قال مذيع قناة العربية الفضائية في نهاية التقرير الإخباري حول وفاة ياسر عرفات: "إنه ترك فراغا من الصعب لأحد أن يملأه"، من المعروف كما هو بالحديث الشريف: "إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء الى يوم القيامة" وليس إذا مات السياسي الذي لا يتزحزح عن كرسي السلطة إلا بالموت، ولكن المجتمع يئس من المتلبسين بثياب علماء الدين الذين يصفهم الدكتور علي شريعتي بـ (الزور مرتديا ثوب التقوى) فهؤلاء بموتهم تسد ثلم العالم الإسلامي بسبب كثرة آرائهم وأفكارهم ومحاضراتهم التي لم نجن منها إلا تشويها للإسلام وتطرفا وتخديرا للمظلومين وزيادة في تجهيل الجاهلين وتطبيلا للظالمين وترويجا لتحجر العقل وسوء تفسير النقل وبث ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر وتأييد الباطل وإلصاق كل ذلك بالإسلام، والإسلام من كل ذلك بريء براءة الذئب من دم يوسف، فبعد كل هذا يتضح أن المظلومين وجدوا أن السياسيين هم من سيحقق لهم النجاة من الظلم والتخلف الذي يقبعون فيه، ولكن بالعالم الثالث السياسي باع القضية بسبب سياساته العنجهية وباع المحرومين لأنهم به وبإخلاصه كانوا موهومين، فلا نستغرب أنه عند وفاته يترك فراغاً من الصعب ملؤه، لأنه ليس فراغ سلطة كما يتصورون بل فراغ العقل العربي بالكامل الذي من الصعب ملؤه بمفاهيم التطور ونصرة العدالة والمظلومين واحترام كرامة الإنسان وحقوقه، فراغ كبير أحدثه السياسي الذي لا ضمير له ورجل الدين الذي لا دين له، فهذا الثنائي أفرغ عقل الإنسان العربي من كل مفهوم إيجابي يساعد العالم الإسلامي على النهوض، بحيث يئس الناس وفقدوا الأمل بالإصلاح وأصبح حلمهم بالتقدم والنهوض كحلم إبليس بالجنة، وقد سخر الشاعر أحمد مطر من هذا الثنائي المقيت القائم على تواطؤ مفضوح بين الحاكم العربي ورجل الدين بقوله: "قال لنا أعمى العميان (أحد مفتي السلاطين) إن تسعة أعشار الإيمان في طاعة أمر السلطان"· ولم يتردد بعض الوعاظ في الإفتاء بضرورة الانصياع للحاكم طالما أنه يصلي كما لو أن الصلاة تشفع له كل أخطائه وانحرافاته وانتهاكاته الكارثية! إنه تحالف وثيق ومشبوه بين الطبقة السياسية والطبقة الدينية للتحكم بالرعية وإبقائها تحت السيطرة الأبدية، فرجل الدين المزيف يضعف العقول ويجعلها مفتوحة لتقبل كل ما يقوله السياسي من غير التفكير فيما يقال هل هو واقع أم ضرب من الخيال، فهم يتبنون السياسة التي انتقدها الفيلسوف الفرنسي فولتير بقوله: (السياسة هي فن الخداع وتجد لها ميدانا واسعا في العقول الضعيفة) ولكن ملك الموت ينزع حكام الجور وعلماء البلاط والكراهية عن كراسيهم واحدا تلو آخر ليزرع الأمل ويشجع الناس على النهوض وملء الفراغ، ويا ليت الشعوب تستجيب!!
machaki@taleea.com |