الشعوب الحية هي التي تستطيع برغم تعدد أديانها وطوائفها ومذاهبها وقومياتها أن تجعل هذا النسيج الوطني متعدد الألوان والأطياف مترابطا متراصاً، وتحاول رغم صعوبة الاختلاف أن تجد لها أهدافا واضحة تجتمع حولها وتمثل بالنسبة إليها المصير والمصلحة العليا والأمل المنشود والعيش بكرامة، والحرية والاستقلال عن الآخرين والاكتفاء بالموجود وتطويره وتنمية قدرات المجتمع والاستعانة بالآخرين دون ربط مصير وجودها به·
هذه الشعوب هي التي تحاول جاهدة أن تجد لها موضع قدم في خريطة العالم الحديث المعاصر، وهي التي تستفيد من تجاربها السابقة وتجارب الآخرين في التقدم والرقي وصنع حياة أفضل طالما أنها تؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع وأن لا أحد مهما كان يستطيع احتكار الحقيقة وأن كل طائفة وفئة بما لديها فرحون، وكل على دين أبيه لم يختره بمحض إرادته ولم يستشر أصلا، والفئات والطوائف كثيرة والناجية هي بعلم الغيب والحقيقة لا يعملها إلا الله سبحانه وتعالى، وما دام الأمر على هذا النحو فالواجب أن نتمكن من وضع آلية للعيش السلمي المشترك على الأقل في هذه الحياة ونترك كل اختلافاتنا الغيبية لمن بيده الملك·
وإذا رجعنا الى مناقشة أوضاعنا في الكويت كوننا من شعوب هذا الكون، فإننا نجد أننا ورغم تعرضنا للكثير من الأزمات والصعاب والمشاكل والغزو والاحتلال والتشريد، إلا أننا لم نتمكن من النهوض والعمل الجاد نحو الارتقاء بوطننا الذي هو سر وجودنا وبقائنا واستمررنا بكل إصرار وتحد بالإساءة لهذا الوطن الجميل وتهديم مقومات وجوده وغلبت علينا الأنانية في كل قرار نتخذه وأصبحت المصلحة الخاصة نبراسا نسير على دربه واضمحلت الروح الوطنية والابتكار والإبداع وربطت دائما بالمقابل واستشرت بالمجتمع روح الانتهازية والوصولية والنفاق ولم يعد للموهوبين والمبتكرين والمبدعين مكان بيننا، بل إننا نخلق الأعذار والمبررات لكل مسيء حتى نسير على دربه ولا يلومنا أحد، وأصبحت سياسة عدم المبالاة واللهث وراء المصالح شعارا عاما يرفع ويطبق دون استشعار بخطورته بل يجد من يؤيده ويدفع به للأمام وتلاشت المصلحة العامة وانهزمت أمام المصالح الشخصية الضيقة وأضحى هذا البلد كالبقرة الحلوب في نظرهم وتكالبوا عليها من أجل الحصول على حليبها دون تقديم الغذاء والدواء والجو الصحي والرأفة بها حتى تستمر بدرّ الحليب!
فالكويت كوطن وكيان سيبقى على مر العصور والأزمان، ووجوده سطره الآباء والأجداد وحافظوا عليه ودافعوا عنه وأرسوا دعائمه وعزته، هؤلاء لم ينظروا لمصالحهم الدنيوية الزائلة بل ساهموا بصنع وطن وتشبثوا بالأرض وضحوا من أجله لا طعماً في مصلحة بل في إرساء كرامة ووجود، لم تلههم قضايا دينية أو عرقية عن ذلك ولم يعرف عن الكويت أنها من الدول التي تنظر بمنظار عصبي ديني لزبنائها، ولم تفرق بين مذاهبهم المختلفة منذ نشأتها، فلم يكن للشيعي والسني ولا البدوي والحضري ولا للعربي والأعجمي أدنى اعتبار أمام مصلحة الوطن العليا، فالجميع أبناء الكويت والبقاء للأفضل ولمن يقدم خدمة للوطن هذا في الماضي أما اليوم فالوضع مختلف فالتعصب الطائفي والمصلحة الخاصة هي السائدة في المجتمع·
وكل عام وأنتم بخير ومبروك عليكم الشهر·
nayef@taleea.com |