتمييز القومي صنف آخر نتلمسه في واقعنا العربي يجد أبرز تعبيراته في مشكلة الأقليات وبالذات الأقلية الكردية والجماعات المكونة لجنود السودان والأمازيغ في الجزائر· وفي خمسنيات وستينيات القرن الماضي، عانى المواطنون الخليجيون الذين ترجع أصولهم إلى "بر فارس" من نظرة عنصرية شيفونية كانت تشكك في ولائهم وانتمائهم الوطني من قبل غلاة القوميين· وكان يذكى تلك الروح المتعصبة ادعاءات الشاه ومطالباته في السيطرة على الخليج العربي بالأخص تبعية البحرين له· وكم كانت مؤلمة للنفس أن يسمع المرء كلاما جارحا أو أن يقرأ تعليقات عنصرية هي أبعد ما تكون عن موقف المواطنين من أبناء بر فارس من قضايا العروبة في تلك الأيام· وقد جاءت الصفعة لمثل تلك النظرات المشككة لولاء ووطنية هذه الفئة المهمة في النسيج الاجتماعي الخليجي في ذلك الاستفتاء الشعبي الذي أجرته الأمم المتحدة في أبريل من العام 1970 لتحديد استقلال البحرين والذي أظهر إجماعا وطنيا على عروبة البحرين· وكم بودي أن يتم تنقيح المراجع والكتب التي مازالت تطبع والتي ظهرت في تلك الفترة والتي تحمل إشارات عنصرية أو نظرات شك وريبة أثبت الزمن بطلانها· وهنا أخص بالذكر ورثة المرحوم حمد محمد السعيدان صاحب "الموسوعة الكويتية المختصرة" التي ظهرت طبعتها الأولى في العام 1971 ولازالت تظهر، أناشد ورثته الكرام أن يزيلوا تلك الشوائب (وهي بالمناسبة قليلة) عن ذلك العمل العلمي الرائع·

وإذا كانت صنوف التمييز الاجتماعي التي عرضناها لا يقرها القانون وهي من مخلفات الماضي التي أخذت المجتمعات العربية التخلص منها، فإن ثمة نوع من التمييز (وربما أكثر) لا زال باقيا لا يلتفت إليه إلا القلة· وما نقصده هنا شرط الكفاءة في قوانين الأحوال الشخصية لبعض البلاد العربية· والكفاءة معناها أهلية الرجل للزواج من المرأة، حيث يشترط في لزوم الزواج أن يكون الرجل كفؤا للمرأة· وهذه الأهلية قد أضاف إليها الفقهاء إلى جانب عنصر الدين أوصافا أخرى كما يقول الدكتور عبدالسلام الترمانيني في كتابه الممتع: "الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام" ص 178 "كالنسب والحرفة والحرية واليسار والحسب والسلامة من العيوب"·

وتأخذ بعض قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية النسب كشرط للكفاءة بحيث لا يكون نسب الزوج أقل من نسب زوجته· وللأسف، لم يلتف المشرعون وفقهاء القانون في تلك الدول التي تجيز مثل هذا الشرط أنه يخالف مادة أساسية تنطلق منها جميع الدساتير العربية وهي أن المواطنين متساوون أمام القانون!! وما قام به الشرع الكويتي هو عين الصواب حينما تم تقنين الأحوال الشخصية في العام 1984 بنصه على أن "العبرة في الكفاءة بالصلاح في الدين"·

وحسنا فعل العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينما استهل عهده بمنع "حب الخشوم" والانحناء وغيرها، وقصر السلام على المصافحة باليد· ونأمل أن تكون تلك الخطوة بداية لإعادة النظر في كثير من عناصر ثقافتنا على المستوى المعياري وعلى مستوى الممارسة·

 

alyusefi@taleea.com 

�����
   

1:
محمد موسى الحريص
عولمة الفوضى:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الحصار الاقتصادي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
صرخة في واد!!:
سعاد المعجل
الفساد·· مرة أخرى:
محمد موسى الحريص
جمعية المحامين وعائدو غوانتنامو:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أول قراءة لمسودة عقد خدمات مشروع حقول الشمال
حقول الشمال: إشگالات مسودة العقد:
المهندسة سعاد المنيس
حوار مع الذات – 7:
فهد راشد المطيري
تفجيرات الأردن:
محمد بو شهري
تساؤلات المستثمرين!:
عامر ذياب التميمي
تمييز اجتماعي مقيت:
د. محمد حسين اليوسفي
إسقاط القروض·· من هذا الباب!:
عبدالخالق ملا جمعة
حدث وتعليق:
مسعود راشد العميري
أطفالنا يضربون في المدارس:
المحامي نايف بدر العتيبي
عديل الروح :
محمد جوهر حيات