رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 8 نوفمبر 2006
العدد 1749

تحولات المكان
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

من الأمور التي تدهشنا وتثير عجبنا هي علاقة المشاعر والأفكار بالمكان والزمان؛ فكثيراً ما تبدو أفكارنا وتصوراتنا مجردة في وضع أقرب إلى الثبات والسكونية، تتشكل بمعزل عن الزمان والمكان والبيئات المختلفة حتى لو اختلفت فيها اللغات والثقافات والأفكار، فكثيراً ما يستغرقنا المكان الذي نعيش فيه على حد تعبير أستاذنا إبراهيم السعافين فلا نرى إلا ما يحيط بنا من أناس وأفعال ولا نتصور إلا ما يجري أمامنا، بمعزل عن الإطار الكوني الواسع الذي يشهد حركة موارة من الناس والأفعال وخليطاً متناقضاً من الأفكار والأفعال ومظاهر السلوك، فالذي يعيش أحياناً في بيئة مغلقة لا يتخيل قوماً آخرين لهم طبائع وعادات وطرائق في التصور والتفكير ونمط حياة مختلفة·

ولا يقتصر هذا الأمر على التجمعات البشرية الكبيرة التي تنضوي تحت ثقافات أو أعراق كبرى تسمح بتباين في التفكير وطرائق السلوك، وإنما ينسحب هذا الأمر على التجمعات الصغيرة المغلقة التي تجد أفكارها وقيمها وتصوراتها وربما عاداتها - وإن كانت تتسم بالتعصب وانغلاق العقل- هي محور الكون وأنها واجبة الاتباع وأن الخروج من دائرتها جدير أن يستتبع فساد العالم وخرابه وانهياركل شيء· ولعل الإقامة الطويلة في المكان تسمح لهذه الظاهرة بالتمركز، ولاسيما إذا كان المكان ينشغل دائماً بتسليط الضوء على الآخر وليس التأمل في الذات أو رؤية الأعماق، مما يبعد هذه البيئة عن العمل الإيجابي بغية الإتقان والتطوير ومحاسبة الذات على التقصير ومعاينة الآخر على أنه شريك إيجابي في العمل والتحليل والتفسير وإيجاد الحلول، وهو شريك بالضرورة في النتائج التي تعود بالنفع على الأفراد المتشاركين المتعاونين وبالضرورة على المجتمع كله· وهو أمر يجعل فرص التصادم السلبي قليلة إن لم تكن معدومة؛ فحركة العمل الإيجابي النشط تأخذ بأيدي الجميع نحو التنافس في مصلحة الجميع، وفي ما هو خير للفئات المتساندة المتعاونة، فكم من أشخاص سرعان ما تتحول علاقتهم بالمكان إلى علاقة سلبية وربما عدائية بعد فترة قصيرة، فلا تسمح لهم بتكوين رأي صائب وربما قريب من الصواب لعدم امتلاكهم المسوغات الموضوعية للحكم إيجاباً أو سلباً· ولا يبدو الحكم إلا من خلال متابعة الآخر وتركيز الضوء عليه ثم تجسيم معايبه حتى يصبح الشخص ويصبح الزمان والمكان بالتالي شراً كله، ولا يصبح ممكناً أمامه إلا أن يقيم علاقة عدائية مطلقة مع الزمان والمكان وتبدو الأحكام هنا منغمسة بالذاتية ولا تعود ترى الأشياء إلا من خلال هذه الذات المتورمة المستعلية وهي ذات بالضرورة مريضة لا ترى أو لا تحاول أن ترى الأشياء في ضوء تأمل الذات والتفكير بتجرد بعيداً عن الانغلاق الأعمى أو التعصب الذميم·

ولعل أبرز المواقف الذاتية من المكان ما نراه في الرؤية المتناقضة من المكان؛ فقد يكون المكان المعيش سيئاً ما دام يحل فيه حتى إذا غاب عنه وابتعد عن الظروف المتولدة فيه من اجتماعية وسياسية واقتصادية وربما إيديولوجية بات يحن إليه حنيناً جارفاً، ولا يرى من سلبياته الكثيرة التي كانت تسد كل الأبواب والمنافذ أمام رؤية موضوعية للواقع أي مجال إلا إيجابيات تتولد عن الغياب عن المكان· فالمكان الغائب هو المكان المشتهى والمكان الجميل، والمكان الحاضر هو المكان المشوه المزعج الذي لا تتوافق معه الذات ولا تنسجم بالمرة، وغالباً ما تبدو هذه الذاتية المسرفة لدى الرومانتيكيين الذين يعيشون قلق العلاقة بالمكان، ويتجلى بصورة واضحة في موقف الرومانتيكي من الشرق والغرب؛ فهو في الغرب يحن إلى الشرق حنيناً مبالغاً فيه، حتى إذا عاد إلى الشرق ووجد السلبيات التي كان على معرفة بها قبل أن يشد الرحال إلى المهجر رأى هذا الشرق شراً كله وأسرف في ذمه وتضخيم معايبه وسلبياته، وتظل الحركة متوالية ولا نراه أبداً يقيم على حال·

على أن بعض الناس يرون أن المكان هو الحاضر دائماً في وعيهم ولا يرون غيره وليس هذا الكلام متصلاً بالرقعة الجغرافية بل بكل متعلقاته من المعاملات الفردية الإنسانية إلى الجوانب الاجتماعية والسياسية والنفسية، ولا يتخيل المرء في هذه الحالة بأن هناك عالماً متعدد البيئات والمناطق والثقافات والتصورات بعيداً عن المكان الذي يحل فيه، وأغرب من هذا أن بعض الناس تستغرقهم المدينة التي يعيشون فيها أو التجمع السكاني الذي ينتمون إليه من عشيرة أو أصدقاء أو نحو ذلك· ومن الناس من تستغرقه المؤسسة التي يعمل بها، حتى إذا غاب عنها أو عمل في مؤسسة أخرى وجد عالماً آخر وبدت علاقته السلبية أو الإيجابية بهذه المؤسسة تبهت ولا يرى في هذه العلاقة إلا خيطاً دقيقاً من الذكريات·

وإذا كانت العلاقة بالمكان في جوهرها عصية على الثبات والسكونية فإن على الإنسان المتدبر المتأمل ألا يستغرقه الزمان ولا المكان لأن التغير والتبدل والتحول من طبيعة الظواهر والأشياء، وهذا يقتضي ألا يستسلم الإنسان للأمر الواقع على أنه قدر حتمي لا يتغير ولا يتحول، ولا يجوز أن يشكل قيمه وتصوراته وموافقه بناء على هذا التصور الخاطئ، وإنما عليه أن يمد بصره بعيداً في الزمان والمكان ولا يرى ما هو جدير بالثبات والبقاء سوى القيم الإنسانية الحقيقية العليا التي تنتمي إلى الحق والعدل والخير والجمال، فالكل باطل في إطار التغير المستمر والتحول الدائم ولا شيء أدعى إلى اختراق كل الأزمنة والأمكنة للوصول إليه بحب وراحة ضمير غير التمسك بالقيم العظمى التي لا تخضع لمغريات الزمان أو المكان؛ ولا بد أن يرتفع البصر حتى يتجاوز كل الحدود والقيود ليرى الأشياء مجردة من كل الحسابات الضيقة والأهواء الزائفة سعياً وراء الحقيقة مهما تكن النتائج المترتبة عليها، وهذا هو هدف الخيرين في مسيرة الإنسانية الطويلة في كل زمان ومكان·

جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

قراءة في التقرير السنوي لجهاز خدمة المواطنين:
عبدالحميد علي
هل "الإخوان المسلمين" يتطلعون لاحتلال كرسي نائب الحاكم؟!:
صلاح مضف المضف
"فيروسات" التأزيم و"جينات" الحرمنة!:
سليمان صالح الفهد
حقوق البدون:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
عزلة أمريكية؟؟!:
سعاد المعجل
دويلة:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
المثقف بين الطموح وتسويق الذات:
فهد راشد المطيري
لا لهم..
نعم للكويت:
على محمود خاجه
ميادين الرماية في الحرس الوطني:
المهندس محمد فهد الظفيري
الفعل والموقف يكشف حقيقة كل مراوغ:
محمد بو شهري
كويت بعد النفط:
المحامي نايف بدر العتيبي
الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات:
د. محمد حسين اليوسفي
تحولات المكان:
د. لطيفة النجار
عنصرية دولة الإرهاب:
عبدالله عيسى الموسوي
حتى لا تصبح دبي مثل القاهرة:
ياسر سعيد حارب
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الردع مطلوب أحيانا:
د. حصة لوتاه