قضيت إجازة تعيسة هذا الصيف، فقد أجريت لي عملية جراحية في القاهرة كانت صعبة ومؤلمة بكل المقاييس، وما زاد الطين بلة أنني كنت وحيدا، إذ مكثت هناك في شقة أكثر من شهر ونصف لا أبرحها إلا نادرا، وبين الألم والوحدة كانت هناك ساعات طويلة للمكاشفة مع الذات واسترجاع أحداث مررت بها والنظر الى خيارات شكلت مسار حياتي، وقد كانت هناك مناسبة لزيارة مكتبة مدبولي العامرة، حيث اشتريت بعض الكتب ومنها ديوان أحمد رامي الذي يحوي ترجمته لرباعيات الخيام، الأثيرة على نفسي، ولاحظت أن ترجمة رامي تميل الى الترجمة العامة بعكس ترجمة أحمد الصافي النجفي، وفي تلك الوحدة وذاك الألم كانت الرباعيات بالترجمتين تحضرني وبالذات تلك التي تقول:
يا قلب هب أنك نلت الأملا
وروض أفراحك بالنبت حلا
فلست في روض الهنا سوى ندى
هوى لدى الليل وفي الصبح علا
أو تلك الرباعية التي كان يحبها صديقي السابق محمد أشكناني والتي تقول:
خيام طب إن نلت نشوة قرقف
وحباك وردي الخدود وصالا
إن كان عاقبة الوجود هي الفنا
فافرض فناك وعش سعيد بالا
وكان بيت المتنبي المشهور يتردد علي كثيرا والذي يقول فيه:
ولو أن الحياة تبقى لحي
لعددنا أظلنا الشجعانا
وما كان يؤلم أكثر في هذه الوحشة هي صدود الأصدقاء والأحباء وبالذات من أهل المنبر الديمقراطي، فلم يكلف هؤلاء أنفسهم عناء السؤال· والحق أن علاقات أهل المنبر وأعضائه ضعيفة بل هي أوهى من خيط العنكبوت، وهذا النقد ينطبق على كاتب هذه السطور قبل غيره، على العموم، هذا الصدود والهجران لا يغير من موقفنا السياسي، إذ مازلت أعتقد أن المنبر الديمقراطي إطار ممتاز للعمل الوطني التقدمي، ثم إننا حينما تبنينا ما ظللنا نعتقد به طوال مرحلة وعينا الوطني، لم نتبنه إرضاء لزيد أو كرها لعمرو، بل تبنينا الأفكار الوطنية التحررية لأنها تؤدي الى خلق مجتمع التكافل والمساواة، حيث يتنعم فيه أفراده بالحرية والثرة والرفاه ويعيشون حياة كريمة، فحسبنا رضا النفس وراحة الضمير·
ولعل الدافع الذي كان يحركني طوال حياتي للعمل العام والسياسي على وجه الخصوص، رغم تغير الظروف وتبدلها، ورغم تبدل الرؤى وتحولها، الإيمان بأن هناك بديلا أفضل من الواقع الموجود، وأن هذا الواقع لا يمكن تغييره نحو الأفضل إلا بالعمل الجماعي، مهما كان بسيطا وبدائيا، وبالتالي استطعت أن أعصم نفسي من الوقوع في براثن اليأس ومن ثم الانزواء الى الحياة الخاصة!!
alyusefi@taleea.com |