من الصحيح أن دستور الكويت في مادته السادسة والثلاثين ينص على أن لكل إنسان حرية التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة، لكن الواقع يقول إن هذه المادة الدستورية تكاد تكون مجرد حبر على ورق وهي أقرب ما تكون إلى الحلم منه إلى الواقع لأنه ليس هناك قنوات متاحة لمن يريد أن يعبر عن رأيه لكي يقوم بذلك، وعلى هذا تكون مسألة حرية التعبير عن الرأي كما يقول المناطقة "سالبة بانتفاء الموضوع" أي أنها صحيحة من الناحية النظرية ولكنها غير ممكنة التطبيق عمليا لفقدان صاحب الرأي الوسائل الكفيلة للتعبير عن هذا الرأي·
إذا كانت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية من إذاعة وتلفزيون محتكرة للإعلام الرسمي وهي تعبر فقط عن وجهة النظر الرسمية ولا مكان فيها للرأي المخالف إلا ما ندر، وإذا كان حق إصدار الصحف "معلقا" منذ أكثر من ربع قرن دون مبرر منطقي، وإذا كانت الصحف الموجودة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، والكتابة فيها محكومة بخطوط حمر كثيرة يضعها ملاكها وفقا لاعتباراتهم الذاتية ومصالحهم الخاصة وهو أمر مبرر باعتبار أن الصحيفة لا تعدو عن كونها مشروعا تجاريا يبتغي صاحبها الربح، ولعل ما حصل قبل أيام عدة من امتناع أربع صحف من بين الصحف اليومية الخمس من نشر أي مقالة تؤيد الاستجواب المقدم لوزير الصحة أو تتعرض بالنقد لخدمات وزارة الصحة مما شكل حاجزا فولاذيا "لحماية" الوزير أقوى بكثير من سور برلين الشهير، وهذا دليل صارخ على أن المصالح الشخصية والاعتبارات العائلية هي التي تحكم مساحة الحرية في هذه الصحف وأن الحرية المزعومة لإبداء الرأي يجب أن تمر بعملية "فلترة" واختبار صلاحية للتأكد من عدم تعارضها مع هذه المصالح، أقول إذا كانت كل هذه "الحواجز" موجودة كيف يمكن للمواطن أن يمارس حريته في التعبير عن رأيه، وهل بالفعل يحق لنا أن نفتخر ونقول إن دستورنا ينص على حرية التعبير من دون أن تكون هناك وسائل متوافرة ومتاحة لممارسة هذه الحرية؟! عندها لا يبقى للمواطن إلا أن يعود للعصور الحجرية ليمسك "طبشورة" ويكتب على "الطوفة"·
ثم حتى لو استطاع هذا المواطن أن يكسر كل هذه الحواجز ووجد موطىء قدم ليصل صوته عبر الصحف التي تتبنى حرية الرأي "النسبية" فإن "سيف" قانون المطبوعات "الحجري" الذي لا يزال يتعامل "بالروبية" يلاحقه هو والجريدة التي يكتب بها بالعقوبات التي تصل إلى حد الحبس·
المطلوب من قانون المطبوعات الجديد الذي مازال "يطبخ" في اللجنة التعليمية لمجلس الأمة أن يرفع كل هذه القيود عن حرية إبداء الرأي وخاصة فيما يتعلق بحرية إصدار الصحف لأنه من غير المقبول ألا تمر حرية الرأي إلا من خلال مصالح وقناعات مجموعة من العوائل والفعاليات في المجتمع·
العاقل هو من يعي ويدرك أن إفساح المجال للناس للتعبير عن آرائهم يعد صمام أمان للمجتمع لأن ممارسة هذه الحرية تعني تنفيس الكبت والاحتقان الذي يشعر به الناس من جراء "البلاوي" التي يرونها تجري من حولهم، ولعل تعطش الناس للاستجواب والاستمتاع بتعرض الوزير "للبهدلة" دليل على أنهم يجدون في ذلك متنفسا يعبرون به عما في أنفسهم من مشاعر رفض واحتجاج على ما يمارسه أهل القمة عليهم من حجر للرأي·
salahma@yahoo.com |