رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 يوليو 2006
العدد 1737

الجمال، من يضع له الدلالات؟
د. حصة لوتاه

وأنا صغيرة عندما كنت أنظر في وجه جدتي، أو في وجوه عجائز غيرها، أشعر بشيء من الرهبة والتبجيل، كنت أرى مثلا في تلك العلامات المرسومة على وجوههن، التجاعيد،  خطوط الزمن الذي عاشوه في سنوات أعمارهن وقادتهن إلى دروب المعرفة والحكمة، وكنت أشعر أنني "محظية" عندما أكون في حضرة جدتي، أو في حضرة غيرها من الكبار حين يجلسون ويتحدثون معي، ولقد شغفتني تلك الخطوط المرسومة من قبل الزمن على وجوههن لدرجة أنها كانت يوما موضوعا لتصويري، ولا أعتقد أنني كنت الوحيدة التي شعرت بتلك المشاعر، بل ربما كان كل من هم في جيلي، قبل أن تجرفنا تيارات الحداثة، يشعرون بتلك الأحاسيسن نفسها·

لكن هذه المشاعر تغيرت عند الكثيرين من شباب اليوم، إذ أن أغلب شباب اليوم يحملون مفهوما مختلفا لما حملناه عن "التقدم في العمر"، فنحن مثلا لم تكن تستوقفنا الخطوط في الوجوه على أنها "أخطاء" يجب تصحيحها، أو أنها علامات علينا أن نخبئها تحت معاجين المساحيق، ولم يكن "الشباب" وحده في أذهاننا هو المرحلة العمرية التي تستوجب الاحتفاء بها أو تقديسها، بل كانت لكل سنين عمر الإنسان معانيها ومكانتها الخاصة، هكذا كان تقديرنا للأشياء، أما اليوم  فهذه المعايير تتغير، حيث تغيرت المفاهيم حول "شكل" الإنسان ومعايير "جماله"، وتقديره لنفسه أيضا، تغيرت لدرجة أننا أصبحنا لا نميز بين معايير نعرفها في ثقافتنا وأخرى دخيلة عليها·

وللإعلام بجميع وسائله الدور الأول في هذا التغيير، فالإعلام لا يلعب دورا مباشرا فقط، عن طريق الإعلانات مثلا، في الترويج لمعايير الجمال الحالية، والتي هي في غالبيتها معايير تنتمي للثقافة الغربية المعاصرة، بل إن دوره الأكبر يقع في الترويج غير المباشر لتلك المعايير، وهذا الترويج يظهر جليا في نوعية الاختيارات التي تقع على مقدمات البرامج، وعلى اختيار الممثلين، أو بالأحرى الممثلات، في الأفلام والمسلسلات وغيرها، وحين يكون التركيز في معايير الجمال على شكل معين، كأن تكون المرأة التي يتم اختيارها مثلا من قبل تلك الوسائل، بيضاء ونحيفة وذات شعر أشقر، فإن لهذا الاختيار رسالة واضحة يبثها لباقي النساء عن النوعية التي يمجدها القائمون على وسائل الاتصال، ولأن هذا الاختيار يعني شيئا يتجاوز حدود الوسيلة الإعلامية في أذهان الناس إلى الصورة التي تصنع كأنموذج على الأخريات الاحتذاء به، فإن تأثير هذه الرسالة لا يخلو من خطورة، وهذا ما يفسر لنا اليوم ازدهار ما يسمى بمراكز "التجميل" والتي تتخصص بالدرجة الأولى في ممارسة العمليات التي يتم فيها تعريض المرأة، باختيارها طبعا، لعمليات التقطيع والقص، وذلك حتى يتناسب شكلها مع الشكل الذي تروج له وسائل الإعلام، وعمليات التجميل اليوم لا تمارس بسبب أن الإنسان، أو الإنسانة التي تضطر للخضوع  لها تعاني من مشكلة خلقية، أو أنها تعرضت لحادث تسبب في تشويهها، بل تمارس هذه  لأن المرأة ليست سعيدة بالخطوط التي بدأت تظهر على وجهها، أو أن حجم أردافها أو بطنها لا يتطابق مع "المعايير السائدة"، بالطبع، ربما لا تفكر تلك المرأة وقتها أن القبض على الزمن أمر ليس بمقدورنا إحداثه، وأن العمر لا محالة يتقدم، إذا لم نمت، وهنا تظهر مشكلة أخرى  خطيرة تواجهها النساء (وربما بعض الرجال أيضا) وتكمن في أنهم يعانون من شيء من الكراهية لأنفسهم لأنهم لم يستطيعوا القبض على الشكل الذي يتمنوا المحافظة عليه·

الأسباب التي تدفع البشر للدخول في مثل هذه المتاهات والإشكالات كثيرة، بعضها له علاقة، بسيطة بالطبع، بالمستوى المادي للشخص (فالفقراء مثلا لا ينشغلون كثيرا بعمليات التجميل لأن لديهم أولويات أخرى في الحياة)، وبعض الأسباب تعود للقيم التي يحملها المجتمع، أو يتبناها، للجمال وللسن، وهنا، بالنسبة لنا نحن، كما هو الحال بالنسبة إلى شعوب كثيرة غيرنا، فإن الأمر  يتجلى عن علاقة بالاستعمار، وبالثقافات التي أفرزها في أجساد الشعوب التي أخضعها لسيطرته، وهذه ليست من المبالغات، أو إنها، كما يقال من المشاجب التي نضع عليها مشكلاتنا، فالاستعمار وجد، ويتجدد بأشكال كثيرة، وحتما لا تكمن مشكلات وجوده في الخراب المباشر الذي يمارسه في البلدان التي يحتلها، بل إن خرابه الأكبر هو الذي يحدث في نفوس البشر التي تتعرض لسيطرته، وتكمن إحدى أخطر مشكلاته في تخلي أولئك البشر عن كل ما يمثل كيانهم وذاتهم ويدفعهم لمحاولة التماهي مع القوى المسيطرة عليه·

الدراسون في مجال ثقافة وخطاب "ما بعد الاستعمار" يدركون أن ثمة علاقة وطيدة بين الدور الذي لعبه الاستعمار في التأثير على الشعوب التي خضعت لسلطاته، وبين القيم التي بتنا نحملها لأنفسنا، فلقد أدخل الاستعمار، مع آلياته العسكرية وأنظمة إداراته، قيمه الجمالية أيضا، وهذه القيم تلقفتها النفوس المهزومة والمكسورة وتبنتها على أنها قيمها هي، ولا شيء أخطر في الكون من تخلي المغلوب للغالب عن كيانه وعن ذاته، ومحاولته استعارة ذات الآخر الغالب والتعامل معها على أنها ذاته  هو الأصلية، فعمليات التجميل التي تخضع لها بعض النساء اليوم لها علاقة قوية بالممارسات الاستعمارية في مجال التعذيب، فالاستعمار كان يعرض للتعذيب الأفراد الذين لا يتفقون مع سياساته وأهدافه، أي لا يتبنون فكره هو، وكانت هناك أساليب للتعذيب المباشر مارسها الاستعمار على من تصدوا لانتهاكاته لأراضيهم وأوطانهم، لكن أساليب التعذيب الجديدة، والتي نمارسها نحن على أنفسنا حتى نقترب في الشبه من الصورة التي يرسمها لنا الاستعمار، هي أساليب أكثر خطورة وأشد تأثيرا في تدميرها لنا، فالاستعمار مارس في السابق التعذيب الجسدي المباشر، والذي كان يقصد من ورائه تحطيم نفوس مقاوميه وتدميرها، وهذا بدوره انعكس الآن في الاستلاب الذي نعيشه، والذي يظهر في محاولة التماهي مع الآخر المغتصب، وهو أمر أخطر بكثير اليوم مما كان يمارس ضدنا في السابق، فاليوم نساق بمحض إرادتنا إلى أماكن عليها شعارات الطب والعلم، الطب الغربي والعلم الغربي، بطبيعة الحال، لنخضع أجسادنا إلى أشكال من التعذيب قاسية نمزق فيها جلودنا،  ونقطع من أنوفنا حتى تصبح شبيهة بأنوف الغربيات الصغار القصار، ونصغر من صدورنا وأردافنا، كل ذلك حتى تصبح مقاييسنا متطابقة مع "المقاييس العالمية" والمعايير التي تضعها لنا شركات التجميل والموضة،  ولانسأل أنفسنا من يضع لنا هذه المقاييس، ولماذا نقبلها؟

�����
   

حمانا جبل لبنان:
سليمان صالح الفهد
"الخرافي شين وقواة عين":
عبداللطيف الدعيج
انتصارات حزب الله:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
جنديان إسرائيليان.. بس!:
فيصل عبدالله عبدالنبي
بطل من هذا الزمان:
عبد الجليل النعيمي
أحفاد من نحن العرب؟:
المحامي نايف بدر العتيبي
لبنان يشتكي من الوهن العربي:
د. عبدالواحد محمد الخلفان
الكماشة المباركة:
عبدالرحمن خالد الحمود
وبعدين..؟:
على محمود خاجه
بخس ثمن الإنسان العربي في الحسابات الغربية:
د. نسرين مراد
هكذا يفكر "أولمرت":
عبدالله عيسى الموسوي
الطريق الافتراضي إلى الموت:
د· منى البحر
الجمال، من يضع له الدلالات؟ :
د. حصة لوتاه
أبو ريم: الإنسان المبدأ:
د. محمد عبدالله المطوع