قبيل حرب 2003 التي أطاحت بنظام صدام حسين·· وصلتني رسالة من معارض عراقي مقيم في لندن·· يعلق فيها على مقال كنت قد كتبته في جريدة "الطليعة" بعنوان "النضال بالمراسلة"!! فحوى المقال كان أن التغيير في أي مجتمع كان لا يمكن أن يُفرض من الخارج في إشارة الى موقف وجهد المعارضة العراقية في الخارج والتي كنت أرى أنها لا يمكن أن تحقق أهدافها طالما بقيت بعيدة عن العراق·· كما أن الحرب التي ستشنها الولايات المتحدة وبريطانيا لن توفر المخرج الحقيقي لأزمة العراق المتمثلة في الرضوخ للعنف الديكتاتوري لعدة عقود·· وغياب الحريات والديمقراطية!!

الصديق المعارض·· عارض ما قلته بشدة·· واتهمني بالقسوة على أقرانه في الشتات!! أما الآن·· وقد وصل الوضع في العراق الى ما وصل إليه من مأساوية ودمار وعنف فإني أتصور أن وجهة نظري فيما قلته قد تبدو أكثر وضوحا للمعارض الصديق!! فالأيام ومعها الأحدث تؤكد أن من الصعوبة فرض التغيير أيا كان شكله وحجمه من الخارج فالمعارضة العراقية التي أشعلها الحماس إثر سقوط نظام صدام حسين·· تراجعت الآن·· وخف بريقها حين أدركت صعوبة مهمتها!! أما الولايات المتحدة وبريطانيا·· فإن حجم الخسائر·· وتدهور الوضع في العراق·· يقف شاهدا على نتيجة الحرب التحالفية التي شنها الاثنان معاً لأهداف عديدة بعضها معلن·· وبعضها الآخر سيبقى في دائرة الاجتماعات السرية العنيفة!!

ويبقى السؤال المحير هنا·· هو ما الحل؟؟ هل يعني فشل الولايات المتحدة في العراق·· أن عليها أن تنسحب؟؟ وهل يعني إقرار الرئيس الأمريكي بوجود تشابه بين الهجمات الحالية في العراق·· وبين الهجوم التاريخي للفيتكونغ في تيت·· إن دور الولايات المتحدة قد بات في أن تفر بجلدها·· وتنقذ من تبقى من أبنائها؟؟

لا·· وألف لا·· فليس من حق الولايات المتحدة أن تنسحب الآن·· فالذي يحدث في العراق هو مسؤوليتها·· ونتيجة مباشرة لجملة من الأخطاء التي اقترفتها الإدارة الأمريكية منذ اليوم الأول لسقوط النظام في بغداد!! فحل الجيش العراقي كان خطأ أمريكيا·· وتقريب بعض رموز المعارضة من الذين وصموا بالفساد هو أيضا خطأ أمريكي·· وكذلك حل جهاز الشرطة·· وتجاهل الفساد الذي كبد العراق مليارات الدولارات·· والعبث بالتركيبة الطائفية في العراق·· كل هذه أخطاء أمريكية أدت الى ما يعاني منه العراق اليوم من دمار ودماء ورعب وعنف!!

إبان مرحلة ما بين الحربين العالميتين وبالتحديد في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي·· واجهت الولايات المتحدة أزمتها الاقتصادية الشهيرة والتي جعلتها تتقوقع وبالتالي تنغلق عن المجتمع الدولي بعد أن كانت لاعبة رئيسية فيه!! وقد رأى الكثير من المحللين أن عزلة وانغلاق الولايات المتحدة آنذاك كان سبباً مباشرا في إشعال الحرب العالمية الثانية·· أكثر الحروب البشرية خسارة من حيث التكلفة البشرية والاقتصادية والمعنوية!!

الولايات المتحدة آنذاك كانت لاعبا أساسيا·· دفعته أزمته الاقتصادية للانغلاق والعزلة·· وهي اليوم ليست لاعبا أساسيا وحسب·· وإنما اللاعب الوحيد والأوحد!! لذا فإنه ليس من حقها أن تنسحب من العراق·· أو من أفغانستان·· قبل أن تعيد ترتيب من أحدثته من فوضى·· وتنظيف ما سببته من آلام ودماء وعنف!!

suad.m@taleea.com