أمام كثير من وقائع الحياة المعاصرة، لا يسع المواطن إلا أن يسقط في تناقض واضح عند تأمل واقع حياتنا بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نتحدث عن الديمقراطية ونمارس الاستبداد، وحين نخوض في التنمية والعدالة الاجتماعية، نمارس الاستغلال والظلم الاجتماعي، ننادي بالتحديث والإصلاح ونجري وراء التخلف الاجتماعي والقهر السياسي والفكري، فبعض الإخوة المتحدثين من أصحاب القرار السياسي في ندوة "المنطقة والمستقبل" التي تنظمها لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية يؤكدون على ضرورة التحول الى الديمقراطية كشرط للتنمية والتحديث، وأنه لا يمكن أن يأخذ هذا التحول مساره الصحيح إلا "بإصلاحات سياسية جادة" نحو توسيع نطاق المشاركة السياسية وبناء دولة المؤسسات وحماية حقوق الإنسان وتمكين منظمات المجتمع المدني، إذا لا بد في ظل الالتزام الأدبي والأخلاقي "قبل السياسي" أن تترجم تلك الأقوال الى وقائع قائمة وحقائق مشهودة من خلال تشريعات وقرارات تشيع مناخا ديمقراطيا متفتحا ومستنيرا، يقدر قيم الحرية والعدالة والتسامح، لكن حينما نقارن تلك الأطروحات ومواقف أصحابها، فإننا لا نجنح الى الخيال أو نتجاوز المعطيات الواقعية عندما نرى مظاهر ثقافة التلون والنفاق السياسي عند اتخاذ المواقف نحو قضايا الإصلاح والحريات العامة، فالتناقض كان واضحا وجليا بين القول والفعل في الكثير من القضايا وإذا ركزنا حديثنا فقط على الفترة القليلة الماضية فسنجد التناقض بارزا في الموقف الحكومي المعلن والممارس على أرض الواقع في قضية مثل قضية أملاك الدولة والاعتداءات الصارخة عليها وهو الأمر الذي فضحه استجواب النائب السابق عبدالله النيباري مرورا بطرح مواضيع: حقوق المرأة السياسية، وقانون الصحافة، وإشهار جمعيات النفع العام، وقانون التجمعات، ومشروع تعديل الدوائر الانتخابية، وانتهاء بإحالة الأسئلة البرلمانية الى المحكمة الدستورية·
فالحقيقة التي يجب ألا تخفى على أحد هي أن نظام الحكم السياسي لا يقر بالتعددية والديمقراطية الحقة، ولا يملك الإرادة السياسية الصادقة الراغبة بالتغيير والتطوير، وأصبحت علاقة التبعية السياسية للسلطة التشريعية علاقة صريحة واضحة ومباشرة تحول فيها المجلس عن طريق أغلبية نوابه وممثليه الى مجرد جهاز حكومي كأي جهاز وظيفي آخر، فدعوة الإصلاح تحتاج أكثر من خطابات إنشائية وشعارات رنانة، إنها تحتاج الى تفعيل الممارسة الديمقراطية، وتذليل معوقات التنمية السياسية، والعمل على إنضاج الظروف العامة والمناخ السياسي المواتي لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع وفقا لنظام ديمقراطي مؤسسي يكفل للطرفين حقوقهما وأدوارهما· |