قبل ما يقارب من ثلاث سنوات شهدت حادثة غريبة جعلتني أفكر في مدى مطابقتها للواقع العام الذي نعيشه في الكويت وهذه الحادثة لا تعدو كونها نموذجا مصغرا للكوارث الأعظم·
وقعت هذه الحادثة في محول الكهرباء في منطقة شرق حيث صادف مروري بجواره في الساعه الرابعة عصرا وشاهدت دخانا بسيطا ينبعث من أسفل المحول فساورتني الشكوك حول مصدره فذهبت إلى مكتبي المطل على المحول من أعلى فشاهدت الدخان ينبعث من جميع النواحي المحيطة بالمحول من أسفل و بشكل خفيف لا يلاحظه الكثيرون فبادرت بالاتصال على وحدة إطفاء المنطقة التي هي بالمناسبة تطل مباشرة على المحول من الخلف فأجابوني بأن المعنيين سيتخذون الإجراءات الكافية·
بعد مرور نحو نصف ساعة وارتفاع أعمدة الدخان اتصلت مرة ثانية وأبلغتهم بأن الدخان يطاول نافذة غرفتي فأبلغوني بالتريث إذ الموضوع تحت المتابعة ولا أعلم أي نوع من المتابعه كان يقصد؟!! وبعد فترة بسيطة تصاعدت ألسنة اللهب وبدأت تحرق في المحولات وعندما وصلت بعض عربات الإطفاء متثاقلة وعلى استحياء شديد عندها كانت المفاجأة، فعربات الإطفاء لم تكن مجهزة بعربات إطفاء الحرائق الكهربائية وساد الصمت والذهول واشتعلت النيران معلنة عن حريق ضخم فتجمع رجال الأمن وتجمعت الجماهير وهنا دبت الفوضى في صفوف رجال الأمن وبدؤوا يفرقون جموع الجماهير التي كانت تراقب الفشل الذريع للدولة في مواجهة الشرارة، وما هي إلا لحظات حتى دب صوت انفجار انقطعت على إثره الكهرباء عن المنطقة، وجاءت جموع القيادات الأمنية برئاسة اللواء والفريق والعميد وأخرين وواستطاعوا أن ينظموا صفوفهم ولكن في الاتجاه المعاكس، حيث الجماهير واقفة على بعد كبير من الحريق وكان الكل زعيما في مواجهة الجموع وليس الحريق، إلا أن سببا ما كان وراء مطاردتهم للجماهير وأتمنى ألا يكون عدم رغبتهم في أن يرى الناس تعاملهم الضحل مع الكارثة·
وفي أثناء الهيجان الأمني جاء أحد رجال الشرطة للتجمع الذي كان يضمني وأحد أصحاب الشركات المجاورة لشركتي، فأمرنا بالانصراف إلى منازلنا بطريقة عدوانية فأبلغه جاري بأنه قلق على شركته فرد عليه الشرطي بأنه لم يكن يعنيه بل يعنيني أنا، وفجأة تذكرت النص الدستوري >المواطنون سواسية في الحقوق والواجبات< فلماذا إذا خصني الشرطي بأمر الابتعاد؟ هل كان أكثر حرصا على سلامتي من سلامة جاري؟ أم أنه استحقرني لأنني كنت أرتدي >الشورت< واحترم جاري لأنه كان يضع الغترة والعقال؟ فامتنعت عن الامتثال لأوامره العنصرية انطلاقا من أن التمييز في تطبيق القانون عنصرية خاطئه فطلب مني أن أمثل أمام وكيل الوزارة الذي كان يحضر الأحداث أيضا، وعندما مثلنا أمام الوكيل أبلغه الشرطي بأنني لم أمتثل لأوامره ولم يبلغه بأنه كان عنصريا في أوامره فما كان من الوكيل إلا أن ألقى علي خطبة حول حرص الدولة على أفرادها ومواطنيها خطبة لو كنت أمتلك موهبة التلحين لحولتها لنشيد وطني ليتغنى بها الأطفال ولا يؤمنون بها أسوة بتلك التي يهتفون بها في الطابور المدرسي كل صباح·
المهم وبعد ساعة من الانتظار والأدخنة التي تغطي السحاب والأرض وبعد أن استطاع رجال الأمن من دب الفوضى في العمارات المحيطة وإخلاء من فيها وأمرهم بترك مكاتبهم مفتوحة على مصراعيها والتوجه لمنازلهم و بعد أن أتت النار على معظم المحولات جاءت عربة إطفاء الحرائق الكهربائية وأطفأت ما تبقى من نار خلال 30 ثانية، فأين كانوا من البداية ؟!!
هل تؤيدونني الرأي بأن هذا الحريق يذكرنا إلى حد كبير بالكويت؟ هناك أحداث صغيرة في المجتمع و الدولة ينبه إلى عواقبها المخلصون من أهل البلد و يعلنون عن تفاقمها و يحذرون من مخاطرها فتقوم السلطات المعنية بتجاهل تلك النداءات بل أنها تسعى بفوضوية إلى إخراس هؤلاء الأشخاص إن لم تعاقبهم علما بأن معالجة الموضوع لن تستغرق سوى الإخلاص والجهد والوقت اليسير والإرادة الحقيقية ولكن بعد فوات الأوان· |