رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 مايو 2007
العدد 1774

مفهوم الوطنية في ميزان العقل
فهد راشد المطيري
fahad@taleea.com

"عندما يكتب شخص سيرته الذاتية فإننا نتوقع منه أن يكون متواضعا، لكن عندما تكتب أمة تاريخها فإن الدجل والغرور يكونان بلا حدود"، الفيلسوف الإنجليزي "برتراند رسل"·

هناك مفاهيم تحظى بقبول تام بين أفراد المجتمع الواحد، ومفهوم الوطنية هو أحد هذه المفاهيم· صفة "وطني" تعتبر في نظر الجميع إيجابية، والصفة النقيضة "لا وطني" تعد سلبية، ويبدو أن هذه القاعدة لا يوجد لها استثناء· أعترف بأن لدي حساسية عقلية مفرطة ضد كل المفاهيم التي تحظى بإجماع كامل، ذلك أن الإجماع على شيء يجعل من هذا الشيء هدفا مغريا لفضيلة الشك، والشك هنا ليس ترفا عقليا محضا، بل ضرورة ملحة، فنحن نعيش في مجتمعات ترتكز أساسا على مبدأ قبول المسلمات من دون أدنى نقاش!

ماذا نعني بمفهوم "الوطنية"؟ لغويا، ياء النسب تشير هنا إلى الانتساب إلى وطن، لكن يبدو أن هذه الدلالة لا تكفي لشرح المعنى المراد من مفهوم الوطنية· مثلا، عندما نقول "إن هذا المنتوج وطني"، فإن دلالة الانتساب تلبي الغرض، لكن عندما نؤكد على أن فلانا من الناس وطنيّ، فإن الدلالة هنا أكثر من مجرد انتماء إلى وطن· إذا أردنا أن نضع هذه النقطة بلغة منطقية نقول: انتماء الأشخاص إلى وطن يعتبر شرطا ضروريا لكن ليس كافيا لتحقيق مفهوم الوطنية، ومن هنا نستنتج أن هذا المفهوم يرتبط بمجموعة من الاستحقاقات الناتجة عن هذا الانتماء· لكن ما طبيعة هذا الاستحقاقات؟

لعل أهم استحقاق يتبادر إلى ذهن القاريء هو المتعلق بمفهوم الولاء، لكن علينا هنا أن نطرح سؤالا مهما: الولاء لمن تحديدا؟ مفهوم الولاء مرتبط بشكل نظام الحكم، ففي الدول الديمقراطية الولاء للوطن يعني الولاء لأرض ولشعب، أما الدول الشمولية فتضيف إلى جانب الأرض والشعب شخصية الحاكم! السبب في هذا الاختلاف واضح ومباشر، ففي النظم الديمقراطية لا ديمومة للأشخاص، أما تحت الحكم المطلق فإن ديمومة الحاكم ترتفع إلى رتبة الوطن والشعب ولا تزول إلا مع زيارة خاطفة من عزرائيل! لعل هذا السبب يفسر أيضا لماذا تعتبر محاولة اغتيال رئيس منتخب جريمة في حق فرد، بينما تكون محاولة اغتيال رئيس غير منتخب جريمة في حق وطن! هذه مفارقة عجيبة، فالاعتداء على حاكم اختير من قبل الناس بكامل إرادتهم يظل مجرد اعتداء على فرد، لكن التعدي على حاكم مغتصب للسلطة رغم إرادة الشعب يعتبر أكبر من جريمة: إنها خيانة عظمى للوطن! مفهوم الولاء للوطن حسب النظم الشمولية يفسر أيضا مظاهر أخرى كثيرة، منها على سبيل المثال عادة النواح الجماعي على موت حاكم أو عادة الطرب الجماعي لسماع أغنية وطنية تمجد الحاكم وخصاله!

ماذا عن الولاء لأرض ولشعب؟ ولاء الفرد لأرض مرتبط بحجم المعلومات الموجودة في ذاكرة هذا الفرد حول البقعة الجغرافية التي نشأ عليها، وبقدر ما تكون الذكريات جميلة بقدر ما يزداد معيار الولاء للأرض، والعكس صحيح! هذا يعني أن الولاء للأرض حالة فردية خاصة، والإصرار على توريث الولاء للأرض إلى أجيال لاحقة فيه نفس دكتاتوري غير مبرر، فليس من حق الأب أن يحدد لابنه أين وكيف يقيّم ذكرياته الخاصة! من جانب آخر، ولاء الفرد لشعب مرهون بمدى توافق مبادىء الفرد مع مبادىء الشعب الذي هو جزء منه، والخروج عن الجماعة يعد فضيلة في أحيان كثيرة! لا أحد، مثلا، يستطيع أن يشكك بوطنية ألماني رفض الارتباط بشعب مهووس بنظرة متعالية وعنصرية جامحة إبان الحرب العالمية الثانية·

أخيرا، أرجو أن لا يفهم القاريء أني أهاجم مفهوم الوطنية، لكني أعتبر كل المقولات التي يتضمنها هذا المفهوم مقولات غير منطقية، ذلك أن مفهوم الوطنية ذاته مفهوم "جزمي" يعتمد في صحته على نفي بقية المفاهيم من دون دليل عقلي أو مادي، وهو بذلك أشبه بمفهوم الدين! القائمون على التعليم يعتقدون أن من واجبهم "غرس" الوطنية في قلوب الآطفال، ويتخذون من التلقين وسيلة لبلوغ هذا الهدف، مما يعني أن عملية الغرس هي مجرد عملية غسيل للمخ! ماذا سيخسر المربون الأفاضل لو كانوا أكثر منطقية في التعامل مع أطفالنا؟ لماذا لا ندع أطفالنا يعبرون بتلقائية الأطفال عن حبهم أو حتى بغضهم لأوطانهم، ونكتفي فقط بأن نطلب منهم أسباب هذا الحب أو البغض؟ لماذا لا نحاور أطفالنا بدلا من تلقينهم دروسا مكررة ومملة وفوق كل ذلك غير منطقية؟! الوطنية حالة فردية خاصة، إما مكتسبة أو غير مكتسبة، ولا يمكن فرضها بالقوة!

عندما كنت طالبا في المدرسة، كانوا يعلموننا الوطنية من خلال حفظ الأناشيد وقراءة تاريخ من الأمجاد، ثم كبرت ونسيت الأناشيد ولم أحفل بالأمجاد· الآن الوطنية بالنسبة لي أتلمسها في هذا الشعور اللذيذ في كل مرة أعود فيها إلى أرض الوطن، أشعر بدقات قلبي بطيئة ومتناغمة، أشعر بأمان واطمئنان، ويغمرني الشوق لرؤية قائمة من الأشخاص في انتظاري! أعتذر للقاريء إن كان مفهومي الخاص للوطنية بهذا التواضع!

 

fahad@taleea.com

�����
   
�������   ������ �����
معادلة رياضية لقياس الحرية
خطبة جمعة عصرية
الدقائق الأخيرة
عندما يرتفع السافل
في قفص الاتهام
المجتمع المحافظ والنزعة الفردية
أبحري يا سفينة الحمقى!
مفهوم الوطنية في ميزان العقل
الوطنية و حلبة الصراع من أجل السلطة
الديمقراطية واستبداد الأغلبية
إلا الدستور
... وحتى الدستور!
في انتظار جيل جديد
الشارع الكويتي ومثلث التظاهر
النجاح على قدر الصراخ!
وداعا...مبارك
هيبة الشيوخ و ضعف الدستور
التفكير النقدي
طريق الخلاص
المثقف بين الطموح وتسويق الذات
الأفكار الجديدة والتقاليد الموروثة
  Next Page

لبنات المجتمع الكبير:
د. لطيفة النجار
الثقل الخليجي مكوناته وتداعياته:
عبدالله محمد سعيد الملا
مشروع الورقة الرابحة:
سعاد المعجل
"مظفر النواب.. وتريات ليلية":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
مفهوم الوطنية في ميزان العقل:
فهد راشد المطيري
الديمقراطية الفرنسية والهوية الوطنية:
علي عبيد
جمعيات النفع العام في شراك الاستبداد:
فيصل عبدالله عبدالنبي
زين يسوّي فيك الصقر:
على محمود خاجه
العجز الاكتواري وصندوق التنمية:
أحمد سعود المطرود
الإصلاح والشكوك:
المهندس محمد فهد الظفيري
دروس من تقرير (فينوغراد)(2):
عبدالله عيسى الموسوي
حرّاس المستقبل:
ياسر سعيد حارب
التفكير من أجل التغيير:
د. فاطمة البريكي
دولة الرجال العربية المتحدة! :
علي سويدان