تقدير الذات باختصار هو تقييم الإنسان لذاته بشكل كلي إما بطريقة إيجابية أو سلبية، وأنه يشير الى مدى إيمان المرء بنفسه وبأهليتها وقدرتها واستحقاقها للحياة، فتقدير الذات هو في الأساس شعور المرء بكفاءة ذاته وبقيمتها·
وعلى هذا أساس نجد أن الأمة التي تكون نظرة أفرادها لذواتهم مرتفعة ولديهم تقدير عال لذواتهم هم أمة متطورة ناجحة لا تقبل الظلم والانكسار والخنوع وحكم الطغاة، بل تجدهم يسعون جاهدين للحصول على الأفضل في شتى المجالات، وأما الأمة التي تقبل بحكم الدكتاتور وتقبل أن تنقاد مثل قطيع الغنم ويجتاحها الفقر والجهل والظلم وغيرها من سلبيات بسبب التقدير المتدني لذواتهم هي أمة متأخرة ولذلك لا تسعى ولا تطمح للتغيير للأفضل بل ترضى بالأمر الواقع وتكون لديها قابلية للاستعمار والاستعباد والهزيمة وأن تكون في آخر الركب· وكثير من أقطار العالم العربي والإسلامي مبتلون بالتقدير المتدني للذات بسبب سياسات الأنظمة الاستبدادية في قهر الشعوب وإذلالها على مر التاريخ، والأدهى والأمر أنها وجدت حفنة من وعاظ ومثقفي ومفكري السلطة ممن يبررون لهذه السياسات كي يقنعوا الفرد بالاستسلام للواقع وأنه لن يستطيع التغيير وأنه غير قادر على مواجهة آلة الدكتاتور العسكرية والمخابراتية، وإن طلبوا التغيير فسوف يتسببوا بفتنة وبلبلة ويخرجوا عن الجماعة·· إلخ، وأكثر الأمثلة المستخدمة في ذلك (أن العين لا تقاوم الإبرة)· ولذلك استفادت إسرائيل من هذه النفسية المهزومة التي تعشعش في العالم العربي والإسلامي واستطاعت برمجة عقولهم أنكم لستم ندا كفؤاً لمواجهة القوة الإسرائيلية أو تحقيق نصر عليها، ولكن هذه الأمة على مر تاريخها دائما يخرج منها أبطال يكسرون هذا الواقع السلبي ويحققون انتصارات تحوله لواقع إيجابي يعيد برمجة عقول الأمة إيجابيا نحو النهضة وتحقيق النصر الداخلي والخارجي على مستوى الفرد والمجتمع، وهذا ما أحدثه حزب الله اللبناني، فبعد أن حقق النصر على الآلة العسكرية الصهيونية واستطاع طردها من جنوب لبنان بث في الأمة روح الانتصار والتغيير للأفضل ورفض الخنوع سواء من المحتل أو الأنظمة الدكتاتورية التي هي سبب رئيسي في هزائم الأمة، ولذلك قامت إسرائيل وحلفاؤها بعمل حرب جديدة على لبنان لتدمير حزب الله وإعادة برمجة الأمة على الهزيمة ولكنه فشل فشلا ذريعا، وقد حقق حزب الله انتصارات في قدرته على الدفاع عن بلاده وإنزال خسائر فادحة في جيش العدو الصهيوني مما دفع بقوة في تسريع برمجة العقل الإسلامي والعربي على النصر والتقدير المرتفع للذات، وإننا مؤهلون لتغيير المعادلات القائمة والمفروضة علينا، وإننا نمتلك القدرة على أن نكون في مقدمة الشعوب المتقدمة التي تطلب الأفضل في جميع المجالات، وترفض كل ما هو سلبي وكل ما يسبب التراجع، ولذلك نجد أن إسرائيل حاولت جاهدة في وسائل الإعلام أن تقنع العالم بأكذوبة هي أن من يقاتل في لبنان وينزل به الهزيمة ليسوا حزب الله أي ليسوا عرباً بل هم أفراد من الحرس الثوري الإيراني، وكأنها تريد أن تقول أنتم العرب لستم مؤهلين لتواجهوا إسرائيل بل من يقاتل عنكم هم الإيرانيون غير العرب، ولكن انفضحت هذه الكذبة الإسرائيلية واقتنع العالم أن من يحقق الانتصارات في لبنان ضد الجيش الإسرائيلي هم مسلمون عرب أقحاح ليس بينهم أي عنصر غير عربي، وأن زعيم حزب الله الذي يحقق الانتصارات هو عربي من بني هاشم من سلالة آل بيت نبي الإسلام، ولذلك الإحباط الإسرائيلي ليس فقط بسبب هزيمتها العسكرية وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها بل أيضا أنها ترى أن خططها الاستراتيجية قد فشلت وقد بدأ العالم العربي والإسلامي ينظر لذاته بتقدير مرتفع يستطيع المواجهة وتحقيق النصر والمطالبة بالتغيير على المستوى الداخلي كمطالبته بالديمقراطية وتداول السلطة والتنمية وغيرها من إيجابيات، وكذلك على المستوى الخارجي بمطالبته بأن تكف بعض الدول من محاولة التآمر مع دكتاتوريات العالم العربي والإسلامي لإجهاض مشاريع الإصلاح والتغيير نحو الأفضل·
machaki@taleea.com |