رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 8 نوفمبر 2006
العدد 1749

الردع مطلوب أحيانا
د. حصة لوتاه

قبل مدة ذكرت إحدى الدراسات التي تم تطبيقها في مدينة دبي حول الزحام المروري ، والكيفية التي يمكن معالجته فيها، أن التخلص من هذا الزحام سيتطلب الصبر على مدى طويل،  وأنه لن يتغير إلا بعد جيل من الآن· حيث إنه كما لاحظنا وكما أشارت الدراسة ضمنا إلى ذلك، على أن الإشكال الأساسي يكمن في سلوكيات السائقين وكيف يكون بالإمكان تغييرها وتحولها بعد جيل من الآن·  من هنا يبدو لنا، أن المشكلات الحقيقية المتعلقة بهذا الزحام  والاختناق المروري الذي تعيشه مدينة دبي، والذي يشكل مشكلة جوهرية للحياة فيها، مرتبطة بدرجة كبيرة بسلوكيات السائقين، والذي يستخدم الشوارع عندنا يدرك هذه النتيجة حين يلاحظ أن الكثير من السائقين يضاعفون أزمة الاختناق هذه بسلوكياتهم غير المسؤولة وغير المهتمة بما يعانيه الناس على الشوارع· فالسائق المستهتر أو الأناني الذي لا يبالي إلا بنفسه حين يقود سيارته، ولا يعتني بوجود آخرين معه في الشارع، يبرز سلوكه في كثير من الأحيان مثلا حين يقرر استخدام جهات الموقف كشوارع يدخل فيها حتى يختصر طريقه، غير مبال بمن كان قبله على الطريق، أو حين ينعطف فجأة أمام رهط كبير من السيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أو العكس،  لأنه يريد الذهاب إلى وجهة أخرى، مما يتسبب في حجز السيارات التي كانت على الجهة التي قرر الانعطاف إليها ومنعها من التحرك وإرباك السير لبعض الوقت، مثل هذا السائق لديه مشكلات سلوكية وأخلاقية بحاجة إلى تغيير· السلوك السيئ الآخر الذي يتمثل في ظاهرة التفرج وإبطاء السير، وحتى أحيانا التوقف، من قبل بعض السائقين حين تكون هناك حادثة سير على الطريق·  هذا الإبطاء والتوقف نلاحظ أنه لم يحدث لأن الطريق قد سد من قبل حادثة السير التي وقعت عليه، أو أن السائق المتمهل يريد أن يأخذ حذره حتى لا يتسبب في وقوع حوادث أخرى، أو أنه  أبطأ لأنه مهتم بمعرفة إن كان بإمكانه المساعدة، كل هذه الأسباب ليست هي التي تدفع أولئك السائقين للإبطاء الشديد، بل ما نلاحظه دوما أن ما يدفعهم للإبطاء هو دافع الفرجة فقط، وليس أي سبب آخر، وهذا الأمر يبرز لنا بشدة حين تكون السيارات المتوقفة على الطريق بها عطل بسيط وخارجة عن مجال السير، أي أنها لا تسد أي من جوانب الشارع المستخدمة من قبل السائقين الآخرين، وبطبيعة الحال التوقف يزداد لو أن النازلات من السيارات المتوقفة هن مجموعة من السيدات، أو حتى واحدة من الفتيات، وهنا يكون سبب الفرجة له دوافع أخرى·

مشكلة أخرى نلاحظها أيضا ونعتقد أنها تتسبب في بعض الزحامات المرورية وهي أن بعض السائقين المستخدمين للطرقات الخارجية، والتي تكون السرعة فيها أعلى من تلك المستخدمة في شوارع المدينة، يصرون على التزام السير في جهة اليسار وهم يقودون سيراتهم بسرعة بطيئة جدا، مما يجعل انسياب السير معرقلا ويتسبب أيضا في الزحام وفي خلق مشكلات أخرى· وهذا الأمر ربما له صلة بأن الكثير من السائقين الموجودين على شوارعنا يأتون من بلدان تستخدم الجهة اليسرى، وليس الجهة اليمنى من الشارع، لذا فهم يسيرون بسرعتهم البطيئة على جهة اليسار ظانين أن من يريد تجاوزهم عليه أن يأخذ الاتجاه الأيمن، كما هي الحال في أنظمتهم·

إن النتيجة التي وصلت إليها الدراسة التي تمت لصالح حكومة دبي والتي تهدف إلى  معرفة الكيفية تستطيع بها تلك الحكومة إيجاد حلول لمشكلات الاختناقات المرورية، جعلتنا نشعر بالكثير من القلق والإحباط، لأنها انتهت إلى أننا بحاجة إلى الانتظار على مدى جيل كامل حتى نستطيع إحداث تغيير في سلوكيات السائقين ودفعهم نحو الالتزام بالقواعد والأخلاقيات المرورية التي تجعلهم يقدرون وجود آخرين معهم على الشارع ويحترمون حقهم في استخدامه· وهذا يعني فناء أعصابنا وصحتنا على المدى البعيد· كما أن هناك سبباً آخر لاحباطنا وقلقنا من هذه النتيجة يعود  إلى أننا نرى أن افتراضها لا يقوم على وعي بواقع البلد ولا بتركيبته السكانية وبالتالي فإن استنتاج الدراسة غير صحيح فيما وصل إليه·  فحين تقول الدراسة أنه مطلوب منا أن ننتظر جيلا كاملا حتى نستطيع التخلص من السلوكيات التي تتسبب في الاختناقات المرورية، واكتساب سلوكيات أكثر إيجابية تجاه الآخرين، أو مكتسبة للقواعد التي تتخذها المنطقة، فإن هذا الافتراض منطلق من الاعتقاد أن من يأتي إلى هذه البلد ينتظم ضمن نظام اجتماعي له أطره المحددة، وأنه يكتسب مع الوقت الثقافة المجتمعية السائدة ويتشرب تفاصيلها وخصوصياتها، وبالتالي تصبح سلوكياته منسجمة مع الإطار المجتمعي الكلي· وهذا أمر غير وارد وليس هو ما يحدث على صعيد الواقع، ليس فقط لأن الذين يأتون إلى هذه البلد يتغيرون باستمرار، ولكن لأن الساكنين فيها لا ينضوون تحت نظام اجتماعي أكبر، كما هي الحال في الكثير من الدول التي تأتي إليها الهجرات، بل  يبقون ضمن أطرهم المجتمعية الخاصة بهم، من حيث أن تعاملهم يكون متركز أكثر مع أنظمتهم الثقافية التي جاؤوا منها، كما أنه حتى أنظمة التعليم التي ينخرطون فيها هي أنظمة متسقة معهم ومتفقة مع احتياجاتهم هم، وهي ليست جزءا من أنظمة التعليم في المجتمع، وبالتالي فإن  السياق الثقافي الذي يعيشون فيه، وما ينتج عنه من سلوكيات لا يتغير كثيرا بل يبقى محافظا على خصائصه الأصلية، وهو ما يجعل السلوكيات في السياقة تتخذ شكلا من أشكال الاتفاق مع سلوكيات السياقة في البلدان التي جاء منها السائقون، ولا تنسجم ضمن إطار واحد أو متسق· وهذا بالطبع يزيد من مشكلات المرور، لكنه ليس هو الأصل فيها، لأن أصل المشكلة هو في العدد الهائل للسيارات المستخدمة في بلدنا، وغياب الاعتماد على المواصلات العامة بشكل قد يساعد على التخفيف من هذا الضغط·

 أن مشكلة الاختناق المروري لها أبعاد عدة بعضها متعلق بأخلاقيات البشر، وربما تدهورها، وبعضه الآخر متعلق بمشكلات اقتصادية، كون الوقت المهدور على الشارع كان من الممكن استثماره في إنجاز بعض الأعمال التي تعود بفائدة مادية على الفرد أو المجتمع، وبعضها الآخر   متعلق بالصحة العامة للإنسان، الجسدية والنفسية، ولعل هذا أهم هذه الأبعاد لأن الصحة هي الثروة الحقيقية التي نسعى، أو يجب أن نسعى جميعنا للحفاظ عليها، حيث إن المجتمع المريض مجتمع متدهور ولن يرقى إلى ما يطمح إليه، ولن تكون له مساحة في مجال المجتمعات التي تتمتع بالمزايا الجميلة· إن الزحام المروري لا يتسبب فقط في تلف أعصاب البشر وإحداث خلل في سلوكياتهم نتيجة تغليب المصلحة الفردية وإهمال حقوق الآخرين، بل إنه سبب مهم من أسباب تدهور صحة الإنسان العامة، والذي يحدث نتيجة للتعرض الكبير للمواد السامة التي تنفثها عوادم السيارات· إضافة إلى ذلك، التلف لا يحدث فقط في صحة الإنسان البدنية ولكن أيضا في صحته النفسية، إذ أظهرت بعض الدراسات التي تمت في القاهرة، على سبيل المثال، أن المواد التي يستنشقها الناس والسائقون في الشوارع تشكل عاملا مهما في دفعهم نحو العنف والإساءة لبعضهم البعض لما تحدثه في أجهزتهم العصبية من خلل·

لذا، فحين يقال لنا، من قبل شركة بحث أجنبية، أن علينا الانتظار جيلاً آخر حتى نستطيع إيجاد حل لمشاكلنا المرورية، أفلا تدفعنا هذه النتيجة إلى القلق والتشاؤم، بالطبع نعم· لكن القرار الصائب الأخير الذي أصدره سمو الشيخ محمد بن راشد، والمتعلق بمعاقبة السائقين غير الملتزمين بقواعد المرور والنتيجة التي لاحظناها بعده، قد غير من هذه التوقعات، لأنه يؤكد لنا أن الدول بحاجة أحيانا إلى أن تعمل على التأكيد  على قوانينها والتشدد في تطبيقها،  وأن هذا الأمر بحاجة إلى إرادة سياسية لتطبيقه حتى نستطيع الوصول إلى الأهداف التي نسعى إليها· إذ إن تجاهل القوانين وعدم احترامها هو ما يتسبب في إحداث المشكلات للناس· وهنا يحضرني مثل، إن المسافر إلى سنغافوره يلحظ مدى نظافة تلك البلد والتزام الناس، مواطنين وسائحين، بالحفاظ على تلك النظافة، ليس لأن كل من يوجد أو يأتي إلى ذلك البلد ملتزم بشروط النظافة كسلوك في نفسه، ولكن لأن هناك قوانين رادعة تعاقب كل من يتسبب في توسيخ المدينة، أو حتى رمي قطعة من العلك على شوارعها، كما يقال· وهنا أذكر بحادثة الشاب إنكليزي الذي تسبب في تشويه مكان عام هناك وحكم عليه قضاء سنغافورة بالجلد تنيجة لفعلته تلك، وكيف أنه بالرغم من تدخل الحكومة البريطانية  لإلغاء تلك العقوبة عن الفتى إلا أن القضاء السنغافوري لم يرضخ لضغطها وأصر على تنفيذ حكمه· وفي هذا المثل  ما يجعلنا نؤكد أن الجبر على احترم القوانين، إذا لم تحترم طوعا، واستقلال القضاء، أمر ضروري حتى تستطيع الدول الحفاظ على كيانها واكتساب احترامها بين المجتمعات الأخرى·

وليبارك الله في كل الخطى الخيرة التي تسعى إلى خير مجتمعنا والحفاظ على وجوده وعافيته، ونحن في انتظار ضوابط أخرى تضمن لهذا المجتمع مكانا تحت الشمس مسيجا بالعزة والأمن والرخاء·

جامعة الإمارات

�����
   

قراءة في التقرير السنوي لجهاز خدمة المواطنين:
عبدالحميد علي
هل "الإخوان المسلمين" يتطلعون لاحتلال كرسي نائب الحاكم؟!:
صلاح مضف المضف
"فيروسات" التأزيم و"جينات" الحرمنة!:
سليمان صالح الفهد
حقوق البدون:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
عزلة أمريكية؟؟!:
سعاد المعجل
دويلة:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
المثقف بين الطموح وتسويق الذات:
فهد راشد المطيري
لا لهم..
نعم للكويت:
على محمود خاجه
ميادين الرماية في الحرس الوطني:
المهندس محمد فهد الظفيري
الفعل والموقف يكشف حقيقة كل مراوغ:
محمد بو شهري
كويت بعد النفط:
المحامي نايف بدر العتيبي
الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات:
د. محمد حسين اليوسفي
تحولات المكان:
د. لطيفة النجار
عنصرية دولة الإرهاب:
عبدالله عيسى الموسوي
حتى لا تصبح دبي مثل القاهرة:
ياسر سعيد حارب
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الردع مطلوب أحيانا:
د. حصة لوتاه