بعد تحرير بلدنا العزيز من براثن البعث الغازي، الفنان المشهور عبدالكريم عبدالقادر شدا بأغنية وطنية جميلة ومؤثرة بعنوان "وطن النهار" حقيقة لا أعلم تماما إذا كان أبو خالد أو أي أحد آخر مازال يترنم بتلك الأغنية بين الحين والآخر؟ شخصيا ما عادت تلك الأغنية الوطنية الأخاذة تستهويني كثيرا، ولا سيما بعد أن ساد الظلام والقنوط في مختلف أرجاء الوطن، وذلك نتيجة لسياسات السلطة التنفيذية وكذلك السلطة التشريعية الخاضعة لسطوة نواب ما يسمى بالخدمات (طبعا خدمات للحبايب والخلان ولا غير) وأيضا نفوذ نواب جماعات الإسلام السياسي الصرف في خداعهم للأمة والضحك على الذقون·· الويل والثبور لأولئك الذين يستغلون الدين من أجل مصالح الدنيا الفانية·

إن الانحدار الذي يشهده وطننا المغبون بحقه المتخم بالفساد والمفسدين في الأرض، يقول عنه الدكتور أحمد الخطيب، أمد الله في عمره وعافاه، أنه قد قضى ما يقارب الستين سنة في العمل السياسي حتى كسا الشيب شعره، فلم يجد مثل هذا الفساد المستشري لدينا!! قبل شهر تقريبا كنت في حوار مع أحد الإخوة حول الأوضاع المزرية في البلد، أخبرت صاحبي عن مدى تشائمي حيال مستقبل الأجيال القادمة، نظر الي مندهشاً وقال: يا عزيزي مصيرنا نحن غير مطمئن وغامض وأنت تفكر في الأجيال القادمة! ثم أردف قائلا يا أخي اضمن أنت حقوقك الآن ثم بعد ذلك لكل حادث حديث· الدكتور علي الزعبي المعروف عنه صراحته وجرأته، قال في المهرجان الخطابي الأخير الذي أقيم في جمعية الخريجين، "إن الفساد وصل عندنا كما هي الحال في بنغلاديش وربما أبعد!!"·

وحسب تقرير منظمة الشفافية العالمية فقد وصل ترتيبنا الى الـ 45 بيد أنه مازال البعض يعتقد أن الأمور وردية ولا تدعو للقلق، فمعظمنا في غفلة من أمره، والكثيرون أضحوا يلهثون خلف المادة والثراء السريع والكرسي بأي وسيلة مشروعة وغير مشروعة، أما مسألة البحث عن المصلحة والمنفعة واستغلال الآخرين بطرق ماكرة وانتهازية فهي بازدياد، يقول ارسطوطاليس: "عندما ننتظرو باستمرار الى النفع والمنفعة في كل شيء، فذلك لا يتناسب مع أولئك الذين تحرروا ووصل ذهنهم الى مرحلة عليا من السمو"·

والمثل الأعلى للرجل الصالح عند أرسطو، فهو الماهر الحاذق الوقور، المهيب الكيس الشهم الحر·· يا ترى كم واحد منا على هذا الوصف والصنف،؟ ولا سيما في هذا الزمن الأغبر الذي كثر فيه "الزعران" وقل فيه المخلصون·

المضحك والمبكي في الآن نفسه والمثير للعجب، حينما تعلن الدولة عن مشروع مدينة الحرير!! السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: يا جماعة الخير كل هذا الخرير والفساد الذي ينخر في جسد الوطن وأنتم تتحدثون عن بناء  مدينة الحرير؟ لا وبتكلفة 25 مليار دينار وتصل مدة إنشاء المشروع الى 25 سنة!! (يعني أقبض من دبش) أتصور أن ثمة التباس بالموضوع، أو ربما المقصود هو إعادة بناء أو ترميم سوق الحريم وليس بناء مدينة الحرير! على أية حال، إذا كان المسؤولون فعلا جادين في قضية البناء والإصلاح فعليهم أن يسرعوا في تعديل الدوائر الانتخابية وتطبيق النظام والقانون على الكل وبلا استثناء لإرساء دعائم التفاؤل والطمأنينة عند المواطن، ثم بعد ذلك يمكننا أن نحلم بمدينة يكسوها الديباج والحرير·

قانون تجريم الفرعية

في يوم الثلاثاء الماضي ذهبت للاقتراع في مدرسة أروى بنت الحارث لتكميلية المجلس البلدي، عندما اقتربت من محيط المدرسة شاهدت ولأول مرة مركبات وآليات مجهزة بأحدث التقنية وغرفة للعمليات، ناهيك عن الطائرة العمودية التي كانت تحوم أعلى المدرسة منذ الصباح حتى نهاية توقيت التصويت، في الواقع قبيل دخول الى باحة المدرسة، نظرت مرة أخرى لتلك الآليات والطائرة المروحية، وتساءلت في نفسي: هل يعقل أن وزارة الداخلية تملك كل تلك التجهيزات ولم يكن بمقدورها رصد ذلك المرشح الذي ظفر بكرسي المجلس البلدي عن طريق الفرعي"؟! وبالمناسبة لا أذيع سرا البعض الآخر من المرشحين الذين سعوا للفرعية ولم يصلوا الى اتفاق فيما بينهم، كان الأجدر بهم أن يفعِّلوا قانون تجريم الفرعية، وذلك من خلال مخاطبة رجال القانون ونواب الأمة، ولا سيما نواب الدائرة، وليس من خلال إقامة فرعية أخرى تمزق المجتمع وتدمر وحدته الوطنية·

freedom@taleea.com