رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 ربيع الأول 1427هـ - 5 أبريل 2006
العدد 1722

هذه الحمائم للذبح: "الكندورة" وبُعدها الدلالي
د. حصة لوتاه

تشتغل إحدى الباحثات اليمنيات واسمها الدكتورة فائقه حسن على دراسة الملابس اليمنية والرموز الثقافية التي تحملها، بما في ذلك العمائم وأغطية الرأس، وما تحمله من دلالات ومعان· وهي بذلك تفتح الآفاق في بلادها، وحتى في البلدان العربية، إلى تعميق الدراسات الثقافية التي تعنى بالتفاصيل  الصورية التي تشكلها الثقافات، وكيف نستطيع قراءة رموزها والاستدلال من خلالها على أمور كثيرة في حياة الشعوب· هنا في الإمارات اشتغل الباحث الشاب عدنان البحر في رسالة الماجستير التي أعدها في مجال الدراسات الإنسانية، مستخدما منهج علم الدلالة، أو كما يسمى استنادا على المصطلح الغربي "السيميولوجي" على الثياب الإماراتية وما تحمله من أبعاد  ثقافية، واشتغلت أنا أيضا في جزئية متعلقة ببحثي لنيل رسالة الدكتوراه على قراءة رموز الملابس والبحث عن دلالاتها الثقافية· وعلى الرغم من أن البعد الرمزي للملابس موجود في الثقافة العربية كجزء من موروثها العام، إلا أن الاشتغال عليه ضمن أطر بحثية حديثة مازال مجالا يحتاج للتعميق والاشتغال عليه، كونه يعطينا إدراكا كبيرا لما تحمله الثقافات من دلالات، حيث يتم التعامل مع الملابس، ليس لكونها فقط ساترا لجسد الإنسان ولكن كمجال تتجلى فيه القيم والوضع الاجتماعي، وحتى الرؤية الفلسفية للكون· فكما تشير بعض الدراسات في هذا المجال، يشكل الإزار أو التنورة الواسعة بعدا رمزيا في ملبس الإنسان يرمز إلى دائرية الكون واتصال تفاصيله ببعضها البعض، بما في ذلك رؤية المجموعات البشرية التي تستعملها لمفهوم الخير والشر، البقاء والفناء، الأنوثة والذكورة، القوة والضعف، الليل والنهار، أو الظلام والضوء، القوة والضعف، وهي الرؤية التي تتمثل بعمق في الثقافات الشرقية خصوصا، ومعظم الثقافات القديمة بشكل عام· في حين يرمز البنطال، بما تحمله صورته من انفصال بين رجلي الإنسان وعدم ضمها في إطار دائري، إلى الفلسفة الأوروبية المعاصرة، والمستندة بشكل أساس الى النظرة "الثنائية" للكون· وهي الفلسفة التي سادت في الفكر الأوروبي الحديث ومثلها  الفيلسوف الفرنسي ديكارت فسميت باسمه، وتدل في جذورها على انفصال الأشياء بشكل واضح، إذ ينظر من خلال هذه الفلسفة للشر على أنه نقيض الخير ولا يتصلان، والأنوثة والذكورة أيضا على أنهما نقيضان،  وكذلك القوة والضعف، إلى آخر تلك المنظومة· بطبيعة الحال المتعمق في معاني هذه الدلالات يرى أبعادها في النظرة الأحادية اليوم في الكثير من أشكال التعبير الغربية، وحتى في تعاملهم السياسي·          من هنا نرى أن الدراس في مجال البعد الدلالي للملابس لا يتعامل معها فقط على أنها، كما قلنا  في البداية، أقمشة نستر بها أجسادنا أو أننا نستعملها فقط لمجابهة تقلبات الطقس من حر وبرد، وإنما هي في الحقيقة، بما أضاف إليها الإنسان  من دلالات في الشكل أوالنوع، مجالا تتجلى فيه نظرتنا الكونية والصورة التي نريد أن نرسمها لأنفسنا أمام الآخرين· فالملابس، ضمن هذه العلوم،  شأنها في ذلك شأن تعاملنا الرمزي مع بعض المظاهر الجسدية كإطلاق اللحى أو حلاقة الوجه أو إطالة الشعر، إلى آخره، رمز لمكانة اجتماعية أو نظرة فلسفية للكون· ولعلنا نلاحظ هذه الأيام مثلا اهتمام بعض شبابنا المرتبطين بتراثهم الثقافي بشكل أكبر يسعون لاستعادة أشكال الملابس التي ارتبطت في أذهانهم بماضي أجدادهم· ونقرأ في هذا التصرف أن هؤلاء الشباب يريدون تعريف أنفسهم من خلال ارتباطهم بماضيهم وعدم تخليهم عنه· في المقابل يدلنا استعمال الملابس الغربية من قبل الشباب العرب على المدى الذي أصبحت فيه ثقافة العولمة هي السائدة في أوساط معينة من الناس وكيف أن الرموز الغربية، بما يشكله الغرب اليوم من سطوة على العالم، هي التي يتبناها شبابنا وينظر إليها على أنها رمز للتقدم ودلالة على مستوى أعلى من التعلم والرقي، بغض النظر عن وجود رؤية عميقة في أوساط بعض الفئات البشرية والتي ترى أن ما يمثله الغرب في الكثير من تفاصيله لا يشكل رقيا للحياة البشرية وإنما يرمز إلى تدهورها بشكل صارخ، كونه يأخذ التسلط والقضاء على الآخرين رمزا لسلوكه البشري· ونأتي إلى ما دفعني إلى الكتابة حول الدلالات الرمزية للملابس والاعتناء بهذا الأمر، وأن نعطيه  أهمية كبيرة، خاصة المعنيين منا بالشأن الثقافي والحضاري لهذا البلد الذي تأتيه تيارات العولمة  بدرجة تفوق قوة السونامي الذي ضرب بعض مناطق آسيا، لكن التصدي لهذا السونامي لديه مقومات إما ضعيفة أو أنه يأتي من مجموعات لا تمتلك صناعة القرار· الذي دفعني للكتابة حول هذا الموضوع الحديث الذي دار في الصحف قبل أيام حول ما إذا كانت المدارس الحكومية ستعيد النظر في اعتبار "الكندورة" زيا رسميا للتعليم أو أنها ستستبدلها بالبنطال· الأمر بطبيعة الحال، حتى لدى السذج، لا يجب أن يأخذ على أن الداعين لاستعمال البنطال يرون أن لابسيه أكثر مقدرة على التعلم أو التصرف بشكل حسن في الحياة·  إذ إنه لو كان هذا الأمر صحيحا لما كان للرسول صلى الله عليه وسلم مكان الصدارة في عروش العلماء، ولم يكن لعلماء المسلمين، بما فيهم إبن عربي وإبن سينا وإبن رشد والفارابي والفخر الرازي وعمر الخيام من القدماء وغيرهم ممن جاؤوا بعدهم، وحتى حكامنا، أي مكانة علمية أو اجتماعية  معتبرة، بشهادة الغرب حتى· وفي المقابل أيضا، لو كان لبس البنطال يساعد على التعلم أكثر لما كانت فلسفة الإغريق، والمتمثلة في أرسطو وأفلاطون وسقراط، وغيرهم ممن لم يلبسوا البنطال، هي الجذر الأساس الذي يغذي الحضارة الأوروبية حتى اليوم· 

مسألة الدعوة إلى التخلي عن "الكندورة" إذا في حقيقتها  ليست لها علاقة بالعلم، إذ نثبت هنا أنه حتى الأمم التي لبست خرقا صغيرة تعلمت في الحياة، بل المسألة لها علاقة بشكل مباشر، وحتى نعطي  للأشياء أسماءها الحقيقية، ولا نغالط أنفسنا ، بالتخلص من الرموز الثقافية لهذا البلد  واقتلاعه من جذوره، حتى إن صدرت بشكل غير متعمق، أو تم التفكير فيها بشيء من السذاجة· وأي إنسان يرى أنني قد بالغت في طرحي هذا أو حملت المسألة أكثر مما تحتمل، عليه فقط أن يعطي نفسه بعض الوقت لدراسة الرموز الدلالية للملابس، وهي اليوم أدبيات متوافرة حتى على الانترنت، ثم عليه أيضا أن تكون له نظرة متعمقة في مفهومي "الإقصاء" و "الإدماج"، الذين تقوم عليهما الثقافة الغربية المعاصرة، بعدها نتحاور·

 

* جامعة الإمارات

�����
   

الذاكرة الإخوانية والقراءات الخاطئة:
يحيى علامو
مهما اشتد الخلاف تبقى "الطليعة "منبر الحرية:
نهار عامر المحفوظ
طبول الحرب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
حسابات سياسية خاطئة!!:
سعاد المعجل
وداعا.. بابا خالد:
محمد علي بورسلي
حوار من بعيد(3):
فهد راشد المطيري
حدث في الكويت!:
على محمود خاجه
"إلا عباتي":
يوسف الكندري
سيبقى خالدا:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الأفيون والمجتمع الأفغاني:
د. محمد حسين اليوسفي
الوجه الآخر للأحداث:
عبدالله عيسى الموسوي
آباء يعلمون أبناءهم:
د. لطيفة النجار
حقوق الإنسان: الشعارات والواقع:
د· منى البحر
نظام الحزبين ولو بعد حين!:
عبدالخالق ملا جمعة
حماس والاتصالات:
المحامي نايف بدر العتيبي
هذه الحمائم للذبح: "الكندورة" وبُعدها الدلالي:
د. حصة لوتاه