قضيت الأسبوع الماضي في رحاب الفلسفة الكلاسيكية مقلبا دفاترها وباحثا في أروقتها ومنقبا في مناجمها ودارسا لقوانينها ومفاهيمها وكل ذلك بمثابة رياضة ذهنية وفكرية أمارسها باستمرار من أجل تنقية وتجديد وإعادة إنتاج أدوات وقواعد ومنطلقات التحليل لكل ما يواجهنا من مشكلات ومعضلات ووقائع وما تفرزه الحياة من ظواهر وأحداث من مقارنة واستقراء واستنتاج خصوصا ونحن نعيش في غمرة "الحدث التاريخي العراقي" وهذه الانعطافة التاريخية العراقية الكبرى والتي بدأت منذ لحظة سقوط أبشع نظام دكتاتوري عرفه التاريخ المعاصر للبشرية لأن الفلسفة الكلاسيكية هي الخلاصة المكثفة للمعرفة الإنسانية على مر التاريخ وهي جهد مجيد للفلاسفة العظام عبر وبصدق وبشكل مبدع وخلاق عن التكثيف العقلي الخارق والتركيز المدهش لهؤلاء الأفذاذ الذين تركوا لنا تراثا يتجدد باستمرار ولا يستنفد مهما اغترفنا من معينه ونهلنا من خزينه·
وكانت الحصيلة هذه الاقتباسات والتي على ضوئها سنحلل "الحدث التاريخي العراقي"، تقول الفلسفة: "يصنع التاريخ بنحو تحصل معه النتيجة النهائية دائما من تصادم كثرة من الإرادات الفردية مع العلم أن كلا من هذه الإرادات تصبح ما هي عليه بالفعل وذلك من جديد بفضل طائفة من الأحوال الحياتية الخاصة وهكذا يوجد عدد لا يحصى من القوى المتشابكة، مجموعة لا نهاية لها من متوازيات أضلاع القوى، ومن هذا التشابك تنجم محصلة واحدة هي (الحدث التاريخي) وهذه النتيجة يمكن أيضا اعتبارها نتاج قوة واحدة تفعل فعلها ككل واحد، ذلك أن ما يريده امرؤ يلقى المعارضة من جانب أي امرئ آخر وتكون النتيجة النهائية ظهور شيء لم يرغب به أحد وعلى هذا النحو يسير التاريخ، كما سار حتى الآن، أشبه بتطور طبيعي، إن هذه الإرادات لا تبلغ ما تريده بل تتمازج في شيء وسط، في قوة محصلة مشتركة واحدة، من هذا لا يجوز مع ذلك الاستنتاج أن هذه الإرادات تساوي صفرا، بل بالعكس فإن كل إرادة تشترك في القوة المحصلة وتندرج فيها بالقدر نفسه"·
ونقرأ أيضا: "إن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم ولكنهم صنعوه حتى الآن دون أن يسيروا على هدى إرادة مشتركة وخطة مشتركة واحدة وحتى خارج إطار مجتمعي معني، محدود بصورة واضحة، إن مصالحهم ومساعيهم تتشابك ولهذا تسود في جميع هذه المجتمعات: الضرورة، الحاجة، المصلحة"·
ولذلك كله أقول إن "الحدث التاريخي العراقي" الذي نعايشه لم تصنعه قوة واحدة ولا حزب واحد ولا فعالية واحدة مهما كان نوعها ولا إرادة واحدة بل صنعته مجموعة كبيرة ومتشابكة من القوى والأحزاب والفعاليات هذا الكم والتراكم الهائل لم يكن وليد مصادفة أو رغبة طارئة أو هو وليد ساعته ولا هو مفاجأة بل جاء نتيجة عمل مثابر دؤوب بدأ منذ أن تسلمت عصابة البكر - صدام السلطة كاملة في 17-30 يوليو عام 1968·
لكن كل حدث تاريخي له خصوصياته وتمايزاته فحدث إسقاط النظام في9 أبريل 2003 له خصوصية جديدة وغير مسبوقة إذا اشتركت في إنتاجه وإنجازه مجموعة كبيرة من القوى المحلية العراقية والمغتربة والقوى الإقليمية والدولية، شبكة كبيرة وتتسع باستمرار خصوصا على الصعيد العراقي الذي يشهد الآن تشكيل ونمو العشرات من القوى الجديدة والفعاليات الجديدة بينما كانت جميع الأحداث التاريخية أحداثا محلية مع بعض المؤثرات الخارجية الهامشية لكن في الحالة العراقية فإن العوامل الدولية والإقليمية كانت حاضرة وبكل قوة وفعالية وتأثير في صناعة الحدث العراقي وهذه في اعتقادي سابقة جديدة لم يشهدها العراقيون وليست لهم خبرة للتعامل معها·
ليس هذا فحسب بل إن الحدث العراقي وكنا نسميه بالقضية العراقية أصبح عاملا مهما وأساسيا في التوازنات الدولية وكتلها المختلفة ومصالحها المتنافرة وأضحى حاضرا وبقوة في أنساق وسياقات السياسة الدولية والإقليمية والصراعات التي نشهدها وأصبحت الورقة العراقية رابحة بيد أطراف وقوى وخاسرة بيد أطراف وقوى أخرى·
لكن يبقى العراق وحدثه التاريخي محكوما بشروطه وظروفه الداخلية المحلية خصوصا بعدما تحرر من سلطة صدام الاستبدادية وأصبح العراقيون يمارسون الحريات العامة، حرية الرأي والتعبير، التظاهر، الاحتجاج، التنظيم، الانتخابات المحلية وشيئا فشيئا بدأ الوضع الداخلي العراقي وقواه المحلية يثبتون قدراتهم ويؤكدون فعالياتهم وينظمون صفوفهم بعد أن فاقوا وتخلصوا من كابوس النظام البائد وسيتسع الحضور العراقي ويترسخ ويتسع ويقوى عندما يعود العراقيون المغتربون "أربعة ملايين عراقي" الى بلادهم وهم معبؤون ومشبعون بالخبرات والتجارب والمهارات العالية والمتنوعة وسيصبح العراق المركز والمحور وأقصد الوضع الداخلي العراقي لكل الأطراف والإرادات والعوامل التي اشتركت وساهمت في صناعة "الحدث العراقي التاريخي" بإسقاط نظام صدام الدكتاتوري وفي اعتقادي فإن هذا سوف يتحقق في المدى المتوسط فالدولة هي العراق منذ تكوينها قبل آلاف السنين أما السلطة فهي التي تتغير بين مرحلة وأخرى والدولة الحديثة ينبع تشكيلها بصورة أساسية من شكل الاقتصاد ومن استعماله المناسب مثلما يولد الطفل من جماع الرجل والمرأة كما تعلمنا الفلسفة لكن المبادئ الأخلاقية والإنسانية ستكون حاضرة ومؤثرة في هذا التشكيل وفي توازن المصالح والحد من اندفاعاتها السلبية والسعي لخدمة الإنسان وتحقيق شروط حياته وتأمين حقوقه فالمبادئ الأخلاقية والإنسانية أصبحت تلعب دورا كبيرا وحضورا جيدا في السنوات الأخيرة من عمر عالمنا المعاصر بفضل منظماتها وهيئاتها وشخصياتها المرموقة·
الاستثمار الكويتي في العراق
بعد فوز بنك الكويت الوطني في عقد تأسيس بنك التجارة العراقي، فازت شركتا الوطنية والاتصالات المتنقلة بعقدين للهاتف النقال في العراق، ونحن في الوقت الذي نهنئ الجميع بهذا الفوز نؤكد أن السوق العراقية سوقا واسعة وفرص الاستثمار فيها كبيرة ولا حدود لها والتنافس العالمي واسع أيضا وهذا يتطلب الجرأة وسرعة المبادرة والمبادأة في تقديم العروض والمساهمة الجادة في التنافس ويتطلب أيضا قاعدة عريضة ومركزا للمعلومات عن المشاريع المطلوبة والمناقصات تبادر الى إنشائه غرفة التجارة والصناعة ومكتبا للعلاقات العامة يجري اتصالاته وعلاقاته بالسوق العراقية ويقوم أعضائه بزيارات ميدانية مستمرة الى العراق ونشر إعلانات في الصحف العراقية عن قدرات واختصاصات وعناوين المستثمرين الكويتيين وإنجازاتهم على صعيد الاستثمار·
كذلك الاستعانة بالمركز العالمي للمعلومات عن مشاريع إعمار العراق الذي أنشأه السيد عبدالحميد المزيدي - رجل الأعمال المعروف وعنوان المركز :
www.reconstructionofiraq.com
hamid@taleea.com
|