| كان سماحة الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين رئىس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان من أكثر الرموز الدينية الشيعية العربية اهتماما بحض الشيعة العرب على الاندماج في مجتمعاتهم والانخراط في مشاريع بلدانهم الوطنية وألا يكون لهم مشاريعهم الانعزالية الخاصة ذات المنحى الطائفي الضيق، وظل الفقيد يشدد على هذه الدعوة حتى الرمق الأخير من حياته·
وليس غريبا أن تصدر منه مثل هذه الفكرة - الدعوة العقلانية المتحضرة - باعتبارها تنسجم مع مواقفه وإسهاماته الفكرية سواء في التأليف أم في مختلف المنتديات والمحافل التي يدعى إليها، حيث يركز دائما المفهوم المدني كأساس لقيام وتوطيد المشاريع الوطنية الكبرى سواء على مستوى الأمة أم على مستوى الوطن، كما كان يطالب دائما بإلغاء الطائفية السياسية في بلاده لبنان والتي غرس بذرتها الاستعمار الفرنسي قبل رحيله من البلاد مستفيدا من خلفية ملابساتها السياسية والاجتماعية والدينية في التاريخ اللبناني·
ومع إقراره بما يحمله المسلمون والمسيحيون في بلاده من ذكريات مريرة ومؤلمة لصراعات نسج دسائسها الحكام والساسة المنتفعون وأقحموا فئات الشعب فيها باسم المسيحية والإسلام إلا أنه دعا الجميع إلى فتح صفحة جديدة والاتجاه نحو المستقبل بروح التعاون·
ولم يتوان الفقيد الراحل عن التذكير بدور المسيحيين العرب وبخاصة من أبناء الكنائس المشرقية في لغة الحوار والتقارب بين المسيحيين والمسلمين·
من هذا المنطلق وإيفاء لمبدأ الحوار كقيمة فكرية وسياسية ظل الإمام الراحل شمس الدين ينافح ويجاهد ويبذل ما يستطع إلى ذلك سبيلا لترسيخها، جاء تأسيس "مؤسسة الإمام شمس الدين للحوار" والتي أعلن قيامها في الاحتفال بالذكرى السنوية الثالثة لرحيل الإمام في الشهر الماضي "يناير" وهو الاحتفال الذي رعته المؤسسة الوليدة نفسها بالتعاون مع الجمعية الثقافية الخيرية التي يرأسها الصديق الأستاذ إبراهيم شمس الدين نجل الإمام الراحل والذي أرسل لي مشكورا بحوثا ودراسات وكلمات الاحتفال·
وفي كلمته الشافية التي ألقاها في الاحتفال يؤكد إبراهيم أن الحوار هو عنوان المؤسسة وهو هدفها وليس الإمام شمس الدين إلا رمزا لها، وأن "حوار الحياة" هو ما أراده الإمام أن يتحول إلى ثقافة يومية في الممارسة، لا أن يتكلس في علم نظري أو نشاط فوقي، بل أن يكون جزءا من ثقافة كل إنسان في أي مجتمع من المجتمعات مهما كانت الثقافة التي ينتمي إليها، أو اللغة التي ينطق بها، أو الدين الذي يدين به·· وهذا هو أحد أهداف المؤسسة الوليدة التي جعلتها نصب عينيها وفي صلب رسالتها التي حملتها على عاتقها·
ولما كانت تلك هي كلها الأفكار والمبادىء الوحدوية الوطنية والديمقراطية النيرة التي طبعت مسيرة جهاد الإمام الراحل ودافع عنها وأكسبته هذه المكانة والاحترام بين صفوف مختلف فئات ورموز شعبه الدينية والطائفية والسياسية والثقافية والاجتماعية وهي ذات الأفكار والمبادىء التي تنطلق منها مؤسسة الحوار، فلا عجب والحال كذلك أن تحرص ثلة من كبار الرموز والشخصيات المتعددة الانتماءات السياسية والدينية في بلاده على تلبية الدعوة لحضور الاحتفال الذي جاء تحت عنوان "مؤتمر شهادات وقراءات في جهاد الإمام الراحل واجتهاده" وأن يقدموا فيه إسهامات فكرية وثقافية مميزة·
ومن أبرز هذه الرموز مشاركة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، والبطريرك أغناطيوس الرابع هزيم "بطريرك انطاكيا وسائر المشرق"، والبطريرك غريغوريس الثالث لحام "بطريرك الروم الكاثوليك، والبطريرك آرام الأول "بطريرك الأرمن الأرثوذكس"، ومفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ بهجت غيث، والشيخ عبدالأمير قبلان نائب رئىس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ود· رياض جورجور أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط، والدكتور وجيه كوثراني، والدكتور سعود المولي، والدكتور طارق متري، والأستاذ سمير فرنجية، والأستاذ سليمان تقي الدين، والأستاذ منح الصلح، والأستاذ عمر مسقاوي·
ü كاتب بحريني |
